صنعاء 19C امطار خفيفة

«دار سعد» تحت نفوذها وأحد ناشطيها هناك اعتقل مراراً على ذمة قضايا إرهاب.. طلائع هيئة الأمر بالمعروف تبدأ نشاطها في عدن وصنعاء، ومؤشر رئاسي على فتح المعسكرات الصيفية لـ«الفضيلة»

2008-06-26
«دار سعد» تحت نفوذها وأحد ناشطيها هناك اعتقل مراراً على ذمة قضايا إرهاب.. طلائع هيئة الأمر بالمعروف تبدأ نشاطها في عدن وصنعاء، ومؤشر رئاسي على فتح المعسكرات الصيفية لـ«الفضيلة»
«دار سعد» تحت نفوذها وأحد ناشطيها هناك اعتقل مراراً على ذمة قضايا إرهاب.. طلائع هيئة الأمر بالمعروف تبدأ نشاطها في عدن وصنعاء، ومؤشر رئاسي على فتح المعسكرات الصيفية لـ«الفضيلة»
 نبيل سبيع
nabilsobeaMail
بدأت «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» أنشطة مختلفة في صنعاء وعدن بعد أن كانت دشنت أول ظهور ملموس و لها في الحديدة قبل أكثر من عام.
وتسير خطوات الهيئة، بثبات ودون ضجة، على الأرض أمام أجهزة «الدولة» في صنعاء وعدن، وفقاً لمصادر متفرقة وعديد مؤشرات تفيد بوجود تنسيق بين السلطات وهذه الجماعات التي تنشط خارج الدستور والقوانين النافذة في البلاد.
وتواصل «هيئة تنمية الفضيلة والتصدي للمنكرات» (النسخة اليمنية من «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» السعودية) شق طريقها باتجاه بسط نفوذها علناً على حياة الناس في العاصمة وعواصم المحافظات الرئيسية، في ظل تعتيم إعلامي (رسمي وحزبي) على خطواتها الجارية على الأرض، كما في ظل مؤشرات عديدة على وجود رعاية رسمية لنشاط هذه الهيئة التي من المرجح أنها قد أعدت، بالاتفاق مع السلطات، مشروعاً لـ«تجييش» الطلاب أيديولوجياً خلال فترة العطلة الصيفية الحالية.
خلال الأسبوعين الماضيين، تجمعت لدينا معلومات متطابقة ومؤكدة حول وجود نشاط للهيئة في عدن والعاصمة صنعاء، فيما لم نستطع التوصل إلى تأكيدات نهائية على مدى صحة معلومات حصلنا عليها وتحدث عن وجود مؤشرات لانضمام مدينة تعز إلى قائمة المدن الكبيرة التي بدأت تشهد نشاطاً ونفوذاً للهيئة داخلها.
المعلومات المؤكدة، التي جمعناها من عدة مصادر قانونية وصحفية إضافة إلى شهود عيان وأشخاص تعرضوا لتدخلات من قبل شباب متطرفين تابعين للهيئة، تفيد أن نشاط هذه الأخيرة بدأ داخل شارع وأحياء العاصمة في صورة رقابة وتدخلات يمارسها أفراد ملتحون (لايخفون انتماءهم لهذا الكيان) على العابرين برفقة نساء وروّاد محلات الانترنت.
