رحلة البحث عن منظمة التجارة العالمية..
حمود النجار - رئيس مكتب الاتصال والتنسيق مع منظمة التجارة العالمية:
نملك رؤية استراتيجية، ونسعى للوصول للانضمام بما يتناسب
واحتياجات اليمن التجارية والمالية والتنموية
* اليمن تستورد أكثر من 95 % من احتياجاته السلعية والانفتاح على العالم لن يغير شيئاً
* الانضمام سيمنح اليمن شهادة براءة بموجبها سيأتي المستثمرون للاستثمار فيها
رحلة اليمن للوصول إلى منظمة التجارة العالمية ماتزال شاقة، ومازال الكثير من الصعوبات تواجهها، فمفاوضات الانضمام قد استهلكت وقتاً كبيراً بين أخذ ورد وأسئلة متعددة وإجابات ناقصة. فمنذ صدور قرار الحكومة في فبرير 1998 بتشكيل لجنة لدراسة انضمام اليمن إلى المنظمة العالمية والرؤية غير واضحة.
أسئلة يطرحها الكثيرون: هل اليمن ستستفيد من الانضمام لهذا المنظمة؟ هل هي مؤهلة للالتزام بقوانينها التي لا تعترف بأسواق واقتصاديات ضعيفة؟ هل هي جاهزة للمنافسة القادمة التي يحدد ملامحها الأقوياء؟... أسئلة متعددة ردودها متناثرة بين سطور المراحل التي قطعتها اليمن ببطء؛ 12 عاما من المفاوضات، الطرف الأضعف فيه هو اليمن.
هذا الأسبوع اجتمعت الدول العربية التي مازالت تسعى للانضمام في صنعاء برعاية جامعة الدول العربية حيث استعرضت جهودها لعلها تحظى بشفقة الكبار بالدخول.
عن رحلة اليمن خلال 12 عاماً من التفاوض كان لنا هذا اللقاء الذي أجراه الزميل ياسر المياسي مع رئيس مكتب الاتصال والتنسيق مع منظمة التجارة العالمية، الدكتور حمود النجار، الذي يبدو دائماً متفائلاً بالانضمام.
> متى بدأ التنسيق لانضمام اليمن لمنظمة التجارة العالمية؟
- التنسيق للانضمام بدأ مبكراً عندما بدأت الحكومة عملية الإصلاحات الاقتصادية عام 1995 وتبلورت الفكرة في فبراير 1998 بصدور قرار الحكومة بتشكيل لجنة من ممثلي عدد من الوزارات لدراسة وتحديد خطوات عملية الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وتم إنشاء مكتب الاتصال والتنسيق مع المنظمة، وفي العام نفسه قدمت الحكومة لأول مرة برنامجها إلى مجلس النواب متضمنا الأهداف من الانضمام.
وتوالت خطوات المفاوضات، حيث تقدمت اليمن عام 1999 بطلب الانضمام للمنظمة كعضو مراقب وتم لها ذلك. وفي عام 2000 تقدمت بطلب نيل العضوية وتم قبول ذلك، حيث تم تشكيل فريق من المنظمة لترتيب الإجراءات والخطوات التي على اليمن اتباعها. وكان المطلب الأول للانضمام هو إعداد مذكرة السياسات التجارية وتم قبولها. وبدأت بعض الدول المؤثرة في المنظمة بتوجيه الأسئلة وتمثلت ب167 سؤالاً، قامت بلادنا بالرد عليها وإرسالها عام 2004، وبذلك توافرت الشروط الأولية لبدء خطوات الانضمام.
> لماذا تأخرت الإجابة على تلك الاستفسارات؟
- الإجابة عن 167 سؤالاً علمياً ليس بالأمر السهل، فقد حاولنا أن تكون إجاباتنا ناجحة ومفيدة حتى نبدأ خطوات صحيحة نحو الانضمام، وهو ما تم، فبعد تقديم تلك الإجابات توفرت الشروط الأولية لعقد اجتماع ما يسمى بـ"فريق العملـ" بالمفاوض اليمني في منظمة التجارة العالمية، والذي تم في نوفمبر 2004، وكان بمثابة تدشين مفاوضات الانضمام للمنظمة على مستوى متعدد الأطراف. وخلال هذا الاجتماع تم إعلان قبول الدفعة الأولى من الردود بصفة مؤكدة، وتلقى الوفد اليمني عدداً جديداً من الأسئلة والمتطلبات التي يتوجب على بلادنا الإجابة عليها.
