الدكتورة كلير جيلبرت - موفدة المركز الوطني للآثار بفرنسا إلى مدينة الشحر: حفروا في محيط موقع أثري هام ولم ننجح في إقناع المسؤولين بتأمينه والحفاظ عليه
* هناك خطورة على الموقع مما سمعنا أن الحكومة قررت بناء مدينة سكنية أمامه
* بعد عام من العمل أحدثت تغيرات بقيام سماسرة بإعطاء خفر السواحل جزءاً من أرض الموقع
* بفعل السياسة البريطانية دمرت كل شيء في الساحل اليمني كان يمكن نستدل عليه بتاريخ عدن قبل الاسلام وبعده والاحداث التي حدثت فيه
لقاء: عبدالله مكارم
طافت معظم الدول العربية والاسلامية كعالمة أثار طوال عقود من الزمن وهي تنقب عن الآثار الاسلامية.
الدكتور كلير جيلبرت موفدة المركز الوطني للآثار بفرنسا تتحدث في هذا الحوار عن 13 عاماً من عملية التنقيب عن الآثار في منطقة القرية مدينة الشحر محافظة حضرموت وإلى أين وصلت والصعوبات التي واجهتها و طبيعة العلاقة مع السلطة المحلية.
> كيف جاءت بك الأقدار إلى حضرموت؟
- بدأت المسح في الساحل اليمني للتعرف على الفوارق بين الساحل العربي في الجنوب وكذلك في الشمال، وكوننا استمتعنا بتلك السواحل الممتدة من عدن إلى سيحوت بمحافظة المهرة، عدن الجميلة والعريقة بتاريخها الغني بالموروث الحضاري، فضلاً عن ذلك أنه لدينا بعض المصادر عن تاريخ عدن قبل الإسلام وبعده وعن الأحداث التي حصلت لكن لم نجد أي دليل لذلك كون السياسة البريطانية قد دمرت كل شيء كان على الساحل ولم نتمكن من العثور على أي مؤشرات واقعية تدل على تلك الأحداث، لكن الأقدار أهدت لنا قرائن جميلة تحكي بعض الأحداث في سواحل مدينة الشحر بمنطقة القرية في بداية المسح عام 1995.
> كيف وجدتم حينها الساحل في مدينة الشحر؟
- في منطقة القرية بمديرية الشحر شريط ساحلي رائع جداً، وقد بدا لنا حينها خالياً من أي نشاط سكاني رغم أن هذا المكان ذو جدوى من حيث الاصطياد السمكي فيه، مما أدى بنا إلى فعل المستحيل لتأمين الموقع ولكننا للأسف لم ننجح حتى الآن بشكل كامل وهذا يحزننا.
> ماذا عن اعمال التنقيب بالموقع؟
- رغم المصاعب التي تواجهنا منذ 12 عاماً، فقد تمكنا من العثور على ما يقارب من 11 مزهرية ويمكن القول إن أعمار تلك المزهريات طويلة جداً، واستطعنا أن نتعرف على تباين أعمارها والحقب التاريخية التي تنتمي إليها وذلك من خلال ما كتب عليها من تواريخ بحكم خبرتي الطويلة في هذا المجال لأني أعرف جيداً مكوِّنات الآثار في الدول المجاورة والحضارات المصاحبة لها. مما يجعلني أقول إن تلك المزهريات تعود إلى عهد الخليفة هارون الرشيد.
كما قمنا بتجميع عدة قطع من الرخام «السيراميك» الفاخر ولدينا تواريخ للقطع المهمة منها كوننا قد عملنا في نفس المجال لعقود متتالية.
> هل تودين الحديث عن أي صعوبات وتحديات تواجهينها في التنقيب؟
- المشكلة الأساسية تكمن في أن الموقع جذاب للغاية وحساس، وما نخشاه المجهول القادم إلينا في السنوات الثلاث القادمة إذ سمعنا أن الحكومة اليمنية قررت بناء مدينة سكنية أمام الموقع.
نحن لا نستمتع بحرية التنقيب عن الآثار في الموقع مثلما بدأنا ولم ننجح في إقناع المسؤولين بتأمين الموقع والحفاظ عليه لأن قوات خفر السواحل قامت بالحفر في محيط الموقع بعد التنقيب.
