في زنزانة انفرادية ضيقة بسجن الأمن السياسي بالعاصمة يمضي أحمد عمر بن فريد شهره الرابع في محطة جديدة من رحلة نضاله من أجل «الوطن المنشود».
***
في منتصف ليل 31 مارس الماضي كان أحمد في شقته الكائنة بمنطقة المنصورة بعدن والتي يسكنها بالإيجار يلاطف أطفاله، كما يفعل في العادة قبل النوم. وقد فوجئ بطرقات على الباب. غادر الغرفة باتجاه الباب، ولحقت به يارا (7سنوات) انفتح الباب أمام الغرباء. لم يقولوا شيئاً، انتزعوه بقوة إلى الخارج، وسط ذهول يارا. عندما شرعت في الصراخ، صفع أحدهم الباب في وجهها بقوة، وغادر الغرباء المكان ومعهم الصيد الثمين.
***

***
ولد أحمد في «كورة آل صالح بن فريد» بمديرية الصعيد شبوة عام 1962 لأسرة مشتبكة بالسياسة. في غمرة صراعات الستينيات، وقبل أن يبلغ السادسة استشهد والده. غادر صحبة أفراد أسرته إلى السعودية حيث تخرج في جامعة الملك فهد - كلية إدارة الأعمال. بعد قيام الوحدة في 22 مايو 1990 عاد إلى «الوطن المنشود»، لكنه ما لبث أن غادره على وقع مدافع حرب 94.

وبعد أن انتقلت الحرب من ظاهر الأرض إلى باطنها -على حد تعبير البردوني- عاد مجدداً إلى اليمن عاقداً العزم على النضال من أجل الحرية. كان قد قرأ مذكرات نيلسون مانديلا «رحلتي الطويلة من أجل الحرية». وعبر عموده الأربعائي في صحيفة «الأيام»، بدأ رحلة جديدة، شاقة ومثيرة، في سبيل الحرية.
***

***
كان منتمياً إلى حزب رابطة أبناء اليمن لكنه استقال من الحزب الماضي احتجاجاً على تجاهل الرابطة الاعتداء الذي تعرض

كان الاعتداء مروعاً، وقد أدانته الفعاليات الحقوقية والمدنية والجنوبية، لكن حزبه لم يصدر أي بيان أو موقف يندِّد بالاعتداء، فسارع إلى تحرير استقالته من الحزب، مفضلاً الاستقلالية في خطوة على طريق نضاله من أجل وحدة الصف الجنوبي.
***

وقبيل اعتقاله في عتمة ليل 31 مارس، كان قد أطلق مبادرة فريدة تقضي بتحريك قافلة أطلق عليها إسم «قافلة التصالح»، تتنقل في محافظة شبوة التي تشهد نزاعات ثار دامية، لإقناع أطراف هذه النزاعات بوقف الاقتتال ونبذ الثأر، والتوحد من أجل استعادة الحقوق المنهوبة. لم يسعفه الوقت لتنفيذ مبادرته إذ سارعت الأجهزة إلى اعتقاله.
***
نحو 4 أشهر مضت على اعتقاله، لكن السلطات في العاصمة لم توجه إليه أية تهمة حتى الآن، في انتهاك سافر للقانون. وفي الزنزانة الموحشة حُرم المعتقل «الفريد» من كافة حقوقه، فالكاتب الذي كان قراء «الأيام» ينتظرونه بلهفة كل أربعاء، محروم، من القراءة والكتابة. كما أنه محروم تقريباً من زيارة أحبته واصدقائه. وفي واحدة من الزيارات النادرة التي سمح بها المسؤولون في الأمن السياسي قبل أسبوعين، شاهده نجله الأكبر «يريد» (10 سنوات) وراء شبك من قضبان. لم يحتمل الطفل المنظر، وبكى.. بكى يريد، فاضطر الحرس إلى السماح له بالارتماء في حضن أبيه. كانت تلك لحظة فريدة في حياة أسرة تتعرض للتنكيل منذ شهور.
«بابا شجاع»، قال يريد لـ«النداء». «شجعني وطلب مني أن اهتم بصحتي». وبصوت مغمس بالبراءة والحزن أضاف: «بس بابا ضعف كثير».
يتوق يريد ويارا ووفاء (سنتان) وصالح (سنة)، إلى استعادة ليال دافئة في حضن أب يحسن ملاطفة أطفاله. وفي الأثناء يعاني الناشط الجنوبي في إحدى زنازين عاصمة دولة الوحدة، مجبراً على تناول «الكدم» ثلاث مرات يومياً، وذلك بالتأكيد لن يساعده على هضم وحدة 7 يوليو 1994.
Hide Mail