> هل يعني ذلك أنكم أخفقتم في الإجابات على الأسئلة السابقة؟
- الأسئلة الجديدة لا تعني أننا أخفقنا في الإجابة على الأسئلة السابقة، بل دائما ما تثار قضايا وأسئلة للبحث عن الإجابات الأكثر تفصيلاً لخطوة متقدمة في مسار التفاوض، فبجانب الإجابة على هذه الاستفسارات تم إعداد العرض السلعي والخدمي وإعداد خطة للتعديلات القانونية المتعلقة بالتجارة والتي شملت قوانين الملكية الفكرية وتمت الإجابة في اجتماع فريق العمل الدولي وبالتحديد في عام 2005. كما تم اجتماع فريق العمل الثاني الذي تم فيه استعراض العرض الخدمي والسلعي الأول، بالإضافة إلى تقديم عدد من الوثائق الأخرى والإجابات على الاستفسارات الجديدة، ونتج عن ذلك ما يسمى بـ"ملخص الحقائق". وتلقت اليمن خلال هذا الاجتماع عددا من الأسئلة الأكثر دقة وتفصيلاً، وهذا يعني أن هناك مرحلة متقدمة من المفاوضات. وتوالت المفاوضات المتعددة والجماعية، وشهد عاما 2006 و2007 الاجتماعين الثالث والرابع لفريق العمل الخاص بانضمام اليمن للمنظمة، حيث تم مناقشة عدد من الوثائق والإجابة على الأسئلة الجديدة. كما عقدت مفاوضات ثنائية بين بلادنا والشركاء الرئيسيين في المنظمة.
> ما أبرز جولات المفاوضات خلال 2008؟
- انعقاد جولة المفاوضات الخامسة المتعددة الأطراف بين اليمن ومنظمة التجارة العالمية، وكذا عقد المفاوضات الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعقد المفاوضات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي.
وتم إرسال مجموعة جديدة من الوثائق إلى سكرتارية المنظمة، تتضمن: الردود على أسئلة أعضاء المنظمة أثناء وبعد عقد الاجتماع الرابع لفريق العمل، مجموعة جديدة من التشريعات النافذة وتعديل بعض التشريعات وسن تشريعات جديدة، قائمة السلع الممنوع استيرادها المراجعة الثانية، مراجعة تعديل قانون الأسماء التجارية، مشروع قانون النماذج الصناعية، مشروع قانون حماية الإنتاج الوطني، وتقديم ملاحظات حول ما يتعارض منها مع اتفاقيات المنظمة.
كما تم عقد ورشة عمل حول التقييم الوطني الذاتي للاحتياجات والأولويات في مجال تسهيل التجارة في إطار منظمة التجارة العالمية.
> خلال رحلة التفاوض، هل كان لديكم رؤية استراتيجية؟
- نعم، نملك رؤية استراتيجية، حيث تسعى بلادنا من خلال التفاوض إلى الوصول إلى شروط الانضمام التي تتناسب واحتياجاتها التجارية والمالية والتنموية، بما من شأنه حماية مصالح اليمن الاقتصادية والتجارية طويلة المدى كدولة أقل نمواً، وتنطلق تلك الاستراتيجية من ظروف واحتياجات اليمن. ولتحقيق النتائج المرجوة يتطلب العمل تضافر جهود الجميع، بما فيهم القطاع الخاص. وبفضل التفاوض على هذه الاستراتيجية فقد قطعت اليمن شوطاً كبيراً في التفاوض. وهناك بعض الصعوبات والمعوقات لكن بالجهد والعمل سنتغلب عليها.
> هل من مميزات واستثناءات للدول النامية يمكن استغلالها؟
- صدر قرار من المنظمة حوى عددا من الإرشادات، داعياً أعضاء المنظمة لأخذ ظروف واحتياجات الدول الأقل نمواً في إطار المفاوضات، وبالتالي سيسعى المفاوض اليمني للاستفادة من تلك الاستثناءات والفرص التي نستطيع أن نستفيد منها، مثل القرار الذي ينص على السماح للدول الأقل نمواً بدخول أسواق الدول المتقدمة بدون تعريفات جمركية.
> الانضمام، ماذا سيمنح اليمن؟
- الانضمام سيمنح اليمن شهادة براءة، وبموجبها سوف يأتي الكثير من المستثمرين للاستثمار في اليمن. وكما تعرف فالمستثمر يكون أول سؤال له: هل الدولة عضو في منظمة التجارة العالمية أم ليست عضواً؟ لذلك فإن الانضمام يعني خلق مناخ قوانينه متوافقة مع معظم قوانين دول العالم.
كما أن الانضمام أصبح أمراً هاماً، فلا تستطيع بلادنا البقاء خارج هذا الإطار الذي أصبح يشرف على التجارة العالمية.
> المؤشرات تقول إن اليمن غير مستعدة للانضمام، لماذا كل هذا الإصرار؟
- العالم كله متجه نحو النظام التجاري متعدد الأطراف، حيث استطاعت دول كثيرة أن تستفيد من هذا النظام، وبالذات دول جنوب شرق آسيا، واليمن كدولة وفي موقع استراتيجي هام لا تستطيع أن تعيش بمعزل عن العالم الذي يُحكم اليوم بهذا النظام تحت مظلة منظمة التجارة العالمية وتحكمه أكثر من 20 اتفاقية ويتحكم في ما يقارب 97% من التبادل التجاري الدولي، فهل تريد اليمن أن تكون بعيدة عن العالم؟! ونحن في اليمن منفتحون ليس على النظام التجاري بل على التعاون الإقليمي بكل أشكاله.