> هل تم رفع شكوى بذلك التجاوز من قبل خفر السواحل؟
- حاولت مقابلة قائد خفر السواحل في عدن لإبلاغه ولم أنجح، وحاولت إبرام اتفاق قوي يحمي الموقع مع السلطة المحلية بالشحر ومع محافظ حضرموت بالمكلا ولم أنجح لأن الجميع مهملون ولا يولون أي اهتمام حقيقي لحساسية الوضع في هذه المرحلة من التنقيب. والأمر الذي يبعث على الحيرة هو موافقة جميع المسؤولين في الدولة على تأمين الموقع قولاً ولكن لا نرى منهم إلا السلبية العملية.
أذكر ذات مرة عندما عدت إلى موقع التنقيب، بعد العام الأول من العمل وبصحبتي فريق كبير من فرنسا لأجل التنقيب فوجئت بوجود تغييرات في الموقع حيث قام البعض بالسمسرة مع خفر السواحل لإعطائهم الأرض مقابل مال معين! وقد حاولت مراراً وتكراراً شرح أهمية المواقع التاريخية للجميع دون جدوى، وإني أقول هذا دون خوف من أحد لأن هذا واجبي، وللأسباب هذه أوقفنا العمل في الموقع عام 2002، وأنهينا برنامج التنقيب ولم نحصل على كل النتائج لاستكشاف الموقع بكل أجزائه لأننا نحتاج إلى أعوام كثيرة لإتمام المسح والتنقيب على أكمل وجه كون الموقع غنياً بالموروث التاريخي وصعباً في الوقت نفسه للأسباب الواردة سلفاً.
الكثير من المدن الطينية محطمة ولا نستطيع أن نتعرف على كل المراحل المختلفة والمتغيرة لتلك المدن بمنتهى التفصيل.
في أواخر العام 2002 عدنا للعمل وحاولنا التعرف على بعض القطع الأثرية المنسوبة للقرن الحادي عشر الميلادي، وزادت سعادتنا لوجود هذه القطع من السيراميك في مدينة الشحر.
> كيف هي علاقتكم مع السلطة المحلية بالمحافظة والمديرية ومع مالكي الأرض؟
- إلى حد الآن قابلت ثلاثة محافظين مختلفين وأربعة مدراء عموم للشحر، وحاولت لفت انتباههم للمشكلة دون فائدة، ولعلهم لا يدركون أن الوطن بلا ماض لا يساوي شيئاً.
وأما مالك الأرض فعندما أغادر الشحر يعدني أن لا مشكلة في الموقع وأنه تم تعويضه بأرض خارج الشحر ثم أفاجأ بقيامهم باستقطاع أجزاء من موقع التنقيب وحفر جزء من الأرض ووضع خزان بترول سعة 2000 لتر.. ولكم أن تتخيلوا حجم الأوساخ والتلوث هنا!
> كلمة أخيرة تودين قولها في هذا اللقاء؟
- أنا امرأة أجنبية لكن معرفتي وواجبي تحتمان عليّ تأمين موقع التنقيب، أعمل ذلك لآثار الشحر في حضرموت، ومما يحزنني أن حضرموت فيها تطور بترولي ولا يوجد فيها اهتمام بالآثار!
يزعجني ألا أرى في الشحر انتشار وسائل المعرفة والثقافة، ولعل هذا الاكتشاف الأثري سيساهم في رفد أهالي حضرموت بجانب مطمور من تاريخهم وسيجعل من الشحر متحفاً تاريخياً، وفرصة عظيمة لرؤية كنز وإشهاره أمام العالم.
أخيراً أقول لأهالي حضرموت إنني أحب الشحر وآمل أن أعمل كل ما بوسعي لأجل تاريخ الشحر خاصة وحضرموت عامة، وقد آن الأوان لتضافر جهود الجميع لأجل المعرفة.
الدكتورة كلير جيلبرت - موفدة المركز الوطني للآثار بفرنسا إلى مدينة الشحر: حفروا في محيط موقع أثري هام ولم ننجح في إقناع المسؤولين بتأمينه والحفاظ عليه
2008-07-03