صنعاء 19C امطار خفيفة

عن الدولة المدنية والدولة العربية

2023-06-04

هذا المقال يعتمد على النص المكتوب، الذي قدمت الكاتبة بعضًا منه في ندوة عبر الزووم (ويبنار) بعنوان "مفهوم الدولة المدنية ومستقبل اليمن"، والتي رعتها منظمة الأكاديميين والمهنيين اليمنيين في يوم السبت الثالث من يونيو 2022. عنوان مداخلة الكاتبة كان "عن الدولة المدنية والدولة العربية".


بحثت عن المصطلح ولم أجده. بحثت عنه ولم أجده.

موضوع هذه الجلسة بمداخلاتها الثلاث يرتبط تحديدًا بمصطلح الدولة المدنية.

ولذا، عند التحضير لهذه المداخلة، أردت أن أضعه في سياقه ونشأته الفكرية قبل أن أتحول إلى الحديث عنه من منظور واقع الدولة العربية.

فقمت بعملية بحثية بسيطة، باللغات الثلاث: العربية والألمانية والإنجليزية. هي اللغات التي أتقنها.

عبر الإنترنت، وبعض الموسوعات الرقمية، وفي المنصة السويسرية الوطنية الرقمية، swisscovery، التي توفر مصادر بحثية من حوالي 490 مكتبة في سويسرا.

بالعربية لم تكن هناك مشكلة في العثور على مصادر حول هذا المصطلح.

معظم المراجع الحديثة بحوث وكثب تتعلق بالإسلاموية، أعني الإسلام السياسي. على سبيل المثال، كتاب "الإسلامويون بعد عقد من الربيع العربي"، وكتاب "من الخلافة الإسلامية إلى الدولة المدنية".

وهذه المصادر المذكورة تحديدًا تحدثت عن الحراك الجيلي داخل الحركات الإسلامية، ومراجعات بعض الأجنحة الإسلاموية لمواقفها الفكرية، وتحديدًا في ما يتعلق بالدروس المستفادة من التجربة المصرية والتونسية، والبحث عن صيغة "مدنية" (بين ظفرين) للدولة.

باللغة الألمانية، عندما بحثت عن الدولة المدنية "Zivilstaat"، اندهشت عندما وجدت أن المصادر المتوافرة تركز على العلاقات الدولية الخارجية، واستخدام القوة العسكرية أو المدنية في مناطق النزاعات. كان الحديث أيضًا منصبًا على ألمانيا والاتحاد الأوروبي في هذا النطاق.

وبالإنجليزية، كانت النتيجة من شقين. في الموسوعة البريطانية البريتانيكا، لم أجد المصطلح. بل خرجت النتيجة بمصطلحات من نوعية: الحرب الأهلية، أو المجتمع المدني.

في المنصة السويسرية الوطنية الرقمية، في المقابل، وجدت المصطلح، ولكن هنا تكرر النمط السابق، الحديث كان في ارتباطه بالإسلاموية في منطقتنا.

أصول هذا المصطلح (الحديثة) تعود إلى نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، في مصر، وتحديدًا في علاقتها بطبيعة الدولة التي تدعو إليها حركة الإخوان المسلمين، والضغوط التي تعرضت لها من: الدولة، ومن القوى العلمانية واليسارية والليبرالية، والمتخوفة من تبعات الدولة الدينية التي كانت تدعو إليها الحركة، وأيضًا الضغوط التي تعرضت لها من داخل الحركة نفسها، والمطالبة بمراجعات فكرية، وأدت في النهاية إلى انسلاخ هذه الشريحة النقدية في حركة جديدة، أعني حزب الوسط.

وقد حدث نوع من التدرج في فكر الإخوان المسلمين، من نموذج "الدولة الإسلامية الشاملة"، حيث تملي التوجيهات الدينية طرق الدولة والمجتمع، إلى نموذج "الدولة المدنية"، أي الدولة القومية التي تديرها مؤسسات حديثة مألوفة (مثل البرلمان والانتخابات)، ووفقًا لدستور، ولكن ضمن حدود الشريعة الإسلامية.