وطبقاً لثلاث شهادات منفصلة، فإن أفراداً ملتحين قاموا خلال الأسابيع ال4 الماضية بالتدخل في شئون عدة مواطنين أثناء مرورهم في الشارع العام رفقة قريباتهم وخلال تواجدهم داخل محلات الانترنت، في مناطق متفرقة من العاصمة. وتعرض أحد الصحفيين الشبان لتدخل من قبل أفراد، قالوا إنهم تابعين للهيئة، هددوه بتشويه وجهه بعدما لمحوه واقفاً أمام منزله في حارة النصر يتحدث مع إحدى قريباته. في عدن، اتخذ نشاط هيئة الأمر بالمعروف خطاً مختلفاً في الأسابيع القليلة. الماضية فبعد أن قامت مجموعات من العناصر التكفيرية المتطرفة بمهاجمة طلاب وطالبات خلال مغادرتهم إحدى كليات جامعة عدن منتصف مايو الماضي، انتقل نشاط الهيئة هناك إلى صورة أخرى أكثر هدوءاً من الهجوم بالهراوات على الطلاب في مديرية «خور مكسر» قبل نحو شهر ونصف، طبقاً لما تداولته حينها وسائل إعلام مختلفة بينها صحف رسمية صادرة في عدن (لم تتخذ السلطات أي إجراء ضد مرتكبي ذلك الاعتداء كما لم يلق الحادث أي رد فعل يذكر عن منظمات المجتمع المدني واحزاب المعارضة).
بعد ذلك الحادث الذي أتى عقب تسريب أخبار حول مشروع أنشاء الهيئة الذي قدمه مجموعة من رجال الدين للرئيس صالح في لقائهم به أول مايو الماضي، لم ترصد وسائل الإعلام حادثاً مماثلاً في عدن. الا أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت نشاطاً مكثفاً لعدد من المراكز والجمعيات الدينية الدعوية (معروفة وغير معروفة) في «دار سعد» المديرية الأشد فقراً في كبرى المدن الجنوبية.
وتفيد المعلومات أن لوحات دينية كبيرة ومتوسطة، تأمر الأهالي بالاستغفار وخلافة، تغطي الآن الشارع الرئيسي والشوارع الخلفية في «دار سعد». وتحتل هذه اللوحات أبرز المواقع والمساحات الإعلامية في قلب المديرية وشوارعها الخلفية، حيث تنتشر على أعمدة الكهرباء حاملة تواقيع مراكز وجمعيات دينية، أو مجهولة الجهة في الغالب.
«مركز صلاح الدين الدعوي» هو التوقيع الذي تنتهي به أكبر لوحة (مترين * مترين) في الشارع الرئيسي بـ«دار سعد». اللوحة، التي تنتصب أمام قسم شرطة الشيخ عثمان مباشرة، كتب عليها «قف.. استغفر الله» وتنهى السائقين والمارة عن «سب الرسول»، وفقاً لمراسل «النداء» في عدن مرزوق ياسين.
ويقول ياسين إن هذه اللوحات غزت شوارع «دار سعد» بالتدريج ودون أن تثير الانتباه حيث كان المواطنون يفاجأون كل صباح بوجود لوحات خشبية جديدة (معظمها متوسطة الحجم -نصف متر * نصف متر) تم تعليقها في ساعات الليل المتأخرة.
ولا يقتصر الأمر على اللوحات فقط، إذ تزدهر شوارع المديرية أيضاً بعلب زيت طبخ بلاستيكية ومعدنية (10 لتر) معلقة على أعمدة الكهرباء كتب عليها: «ضع الآيات القرآنية داخل الدبَّة».
هذا النشاط المكثف، الذي تديره هيئة الأمر بالمعروف، طبقاً لمعلومات مؤكدة، يثير استغراب أهالي «دار سعد»  واستنكار العديد منهم، ويذكر الزميل مرزوق ياسين أن الأهالي يتساءلون عن الهدف من انتشار هذه اللوحات التي تأمرهم بـ«استغفار الله» وتنهاهم عن «سب الرسول»، مستنكرين هذا التعامل مع «دار سعد» وكأنها «مديرية كفر».
أحد المثقفين المقيمين في المديرية الفقيرة رجّح وجود تنسيق بين هيئة الأمر بالمعروف والسلطات بدليل أن كبرى الوحات تنتصب، منذ أسابيع، أمام قسم شرطة الشيخ عثمان وعلى مرأى من الجهات الرسمية الأخري التي تعود إليها سلطة اعطاء التراخيص لتعليق اللوحات على المساحات الاعلانية في الشوارع والأماكن العامة.
