رفع منسوب المعاناة، توسيع رقعة الحصار، تضيق سُبل العيش على المقاتلين، وقف إمدادات الذخيرة والسلاح التقليدي والنوعي، إصدار أوامر حاسمة بوقف الجبهات شمالاً قدر الممكن، وإبقائها في حالة دون مستوى الاستعداد القتالي، تشكيل قوات رديفة لديها من الامتيازات المالية الجاذبة الكثير، ورسم مهام غامضة لها كقوة احتياطية خارج مسرح العمليات مع الحوثي، ووضع مهامها بيد رئيس مجلس القيادة للاستقواء بها في صراع القوى الداخلي.
واخيراً جعل جراح المصابين تتعفن في المشافي المحلية في عدن، لخلق لدى قاعدته الصلبة حالة من الضيق والتبرم من وضع القوات، وتحميل المستوى السياسي مسؤولية هذا التردي، التوجيه للإمارات بتخفيض الدعم بالرواتب للقوات الجنوبية ورفع يدها عن إعمار المناطق جنوباً مقابل تعزيز حضور قوى أُخرى مادياً وإعلامياً ودفع قيادتها للصدارة، بمنحها جملة من المشاريع ذات الصلة بحياة الناس، لتصديرها إلى مقدمة المشهد، وهنا نقصد طارق صالح، الانفتاح المحتمل لأبوظبي على الحوثي وإجراء حوارات عير معلنة، لها تبعات مكلفة على حلفاء الإمارات في الرقعة الجنوبية، ورسم مواءمات مع توجهات القوة الإقليمية الأكبر في المنطقة -السعودية - دون تصادم مشاريع معها.
جميع هذه الخطوط موجهة ضد طرف واحد في الصراع هو الانتقالي، الذي لا يبدو أنه جاهزاً لقبول تسوية مخصوم منها فك الارتباط، والتنازل عن شعاره المتماس مع قاعدته السياسية الاجتماعية، أي استعادة الدولة على قاعدة حل الدولتين، الذي يلقى معارضة متنامية من الرياض ومجلس التعاون الخليجي، آخر تلك المواقف تجديد أمينه العام البديوي في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في نواكشوط ١٩ مارس، الالتزام بالحل السياسي وفق المرجعيات الثلاث، ووحدة الأراضي اليمنية، وهو إجماع خليجي وإن لم تجاهر بعد بمثل هكذا مواقف حتى الآن لكن الإمارات لن تغرد في مطلق الظروف خارج السرب، وتتحدى الإجماع الخليجي وطبيعة التوجهات التي ترسمها الرياض.
نحن مقبلون على خلط أوراق، اولاً بتليين مواقف الانتقالي بالضغط السياسي المادي بخفض سقوف تأثيراته المحلية، وخلق الأجسام البديلة أو في أحسن الأحوال المزاحمة له في موضوعة التمثيل، وإبقاء خيار التدخل الجراحي والإقصاء بالقوة المسلحة قائماً، عبر قوات "درع الوطن" المشكلة سعودياً وذات الطابع السلفي المتماثل مع قوات العمالقة، ما يسهل الاختراقات والاستقطابات والقضم من داخل مصادر قوة الانتقالي ، وكذا غض النظر عن تنامي شرعية سلطة الإخوان المهيمنة على الجيش الرسمي، والمدججة بالمعسكرات غير النظامية في المناطق المتاخمة للجنوب والقريبة لعدن وتداخلها مع أنشطة القاعدة.
رحيل الانتقالي لموسكو محاولة للهروب من كل هذه الضغوط، وتخفيف سقف المخاطر، والتأهب لمرحلة حاسمة واضحة الخيارات :
صدام مقبل ضد الجنوب، وإبقاء قضيته بلا حلفاء إقليميين، وبالتالي كخط سير إجباري عليه التوجه شرقاً وتنويع مراسلاته لعناوين بريد الحلفاء، بحثاً عن مساحة جديدة للمناورة بين شواغر وهوامش الصراعات الدولية، وتقديم محفزات لروسيا باستعادة مناطق نفوذها التاريخي، في منطقة هي معقل تقليدي للنفوذ الأمريكي، ما يمنح موسكو عبر البوابة الجنوبية بممراتها وموقعها الجيوسياسي، ورقة مساومة إستراتيجية لإعادة رسم خارطة المصالح وتبادل الملفات، من الطاقة وحتى النزاعات والحروب الإقليمية.
هل يدعو الانتقالي لتدخل مضاف في اليمن؟
الهروب من مشنقة إلى مشنقة فرج.
أو ربما هكذا يفكر، فكل تدخل لا يمكن أن يكون خيرياً وبلا ثمن.