وبكلمات الحركة نفسها في أدبياتها


"يكمن الاختلاف الأساسي بين الدولة الإسلامية والدول الأخرى في مصدر سلطة الدولة، وهي الشريعة الإسلامية، التي تنظم مختلف جوانب حياة المسلمين وغير المسلمين الذين يتقاسمون الوطن الأم..." [1].

استخدام هذا المصطلح كان في الواقع ردة فعل، ومحاولة لتطويع خطاب الحركة الإسلامية بما يتماشى مع واقعها السياسي.

ومع الوقت تزايد استخدام الحركة لمصطلح الدولة المدنية في تضادها مع الدولة "العسكرية"، ورغم رفضها للنموذج الإيراني وولاية الفقيه فيه، كانت تصر على دور ما سمته الخبراء، أي شيوخ الدين، في الإشراف على القوانين، كي تكون ذات مرجعية إسلامية.

وباختصار، وكما تقول ليمور لافي، مؤلفة مقال نشر بتاريخ 2017، في مجلة الدراسات الشرق الأوسطية، تقول: "كان موقف الإخوان المسلمين في السنوات الأخيرة من مفهوم الدولة المدنية، وفي هذا الصدد تجاه دور الدين في البلاد، مزدوجًا وغير متسق، نظريًا وعمليًا. لقد كانت محاولة لتحقيق أنواع مختلفة من الأغراض، وإرضاء أنواع مختلفة من الجماهير. لم يكن لدى الحركة فهم واحد متماسك للأمر، وهو ربما ما أضر بمصداقيتها العامة وساهم في سقوطها"[2].

بغض النظر عن رؤية حركة الإخوان المسلمين المصرية، والحركات الإسلاموية لهذا المصطلح، فقد تحول إلى مصطلح ذي جاذبية، خرج من جذوره الإسلاموية، ليحظى بشعبية، لا سيما بعد الثورات والانتفاضات التي شهدتها المنطقة منذ 17 ديسمبر 2010.


تحول المصطلح إلى طوق نجاة، استخدمته القوى العلمانية واليسارية والليبرالية، ليبعدها عن استخدام مصطلح العلمانية، أي الفصل بين الدين والدولة، وهو المصطلح الذي شيطنته القوى الإسلاموية والمحافظة على مدى العقود السابقة[3].

ولذا استقر الحديث على "المدنية" بدلًا من "العلمانية".

 

------
إذن، مصطلح الدولة المدنية، نشأ ضمن إطار جدلية تتعلق أساسًا بعلاقة الدولة بالدين. والدولة في تعريفها المتفق عليه، تبدو محايدة.

هي "تجمع سياسي يؤسس كيانًا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد، ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة. وعناصرها الأساسية هي الحكومة والشعب والإقليم، بالإضافة إلى السيادة والاعتراف بهذه الدولة، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة. والهدف منها إقرار النظام والأمن وإنفاذ القانون واحتكار وسائل العنف الشرعي على حدودها[4].

لكن، متى أدخلنا الدين في المعادلة، يصبح السؤال، كيف تنعكس المرجعيات الدينية للدولة على مفهوم المواطنة، طبيعتها، والأهم معايشتها على أرض الواقع في تشابكها وعلاقتها بمحاور متعددة للهويات؟


هذا سيأخذنا إلى المحور الثاني من هذه المداخلة:

نماذج لبعض الدول الغربية الأوروبية تحديدًا في تنظيمها للعلاقة المؤسسية بالجماعات الدينية داخل نطاقها الجغرافي.
معظم الديمقراطيات الغربية هي دول علمانية. العلمانية هنا تعني أن الدولة تضمن الحرية الفردية وحرية الاعتقاد والدين أو عدمه، والفصل بين الدين والدولة، والحياد في الشؤون الدينية.