التنسيق بين الهيئة والسلطات لم يستبعده أحد المسؤولين في إحدى الجهات المعنية بإعطاء التراخيص لتعليق اللوحات الاعلانية في الأماكن العامة. المسئول، الذي طلب عدم ذكر إسمه، نفى وجود تراخيص لتلك اللوحات ثم تحدث عن وجود «تداخلات بين اختصاصات مكتبي الثقافة والأشغال العامة المعنيتين باصدار التراخيص للوحات الإعلانية في المديرية». وهو أعطى تأكيداً على وقوف هيئة الأمر بالمعروف خلف هذه اللوحات.
وراء نشاط الهيئة المكثف شخصان رئيسيان يعملان في جمعيتين دينيتين منفصلتين داخل عدن: خالد النجار ومختار الوصابي.
يدير النجار «مركز البر» التابع لـ«جمعية الحكمة الخيرية»، وهو مركز لتحفيظ القرآن ويقدم أيضاً بعض المساعدات وسط منطقة نائية جداً في «دار سعد». فيما يعمل الوصابي في «جمعية الفلاح الخيرية» (لم نعرف بالتحديد طبيعة نشاطها). وكلاهما ناشط اسلامي معروف في المديرية تقول المعلومات إن احدهما تربطه علاقة وثيقة بالشيخ عبدالمجيد الزنداني وجامعة الإيمان، إلا أنها لم تحدد أيهما صاحب هذه العلاقة.
قبل نشاطه الأخير ضمن هيئة الأمر بالمعروف، كان اسم خالد النجار واحداً في الأسماء التي تضعها السلطات على قائمة الإرهابيين المنتمين إلى القاعدة. وقد كان واحداً من عشرات الإسلاميين الذين طالتهم الاعتقالات عقب تفجير المدمرة الاميركية «يو. إس. إس. كول»، عام 2000.
كان ذلك هو الاعتقال الأول الذي طال خالد النجار على ذمة قضية إرهاب، لكنه لم يكن الوحيد. فمنذ ذلك التاريخ، تعرض النجار للاعتقال أكثر من مرة على ذمة قضايا عديدة تتعلق بالإرهاب، وفي كل مرة، كانت السلطات تفرج عنه، بعد مرور أيام أو أسابيع، دون أن تكشف عن نتائج تحقيقاتها أو تقدم أسباباً للإفراج عنه.
بشكل رئيسي، ارتبط أسم خالد النجار بتفجير «يو. إس. إس. كول» وقضية إستقطاب مقاتلين داخل اليمن وإرسالهم للمشاركة في تنفيذ عمليات إرهابية داخل العراق. وقد اعتقلته السلطات الأمنية في عدن، مؤخراً، لاشتباهها بتورطه في هذه القضية، ثم أفرجت عنه (أيضاً دون أن تكشف نتيجة التحقيقات أو تبدي أسباب الإفراج عنه).
لم تتطابق المعلومات المتوفرة لدينا حول بداية ظهور نشاط لـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في تعز. ففي حين، تحدثت مصادر صحفية حول مؤشرات وجود نشاط من هذا النوع تمثل في إجبار محلات الانترنت على الإغلاق بحلول مغرب كل يوم،استبعدت مصادر قانونية ميدانية هذا الأمر.
المحامية والناشطة الحقوقية إشراق المقطري سألت عدداً من عقال الحارات في تعز حول اذا ما كان هناك مؤشرات على نشاط خاص بالهيئة، وحصلت كل مرة على إجابة: «لا».
المقطري، وهي محامية تعمل في إتحاد نساء اليمن كما في مشروع كبير يتعلق بالحماية القانونية للنساء، نقلت على لسان عقال الحارات أن اغلاق محلات الانترنت قبل أسبوع (أو 10 أيام) في تعز كان اجراءً أمنياً بحتاً لا علاقة له بنشاط هيئة الأمر بالمعروف وأن هذا الاجراء لم يعد سارياً الآن (كان الإجراء يلزم أصحاب محلات الانترنت باغلاق الأبواب أمام الزبائن بحلول المغرب بدلاً عن الساعة 9 مساءً).