> الاقتصاد اليمني، هل يستطيع المنافسة والالتزام بشروط واتفاقيات المنظمة؟
- اقتصاد اليمن لا يختلف كثيراً عن اقتصاديات الدول الأعضاء الأقل نمواً، بل إن بعضها يقل قدرة وإمكانيات عن اقتصاد بلادنا، لذلك سوف تنجح اليمن في الاندماج في الاقتصاد العالمي، وأحب أن أؤكد أن المنافسة مع الخارج في ظل النظام العالمي أفضل من المنافسة بدونه.
صحيح أن قاعدتنا الزراعية والصناعية ليست بتلك الدرجة التي تؤهلها للمنافسة، ولكن لنبدأ العمل ونسعى لحل مشاكلنا بتضافر الجهود.
> ماذا يحتاج اليمن للدخول في المنافسة؟
- دخول المنافسة يحتاج برنامجاً لتطوير الصناعة المحلية والمنتجات بحيث تكون مقبولة عالمياً. ونحن في وزارة الصناعة والتجارة لدينا برنامج ومشاريع طموحة لتطوير الصناعات، وهذه المشاريع تشجع القطاع الخاص وتدعمه بحيث يخرج بصناعة ومنتجات عالية الجودة تستطيع أن تنافس صناعات الدول الأعضاء الأخرى، فالقطاع الخاص هو المحور الرئيسي لتطوير القطاع الصناعي.
> القطاع الخاص أين يقع من خارطة التفاوض؟
- عملية التفاوض للانضمام تتم عن طريق الحكومة، وبالتالي فإن دور القطاع الخاص هو دور مساند للمفاوض الحكومي الذي يعمل على المحافظة على مصالح القطاع الخاص كأحد القطاعات الهامة، وليس هنالك استبعاد له، بل إن الحكومة تسعى دائماً لإشراكه بصورة أكثر فعالية، فلا يعني الانفتاح على العالم عدم تشجيعه، على العكس تماماً، لن يكون القطاع الخاص المحلي ناجحاً إلا إذا كانت هناك منافسة له. على سبيل المثال: لدينا من القطاع الخاص من يستثمر في دول كثيرة خارج اليمن، فلماذا لا نكون نحن في اليمن مؤهلين بأن يكون القطاع الخاص المحلي أولاً قبل الأجنبي هو المستثمر؟! وهذا يندرج تماماً ويتفق مع الخطوات التي نتبعها من أجل الانضمام.
> هل أخذتم تخوفه بعين الاعتبار؟
- في بعض الأحيان قد يكون للقطاع الخاص ما يبرر خوفه، لكن إذا ما نظرنا إلى وضع السوق المحلية حالياً فإن الرؤية ستختلف كثيراً، فالواقع أن اليمن تستورد أكثر من 95% من احتياجاتها السلعية، لذا فإن الانفتاح على العالم الخارجي لن يغير شيئاً. ونؤكد أن اليمن منذ 1995 أصبحت سوقاً مفتوحة ويجب على القطاع الخاص أن يتذكر أن عملية الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية ستتيح له فرصة كبيرة للوصول إلى أسواق الدول الأعضاء بمعاملة خاصة وتفضيلية باعتبارها دولة أقل نموا.
***
معلومات عن منظمة التجارة العالمية
أنشئت منظمة التجارة العالمية في 1995، وهي واحدة من أصغر المنظمات العالمية عمراً، حيث أنها خليفة الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات) والتي أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وبالرغم من أن المنظمة مازالت حديثة، فإن النظام التجاري متعدد الأطراف الذي تم وضعه في الأصل تحت "الجات" قد بلغ عمره خمسين عاماً، واحتفل النظام باليوبيل الذهبي في جنيف في 19 مايو 1998 بحضور العديد من رؤساء الدول وقادة الحكومات.
> الاختصاصات: الهدف الأساسي لمنظمة التجارة العالمية هو المساعدة في سريان وتدفق التجارة بسلاسة وبصورة متوقعة وبحرية.
> الهيكل: تشمل عضوية منظمة التجارة العالمية أكثر من 140 عضوا يمثلون أكثر من 90% من التجارة العالمية. كما أن 30 آخرين يتفاوضون بخصوص العضوية.
> الدول العربية الأعضاء: البحرين، المغرب، الكويت، تونس، جيبوتي، مصر، قطر، الإمارات، الأردن، عُمان، والسعودية.
> الدول العربية المراقبة (الدول في طور الانضمام): الجزائر، السودان، العراق، لبنان، ليبيا، اليمن.
رحلة البحث عن منظمة التجارة العالمية..
2009-02-19