لكن، على الرغم من الفصل المعلن بين الدولة والدين، تختلف الديمقراطيات الغربية في الأطر المؤسسية التي تحكم العلاقات بين الدولة والجماعات الدينية.

سأطرح بشكل سريع ثلاثة نماذج: المملكة المتحدة (بريطانيا)، فرنسا، وسويسرا[5].

نموذج المملكة المتحدة


يمكن أن نسميه، نموذج الكنيسة التي ترعاها الدولة. وأعتقد أن مراسيم تتويج الملك تشارلز التي شاهدناها على شاشات التلفزيون، أظهرت لنا الدور الهام، الذي تلعبه الكنيسة الإنجليزية في الدولة.

تحتل كنيسة إنجلترا مكانة عالية ككنيسة راسخة، ويعتبر الملك رئيسًا للكنيسة، ويحمل لقب الحاكم الأعلى لكنيسة إنجلترا. وفي المقابل، للكنيسة روابط وثيقة مع السياسة والسياسة العامة، وتتمتع بدعم مالي لعملها في التعليم والخدمات الاجتماعية، و26 من رؤساء ورئيسات أساقفتها يجلسون ويجلسن في مجلس اللوردات بحكم مناصبهم ومناصبهن، بصفة لوردات روحية[6].

الموقع الخاص الذي تحتله كنيسة إنجلترا في النظام البريطاني، يفسر لماذا عمدت الدولة إلى فتح المجال الواسع لاستيعاب أقلياتها الدينية، بما في ذلك أقلياتها المسلمة واليهودية والسيخية، ولماذا قدمت فوائد وامتيازات متطابقة تقريبًا لجميع الجماعات الدينية في قطاعي التعليم والخدمات الاجتماعية.

كما يعطي أيضًا بعض المضمون للادعاء بأن أحد أسباب تردد السلطات البريطانية في معالجة المشاكل التي تسببها مجالس الشريعة الإسلامية في بريطانيا، هو خوفها من أن فتح مثل هذا النقاش يمكن أن يمتد إلى نقاش حول امتيازات كنيسة إنجلترا ومكانتها الرفيعة[7].

 

النموذج الفرنسي


هو نموذج صارم في فصله بين الدين والدولة. ولعله الأكثر صرامة في كل الديمقراطيات الغربية. وتخضع السياسة الفرنسية في استيعاب الدولة للممارسات الدينية لنسختها من العلمانية laicite، التي تشكلت بسبب تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، ودورها في فرنسا قبل نحو قرن أو أكثر. فالدين عندما يتحول إلى أداة سياسية، يتحول إلى قوة قمع وقهر، ولذا يرفض هذا النموذج، تدخل الدولة في شؤون الجماعات الدينية، وفي الوقت ذاته لا يقبل بأي تأثير ديني على سياساتها. وهذا الفهم للعلمانية لايزال إلى يومنا هذا ينظم علاقة الدولة بالمظاهر الدينية، ويحيلها إلى الحيز الخاص. بكلمات أخرى، يحق للمواطنين والمواطنات الإيمان بأي دين، في الحيز الخاص، ولكن في الحيز العام يواجهان قيودًا كمتدينين[8].

وهو ما يفسر، على سبيل المثال، حظر ارتداء الرموز الدينية كالحجاب والصليب والكيبه، أي غطاء الرأس اليهودي، في المدارس، وحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة.

 

النموذج الأخير، هو النموذج السويسري


هنا يضمن الدستور الحق الأساسي في حرية المعتقد والوجدان والمساواة أمام القانون. وفي الوقت نفسه، فإن الطوائف والجماعات الدينية المعترف بها من قبل الدولة، هي وحدها التي يمكنها التمتع بمختلف المزايا القانونية والمالية في تنظيم شؤونها. وفي هذه الحالة تتعاون الدولة والجماعات الدينية في مجالات محددة، مثل التعليم والخدمات الاجتماعية.