تواصل «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» تثبيت أقدامها على الأرض، في ظل معلومات مؤكدة تتحدث عن استمرار الضوء الأخضر والرعاية الرسمية لنشاط الهيئة.
أحد المؤشرات على هذه الرعاية الرسمية خطاب الرئيس علي عبدالله صالح خلال لقائه الاربعاء الماضي في صنعاء، بمديري مكاتب الشباب والرياضة والتربية والتعليم، والتعليم الفني والقيادات الشبابية في محافظات الجمهورية. الخطاب أكد «على أهمية أن تتحمل وزارات التربية والتعليم والشباب والرياضة، والتعليم الفني والمهني مسؤولياتها في إقامة المعسكرات الصيفية للشباب، ودعوة رجال الفكر والثقافة لإقامة المحاضرات لتحصين الشباب، وصقل معارفهم ومواهبهم وترسيخ قيم الولاء والوفاء في نفوس الشباب لوطنهم وأمتهم» طبقاً لصحيفة «26 سبتمبر» الناطقة باسم الجيش في عدد الأسبوع الماضي.
ونشرت الصحيفة المذكورة خبر اللقاء وخطاب الرئيس كخبر رئيسي تحت ما نشيت عريض يقول: «الرئيس يدعو إلى تنشئة الأجيال على الفضيلة ونبذ الكراهية والتطرف». وذكر الخبر أن الرئيس كان «قد اطلع على الأنشطة التي ستقام للشباب خلال فترة العطلة الصيفية بهدف استيعاب طاقاتهم وإعدادهم اعداداً روحياً، وفكرياً وبدنياً وتربوياً، ورفع مستوى وعيهم الوطني وتربيتهم على قيم الوطن والولاء له».
خطاب الرئيس ركز على هدف أساسي من وراء الأنشطة المعدة للشباب في العطلة الصيفية: مواجهة الحوثية في شمال الشمال. لكن فتح أبواب المؤسسات التعليمية والشبابية الرسمية أمام «الفضيلة» يؤشر على أكثر من هدف واحد. فهو يأتي -على الأرجح- في إطار تمكين التيار السلفي المتشدد في حزب الاصلاح، بقيادة الزنداني وحلفاء الرئيس الآخرين من رجال الدين، من التغلغل وسط الأجيال الشابة وإحكام القبضة السلفية على وعي وثقافة مستقبل البلد.
يصعب فهم خطاب الرئيس هذا خارج توجهه الواضح في عودته إلى التحالف مع التيار السلفي المتشدد داخل الإصلاح وخارجه. وهو توجه لم تفلح محاولات وسائل الإعلام الرسمية في التعتيم عليه وتمريره عبر حملتها الهجومية على مشروع الهيئة الذي قال حمود الذارحي، في تصريح لـ«الوسط» قبل أسابيع، إن الرئيس أقترح على رجال الدين إنشاء «هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» خلال لقائه بهم في عدن خلال النصف الأول من العام الماضي.
بين مؤشرات عودة الرئيس إلى تحالفه مع التيار المتشدد في الاصلاح، إعطاء دور للزنداني وجماعته. وهذا الدور لم ينحصر على إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والسماح لها بالعمل على الأرض وداخل المؤسسات التعليمية والشبابية الرسمية.
الأسبوع قبل الماضي، نشرت صحيفة «الأسبوع» خبراً عن تكليف من الرئيس صالح للشيخ الزنداني بالقيام بدور وساطة بين الفرقاء في السودان.
ومن المؤكد أن الرئيس صالح عاد إلى هذا التحالف لعدة أسباب لا تقتصر على مواجهة الحوثيين وحركة الاحتجاجات الجنوبية فقط. هناك أيضاً الانتخابات البرلمانية القادمة والمواجهة مع الاصلاح قبلها عبر استخدام جناحه المتشدد.

إقرأ أيضاً