سويسرا دولة فيدرالية. ولذا يشكل نظام الكانتونات الفيدرالي نوعَ العلاقات بين الدولة والدين، التي تمارس في كل كانتون. ونتيجة لذلك، فإن الكانتونات الـ26 هي المسؤولة عن تنظيم العلاقة بين الدين والدولة. وهذا يؤدي إلى أنواع مختلفة من الترتيبات التي تتراوح من الفصل الصارم بين الدولة والدين في جنيف ونيوشاتيل على سبيل المثال، إلى علاقة وثيقة بين الكنائس/ الطوائف الدينية والدولة في بيرن وزيوريخ.

وقبل أن أختتم هذا الجانب، هناك ملاحظة لا بد من التأكيد عليها. في كل هذه النماذج كان حديثي عن علاقة الدولة المؤسسية بالكيانات الدينية المتواجدة. لكن سياستها تظل تفصل بين الدين والدولة، ولا تنعكس على مفهوم المواطنة الشاملة المتساوية داخل هذه الدول: فهي تظل متساوية بغض النظر عن الدين والعرق والجنس واللون والمستوى الاجتماعي، إلخ. كما أن قوانين العائلة البريطانية والفرنسية والسويسرية تخضع لقوانين مدنية لا دينية. وهذا مهم، بخاصة وأن القوانين الدينية للعائلة، عادة ما تتعامل مع المرأة كشخص قاصر، وتحرمها من الكثير من الحقوق داخل الأسرة وخارجها.


حتى الآن تحدثت عن مصطلح الدولة المدنية وارتباطه بسياق خاص بالحركات الإسلاموية الأصولية. أشرت أيضًا إلى أن جوهر القضية يرتبط بعلاقة الدولة بالدين، بخاصة عندما نطرح السؤال كيف تنعكس المرجعيات الدينية للدولة على مفهوم المواطنة الشاملة، وترجمتها على أرض الواقع في تشابكها وعلاقتها بمحاور متعددة للهويات؟


ثم طرحت عددًا من النماذج لدول ديمقراطية غربية، كلها دول علمانية، تضمن الحرية الفردية وحرية الاعتقاد والفكر والدين، وتفصل بين الدين والدولة، والحياد في الشؤون الدينية، لكن لكل منها أطرًا مؤسسية خاصة بها تحكم علاقة الدولة والجماعات الدينية. وبغض النظر عن تعدد هذه الأطر المؤسساتية، فإنها لا تنعكس على مفهوم المواطنة الشاملة المتساوية داخل هذه الدول.
 

مدخل المواطنة المتساوية وربطها بمحاور التنمية البشرية في منطقتنا العربية وهو ما يحيلنا إلى أساس المعضلة التي نواجهها اليوم.

أية دولة نبحث عنها في دولنا العربية؟

بعد كل ما مرت به المنطقة من ثورات وانتفاضات، وانزلاق العديد من الدول إلى حروب أهلية، وارتداد دول أخرى إلى حكم سلطوي عسكري أو مدني، وبدء دول أخرى في مسارات نهوض اقتصادية يغيب عنها البعد السياسي الإصلاحي. بعد كل هذا الماراثون الذي قطع أنفاس الكثيرين والكثيرات منا.

أية دولة نبحث عنها في دولنا العربية؟

أية دولة نحلم بها؟

عادة عندما نتحدث عن طبيعة الدولة، نجد الكثير من نخبنا يدخل في سياق جدلية ثنائية بين العلمانية والإسلاموية. الأول يصر على فصل الدين عن الدولة، والثاني يقول ولكن بمرجعية دينية، بغض النظر عما تعنيه هذه المرجعية.

وربما حان الوقت أن نخرج من نطاق هذه الجدلية، ونتحدث عن الدولة التي تجمعنا ولا تفرقنا. تلك التي تحترم كرامتنا ولا تنتهكها، والتي تؤسس للمواطنة الشاملة المتساوية على تعدد هوياتنا.


وكي أوضح موضعي من هذا الحديث، أنا واضحة في موقفي من فصل الدين عن الدولة.

لكن فصل الدين عن الدولة إذا لم يتأسس على مفهوم المواطنة الشاملة المتساوية، ويربطها بمحاور التنمية البشرية، لن يكون له معنى.

الدولة السوفيتية والدولة التركية الأتاتوركية فصلتا بين الدين والدولة، لكن الإنسان وواقع الحريات فيهما كانا منتهكين في الصميم.

وبنفس النسق، تغيير القوانين هام للغاية، لكن إذا لم تترجم هذه القوانين إلى واقع معاش، ستظل حبرًا على ورق.

ولذا أقترح هذا المدخل للحديث عن الدولة المنشودة.

مدخل المواطنة الشاملة وربطها بمحاور التنمية البشرية.

هناك ورقة بحثية صدرت عن تقرير التنمية الإنسانية العربية في عام 2019.

عنوانه "حتى لا يتخلف أحد عن الركب: نحو المواطنة الشاملة في البلدان العربية"[9].

لم تأخذ هذه الورقة البحثية حقها من الاهتمام. ربما لأنها وضعت إصبعها على مواقع الجرح في واقعنا العربي.

"كل دساتير الدول العربية تؤكد على المساواة أمام القانون". تقول لنا الورقة.

"لكن السياسات المختلفة والسياسة والديناميات الاجتماعية تحدد، خارج القوانين، كيفية تطبيق المواطنة واختبارها عمليًا". النتيجة، تقول لنا الورقة، إن هناك ما يمكن تسميته المواطنة "المتباينة"، أو درجات مختلفة من المواطنة، بحسب الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها المواطن، لنعايش واقعًا يصبح فيه هناك مواطنون ومواطنات من "الدرجة الأولى" أو "الدرجة الثانية" أو "الدرجة الثالثة، أو "لامواطنين"، البدون.
"المواطنة المتباينة" تتأسس على هوياتنا، الدين، والنوع الاجتماعي، والعرق، والطبقة... الخ، التي تتحول إلى مسبب لمعاملة متمايزة. والتمييز يحدث على مستويين؛ عمودي وأفقي. بكلمات أخرى، يتم الإقصاء والمعاملة غير المتساوية في العلاقة بين الدولة والموطن/ة، وبين المواطن/ة والمواطن/ة.

أما النوع الاجتماعي فيمثل أعمق مَواطن عدم المساواة والتمييز على المستوى الهيكلي في جميع أنحاء المنطقة.

فالمواطنة بالنسبة للمرأة ليست "متباينة" فحسب، بل تتم عن طريق "الوساطة"، حيث إن العلاقة بين الدولة والمرأة ليست مباشرة، بل تكون في الكثير من الحالات من خلال الولي، الوسيط الذكر (الأب أو الأخ أو الزوج)[10].

كيف يتم التعامل مع الإنسان، لدينا في المنطقة؟

أسألكن؟ أسألكم؟

وأية دولة موجودة في منطقتنا التي تتعامل مع مواطنيها ومواطناتها بحيادية، وتعمل على تأطير مفهوم الحقوق والكرامة المتساوية على أرض الواقع؟ أسألكن؟ وأسألكم؟


هناك حاجة إلى عقد اجتماعي جديد بين الدولة ومواطنيها ومواطناتها، يؤطر لمفهوم المواطنة الشاملة المتساوية. لنسميها دولة المواطنة.

ولكي نؤسسها سيكون علينا دراسة مجالات خمسة رئيسية اقترحتها الورقة البحثية المذكورة أعلاه.

خمسة مجالات رئيسية تتواجد فيها قوى الإقصاء[11]:

التمييز: ما هي أوجه التحيز أو الإقصاء أو سوء المعاملة التي يواجهها الأشخاص بسبب الجنس، العرق، العمر، الطبقة، الإعاقة، الدين، الجنسية، الميول الجنسية، ووضع الشعوب الأصلية والهجرة؟

الجغرافيا: من يعاني من العزلة والضعف والنقص في الخدمات العامة أو تدني مستواها أو غيرها من البنى التحتية بسبب مكان إقامتهم؟

الحكم: من يواجه الحرمان بسبب المؤسسات والقوانين والسياسية والعمليات والميزانيات غير العادلة وغير الفعالة وغير المسؤولة وغير المتجاوبة؟

الوضع الاجتماعي والاقتصادي: من الذي يتمتع بفرص أقل للحفاظ على صحة جيدة، والحصول على التغذية، واكتساب الثروة، والتمتع بفوائد التعليم الجيد، والمنافسة في سوق العمل، والاستفادة من الحماية الاجتماعية والخدمات المالية؟

الصدمات والهشاشة: من هو الأكثر عرضة أو قابلية للتأثر بالنكسات بسبب تغير المناخ والمخاطر الطبيعية والحالات الصحية الطارئة، وحالات الانكماش الاقتصادي أو الأسعار أو غيرها من الصدمات؟

هذه هي المجالات الخمسة التي يجب أن تتناولها الدولة المنشودة في منطقتنا.

دولة تجمعنا ولا تفرقنا. تحترم كرامتنا ولا تنتهكها.

تؤسس لمواطنة الشاملة المتساوية.

تؤطر لحيادية فعلية للدولة في تعاملها مع المواطنين والمواطنات.

الفصل بين الدين والدولة هام.

لكن، إذا لم يتأسس على مفهوم المواطنة الشاملة المتساوية، ويربطها بمحاور التنمية البشرية، لن يكون له معنى.

وبنفس النسق، تغيير القوانين هام للغاية، لكن إذا لم تترجم هذه القوانين إلى واقع معاش، ستظل حبرًا على ورق.

ولذا، أقترح هذا المدخل للحديث عن الدولة المنشودة.

مدخل المواطنة الشاملة وربطها بمحاور التنمية البشرية.

دولة تحترم كرامة مواطنيها ومواطناتها قولًا، قانونًا، وفعلًا.

 




المراجع:


[1] Limor Lavie (2017) The Egyptian Muslim Brothers' ideal state model: a religious state – out; a civil state – in, Middle Eastern Studies, 53:6, 996-1012, DOI: 10.1080/00263206.2017.135084

[2] المرجع السابق.

[4] Britannica, The Editors of Encyclopaedia. "state summary". Encyclopedia Britannica, 7 Feb. 2003, https://www.britannica.com/summary/state-sovereign-political-entity. Accessed 3 June 2023. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9

[5] هذا الجزء من المحاضرة يعتمد على الفصل الأخير من كتابي باللغة الألمانية

Elham Manea (2022), Frauen und die Scharia : die Auswirkungen des Rechtspluralismus in Großbritannien : wenn Religionsrecht mit Zivilrecht kollidiert : mit einem Ausblick auf Deutschland, Österreich und die Schweiz. Stuttgart: ibidem Verlag.

[6] J. Christopher Soper and Joel S. Fetzer, "Religious Institutions, Church–State History and Muslim Mobilisation in Britain, France and Germany", Journal of Ethnic and Migration Studies, 33:6, 2007, p. 934-936; Samuel White, "House of Lords: Lords Spiritual", Research Briefing, House of Lords Library, UK Parliament, 04 September 2017, https://lordslibrary.parliament.uk/research-briefings/lln-2017-0056/,

[7] Elham Manea, ibid.

[8] Prof J. Christopher Soper & Prof Joel S. Fetzer (2007) Religious Institutions, Church–State History and Muslim Mobilisation in Britain, France and Germany, Journal of Ethnic and Migration Studies, 33:6, 933-94

[9] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2019)، تقرير التنمية الإنسانية العربية، "حتى لا يتخلف أحد عن الركب: نحو المواطنة الشاملة في البلدان العربية"، ورقة بحثية.

[10] المرجع السابق.

[11] المرجع السابق.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً