كتاب وصحفيين يكتبون عن محنة الخيواني
* عظم الله لكم الأجر - عبدالباري طاهر
* الخيوانيون - منى صفوان
* الموقف الأمريكي من الحكم ضد الخيواني والقراءة المغلوطة - محمد المنصور
* الصحافة اليمنية.. انشغلت عن الشأن العام بجروحها المتكاثرة - رشاد الشرعبي
عظم الله لكم الأجر
عبدالباري طاهر
عظم الله اجركم واحسن عزاكم، وغفر لميتكم. عظم الله الأجر في يوم ال22 من مايو 90 يوم الوحدة السلمية والديمقراطية الذي استبدل بيوم 7/7 يوم سفك الدم، وتمزيق معاني الاخوة. وتدمير البلاد.
عظم الله أجركم في يوم عيدالصحافة اليمنية الذي حوله الحكم الغشوم إلى مأتم واستبدله بيوم يختاره الحكم ضداً على ارادة الصحفيين.
وعظم الاجر في التلاعب بالقضاء الذي سخر ليكون أداة ثأر وانتقام، وهراوة ضد منتقدي الحكم وخصومه السياسيين.
قبل الوحدة كان اليمانيون شمالاً وجنوباً يعاقبون من أمن الدولة في الجنوب والامن السياسي في الشمال، ولكننا اليوم نعاقب بالقضاء «كرسي النبوة والرسالة» الذي حوله الحكم الفاسد والمستبد إلى اداة ترويع وإرهاب وثأر وانتقام.
هل ندافع عن أنفسنا من القضاء الذي امتطاه الفساد؟ أم ندافع عن القضاء الذي فقد استقلاليته وسخر ليكون اداة قمع ونكال للناقد والمعارض بل وللناس أجمعين كعهدنا به في المتوكلية اليمنية.
في اليمن لا مجال للحديث عن قضاء إلاّ من ناحية التسمية وبعض الشكل. فقد ادغم في السلطة التنفيذية كأداة طيعة وقامعة في آن، والفاجع أنه قد أعطي وظيفة أجهزة القمع الأمنية فهو أداة قمع بامتياز له وظيفة ومهام حزبية سياسية أكثر منها قانونية.
هناك قول مأثور «قاضيان في النَّار وقاض في الجنَّة» ولكن حال قضائنا الذي سيس وحزب ربما يؤكد أن الخمسة في النار.
بعد الحرب العالمية الثانية قال تشرشل رئيس وزراء بريطانيا العظمى حينها أن القضاء خانتنا لاصلاح الأوضاع عندما بلغه شيوع الفساد الذي عم الادارة البريطانية، وحال ادارتنا اليوم اسوء من أي ادارة ولكن ما يميزنا عن الادارات الفاسدة كلها أن القضاء جزء من فسادنا العام. بل يراد له أن يكون العصا الغليظة لحماية الفساد والاستبداد.
غياب القضاء الكفوء العادل والنزيه والمستقل هو الداء الوبيل الذي يهدد كل شيء في حياتنا. فبغياب القضاء العادل والمستقل تغيب العدالة، ويغيب معها الحق، وبغيابها يغيب الأمن والسلام والاستقرار، ويتحول المجتمع -أي مجتمع- إلى غابة.
كان أبو الأحرار الزبيري كثيراً ما يردد من حقي ألا يقع رأسي إلا بحكم، ومن حينها وحتى يوم الناس والاحتراب والثأرات والقتل في مجتمعنا لا علاقة له بالحكم.
وتنزل الدولة نفسها على حكم القبيلة الذي يسميه القرآن طاغوتاً: «أفحكم الجاهلية يبغون» الآية.
هل يمكن الحديث عن الاستثمار في ظل غياب قضاء مستقل؟ وهل يمكن الحديث مجرد الحديث عن دولة عصرية وحديثة بدون الفصل الحقيقي والفعلي بين السلطات الثلاث، واستقلال القضاء قدرنا كمواطنين مسالمين ضحايا فساد القضاء غير المستقل الدفاع عن استقلالية هذا القضاء فهو ضمانتنا الأكيدة لصون الارض وحماية العرض والدم والمال.
الأزمة الشاملة التي يمربها مجتمعنا مردها إلى غياب استقلالية القضاء، وحالات الانفلات العام، والحروب المستدامة. والثارات، وضياع الحقوق، ونهب الاراضي. وظواهر التمرد والاحتجاج في البلاد معطى معطيات إضعاف القضاء، وتطويعه للسلطة التنفيذية.
في المتوكلية اليمنية كان القضاء جزءاً اساسياً في ايديولوجية النظام وفكرة السياسي. وكان القضاة جزءاً من بنية النظام الاجتماعية، وتراتبيتها وتحالفها السياسي. فالقاضي يحتل المرتبة الثانية في تحالف ثالوث السّيد/ القاضي- الشيخ، ومن هناك كان القضاء والقضاة جزء من تركيبة هرم الحكم وتحالفه السياسي وايديولوجيته الثيوقراطية، وبعد الثورة تم إضعاف القضاء والقضاة لصالح الشرعية الثورية الجديدة وتبوأ العسكر المرتبة الاولى، وتراجع دور القاضي كمثقف تقليدي ديني إلى مادون الشيخ الذي أصبح طرفاً فاعلاً في العسكرة والحرب. والحقيقة أن القاضي كمثقف تقليدي وكمدني اقصته الثورة بحاجة إلى دراسة ومراجعة. فالقاضي في الامانة كان يدرس الفقه الاسلامي بتعمق ودأب ومثابرة، ويطلع على جوانب من التاريخ وغالباً ما تكون له مشاركات في معارف مختلفة، والاهم أن احكامه كثيراً ما تكون مدروسة ومعللة. ولها سند قوي في المذهب الزيدي. وهناك قضاة مجتهدون حقاً. وقد أدى اقصاء القضاة والزراية بالقضاء، ورفض التحديث والتجديد فيه إلا في حدود معينة بعد الثورة إلى الفوضى كما أن إلغاء تجربة القضاء في الجنوب بعد الوحدة كلها قد أدت إلى تغيب الاستقلالية. والحاقه بالسلطة التنفيذية كجهاز تابع مسيس ومتحزب وقمعي.
صحيح أن هناك قضاة قد تحدوا السلطات التنفيذية، وانتصروا للحريات العامة والديمقراطية. وأصِّل البعض منهم للحريات الصحفية، وحرية الرأي والتعبير بابداع لافت ومدهش. وتعرض البعض منهم للنقل إلى الريف والمناطق النائية. وجرت مضايقة البعض وتهميشه. ولايزال قضاة يتصدون ويتحدون، ولكن طغيان التنفيذي الذي عم فساده البلاد والعباد قد ابتلع وهج استقلال القضاء وهو الذي يسود حياتنا ويعكر صفوها.
رد الاعتبار للقضاء ليكون حكماً بين الحاكم والمحكوم. وبين الحكم نفسه وبين المواطنين بحاجة إلى ادانة ومقاومة الحاق القضاء بالسلطة التنفيذية، وجعله رقيباً على جميع السلطات ومسؤولاً عنها، وتحديثه واصلاحه والبوابة الرئيسية لبناء يمن الوحدة يمن الحرية والديمقراطية والعدل.
كنا في الماضي غير البعيد نقمع بالأمن السياسي في الشمال وأمن الدولة في الجنوب ويتباهي الحكم اليوم بأن يحتكم إلى القضاء والحقيقة أن الحكم يندمنا على قمع الأمن فهو ارحم من حالنا اليوم.
يصادر وزير الاعلام ترخيص صحيفة «الوسط» وينتصر لها القضاء. ولكن يبقى الحكم غير منصف لأنه لا يغرم الوزير الذي افتأت على القضاء، ولكن الوزير «المعتدي» على النظام والقانون يواصل التهديد بسحب التراخيص وإغلاق الصحف.
قبل شهرين أساء زميلنا محمد المقالح التصرف في المحكمة بالضحك ولامه أقرب زملائه. وكان الضحك أو الاخلال بنظام الجلسات يستحق عتباً أو عقاباً محدوداً لا يتجاوز الاربعة والعشرين ساعة ولكن القضاء للأسف الشديد تعامل مع الحالة بعصبوية وحمية لا تليق بالقضاء. وكأن التشدد في سجن المقالح واستمرار اعتقاله مقدمة لها ما بعدها.
واذا ما استبعدنا تدخل التنفيذي وهو أمر ليس بالمستبعد فأن قضية الصحفي عبدالكريم الخيواني هي الأكثر غرابة ودرامية. فعبدالكريم، ويعرف الجميع، أنه أول من أثار قضية التوريث، وفتح ملفات الفساد ودان حرب صعدة، ودفع الثمن باهظاً لشجاعته وجرآءة انتقاده للفساد، فقد اختطف أكثر من مرة، واعتدي عليه بالضرب، وسجن لما يقرب من سبعة أشهر قبل عامين.
لقد هجم الامن القومي على منزله ظهراً. وتعرض للضرب أمام أطفاله. وفتش منزله، وأخذ المهاجمون أدوات «الجريمة» صوراً وأخباراً وموضوعات وسيديهات، هي عدة عمله الصحفي. واقتيد مخفوراً إلى النيابة بملابس نومه. وأطلق بضمان تجاري لأسباب صحية، وجرت محاكمته بتهمة الارهاب أمام محكمة أمن الدولة بعد كل الذي جرى. قبل أسبوعين زرت والخيواني والناشطة الحقوقية بلقيس اللهبي القاضي محسن علوان في مكتبة لمعرفة موعد الجلسة فتحدث القاضي كتطمين للخيواني مشدداً على عدم وجود شروط العمل الارهابي، وكان حديثه يستبعد وجود ادانة بالعمل الارهابي بالنسبة لعبدالكريم الخيواني. الاخطر في سجن الخيواني أنه يجيء في سياق الثأر والانتقام من كتاباته الصحفية ومقالاته الشجاعة. ويكون السجن لستة أعوام تتويجاً للاعتقال والاختطاف والاعتداء بالضرب. فكان القضاء -استغفر الله وحاشاه- جزءاً من أجهزة القمع المتعددة والمتنوعة. العنف والارهاب يحتاج المجتمع اليمني والتضييق على الهامش الديمقراطي، وترويع الصحفيين يضاعف الاحتقان ويشجع الارهاب ويدفع إلى مزيد من العنف، والادهى أنه يعزل اليمن عن السند والتعاطف الدولي التي هي بأمس الاحتياج إليه.
إغلاق الباب أمام التحاور والتطور السلمي الديمقراطي والتشارك، وقمع الحريات الصحفية لا يؤدي إلا إلى مزيد من العنف الاعمى والتخاطب بالاقتتال والاحتكام إلى لغة الفتن والاحتراب.
الصحفيون كالمحامين كالادباء والكتاب والمدرسين والطلاب وبقية مؤسسات المجتمع المدني هم المدافعون الحقيقيون عن استقلال القضاء. فالمجتمع المدني ومؤسساته المختلفة يدرك أن أصلاح القضاء وتحديثه، والنأي به عن التبعية للسلطة التنفيذية، وعدم الزج به في الخصومات السياسية وتصفية الحسابات هي الخطوة الاولى نحو بناء دولة النظام والقانون. دولة العصر الحديث الديمقراطية حقاً.
ولا ننسى أن العشرات من السياسيين والصحفيين والمحامين معتقلون تعسفاً، وباجراءات باطلة وبعضهم مغيب. ويحاكمون مسلوبين كل الحقوق. وعلى سبيل المثال لا الحصر: حسن باعوم، علي منصر وهما سياسيان، على هيثم الغريب محام وكاتب. وأحمد عمر بن فريد سياسي وكاتب، وعباس العسل صحفي وأحمد القمع أديب وكاتب صحفي، والمحامي يحيى الشعيبي عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي. وكلهم من قادة الحراك الجنوبي.
ولكم أن تتصوروا أن ينطق القاضي الحكم بالسجن ستة أعوام دون تحديد التهمة أو تحديد حيثيات الحكم أو تعليله أو تعرض للدفاع المجيد الذي اضطلع به محاميان من أكفأ المحاميين اليمنيين والعرب، هما نبيل المحمدي، وهائل سلام. والأنكى من ذلك كله أن القاضي لم ينطق بالنفاذ العاجل، ورغم أن الخيواني لم يكن مسجوناً واستأنف الحكم الثاري إلا أنه قد أُخذ إلى السجن، وكأن الحكم يريد أقناع الناس «إن هذا جزاء من ينتقد»، وصدق الله العظيم: «وأن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً»، والمفارقة الراعبة أن يسمي القرآن الكريم اليمن أرض الجنتين ويحولها الحكم الفاسد والمستبد إلى جهنم. ألا يحق لنا أن نتساءل أين سلامة الاجراءات؟ أين العدالة في أن يسجن الخيواني بحكم ابتداء غير بات. ألا يتصادم مع الدستور، وما معنى أن ينطق القاضي بنص وينفذ منطوق مختلف؟ ويعرف الناس أن الأحكام لا تنفذ غالباً إلا إذا خدمت نافذين وما أكثرهم.
***
الخيوانيون
منى صفوان
monasafwanMail
بعد ما حدث, تأكد أن المسألة لم تكن مسألة قضاء يأخذ وقته لعدالة متأخرة،فهي ليست مسألة وقت، بل مسألة عناد. عناد جعل الصامتين يتحدثون والمعارضين يتكاثرون والرافضين لم يعودوا اليمنيين وحدهم، وليسوا أيضا اليمنيين المصنفين كمعارضة.
القانونيون الذين رجوا قاعة محكمة الخيواني بمرافعات مقعرة اللغة، يترفعون اليوم عن التوقع بما يمكن حدوثه. لأن ما يحدث هو خارج مسار الفعل القانوني المنطقي. هم لن يتورطوا بنسج التوقعات، فقط سيستمرون بحماسة, في مرافعاتهم ومسارهم القانوني. ليكونوا الطرف المنطقي في هذه الأزمة التي تحاول القول إن هناك طرفاَ قوياَ يريد فرض هيبته غير القانونية، وسط هذا الضجيج الذي لن يهزه أبدا، والذي انتقلت عدواه للشارع الصحافي والحقوقي.
لقد أصبح هناك متحمسون كثر لقضية واحدة، وأصبح هناك "خيوانيون" كثر مناصرين لخيواني واحد. ليكون " الخيوانيون" مصطلحاَ يجدر إضافته إلى قاموس المتعاملين مع قضية حبس الصحفي الأشهر، وبالذات إلى قاموس من حبسوه، فقط ليتأكدوا من حجم الكارثة، أو على الأقل يمكنهم إضافته إلى قاموس جهاز الحاسوب الخاص بهم حتى لا تبدو الكلمة غريبة عنهم.
فمنذ فترة طويلة يزداد عدد المتعاطفين, وأصبحت الشوارع ترحب باقتراب المعتصمين بهدوء لأي مكان سيضطر صاحبه للمغادرة حتى لا يستقبل بعض المزعجين.
ما فعلوه لم يكن بطوليا ولم يكن قانونيا، يضطرون به للاختباء. لكن إلى متى يهربون! والعالم كله يبحث عنهم.
حتى أمريكا دخلت القضية بعنفها المرعب، لتؤكد عدم مباركتها لفعلة " أصدقائها" وكأن أمريكا أيضا أصبحت "خيوانية". لم يعد الخيوانيون مجموعة الأصدقاء المقريين لعبد الكريم من صحفيين وحقوقيين،أو مجموعة الفوضويين المعارضين، الذين لا صوت لهم لا يمكن تجاهله، ففي فترة بسيطة نسبيا أصبح الخيوانيون منظمات عربية، اقليمة، دولية و أمريكية، صحفيين دوليين وعرباَ وناشطين حقوقيين، أدباء ومفكرين وفوضويين ومزعجين من كل العالم، و الكثير منهم لم يلتقوا بالخيواني شخصيا، ولا يعرفونه قط. وأصبح" الخيواني" قضية وفكرة وليس مجرد اسم العائلة لشخص يمتهن الصحافة.
رد فعل مرعب من حملات توقيع إلى بيانات توصف عادة بلغة الدبلوماسية بأنها "شديدة اللهجة". ولكن الشديد هنا أن منها بيانات لمنظمات يمنية حسبت لزمن طويل أنها على مستواها العالي تحت جناح المؤتمر! فبيان واحد يزاوج بين نقابة الصحفيين واتحاد الأدباء يبدو وقعه ثقيلا. هنا يكون الحديث عن نقابة الصحفيين اليمنيين حديثا شائقا جدا، فهو حديث عن نقابة غير المرضي عنهم، وغير الراضية هي عن نفسها، والتي عبرت بشكل رسمي عال عن موقف مختلف لما كان البعض يتوقعه منها، هذا البعض غضب من هذا الموقف ، فلم يكن منتظرا أن يكون موقفها رسمياً وبأعلى سلطاته. لكنها تذكر عند اللزوم أنها تتعاطف مع المهنية، وليس الحزبية. وبدا لسان الحال يقول إنه ليس على النقابة أن تكون لسان حال المؤتمر الشعبي العام.
وكأن الأمر أصبح فوضى, و قريباَ من مشاهد أفلام يوسف شاهين التي لا تقنع الكثيرين، فلم يعد هنا شيئ منظم، على الأقل كما يريده من هم ليسوا خيوانيين، وهكذا دون مقدمات أصبح الخيوانيون حركة عالمية، تحرج تحركات الشارع المحلي الذي لم يزل تحركه اقل من المطلوب. لكن تحركاته المحسوبة بدقة تربك، وتستفز سؤالاً: كيف يمكن إسكات هؤلاء!
مرعب هو عالم اليوم لا يترك مساحة لأصحاب القرارات الحاسمة التحرك براحتهم ضد مجموعة الفوضويين المحليين، المستقويين دائما بالخارج، و المهددين للعلاقات الدولية ومساعدات المانحين. هنا يبدو الوضع مأساويا إن نظر له من الجهة المقابلة، لمجموعة لم يكن خيارها موفقا في الرهان طويلا على انشغال هذا العالم بغونتانامو وجرائم الصهاينة وتفجيرات القاعدة وبقية مصائب الشرق الأوسط، ليظهر "الخيواني" وسط كل هذا, محتلا لمساحة لا بأس بها.
لقد كان أسبوعا شاقا ومرهقا للطرفين، وكان يجب توقعه هكذا، فلم يعد من السهل المرور بأي فعلة كهذه، هذه هي المصيبة إذا من وجهة النظر الأخرى.
كيف يمكن للمخولين وحدهم بالتصرف بأمر هذه البلد وقاطنيها أن يباشروا مهامهم اليومية دون التعرض للافتات وشعارات المتجمهرين, الذين يجب على احد أن يتبرع بأن يذكرهم بأننا لسنا في زمن جيفارا. ولكنهم سيردون فورا: إننا في زمن ألعن.
"أما زال الثوريون هنا.... خارج القصر! " سيعيد التاريخ السياسي المعاصر اقتباس جمل مماثلة، وسيفرد مساحة لجملة إعلانية تقولـ" احبس أنفاسك إذا... إن فكرت اليوم بحبس رجلـ" رجل واحد لم يرتكب ما يستحق عليه الحبس ، واستعد إذا لكل هذا الإزعاج المربك.
تبا.............
***
الموقف الأمريكي من الحكم ضد الخيواني والقراءة المغلوطة
محمد المنصور
لم تعجب البعض ردود الفعل اليمنية والعربية والدولية الاستنكارية للأحكام الظالمة التي أصدرتها المحكمة الجزائية الاثنين قبل الفائت ضد الزميل الصحفي الكبير والمناضل بحق عبدالكريم الخيواني، والتي قرأت في الحكم ودلالاته امتهاناً لحقوق الانسان، واستهدافاً لحرية التعبير وحرية الرأي والصحافة في اليمن، في شخص الخيواني بالذات؛ محملة الحكومة اليمنية ومناشدة إياها في ذات الوقت التراجع عن حكمها/ قرارها، ضد الخيواني وغيره. وكانت ردة فعل الخارجية الامريكية إزاء ما تعرض له الخيواني قد أغضبت السلطة وإعلامها الذي راح يتفنن في استنكار السياسة الامريكية وممارستها لازدواجية المعايير، وتذكيرها «بأبو غريب» وجوانتنامو، واعتقال وسجن الشيخ محمد المؤيد وصاحبه زايد، وغير ذلك. ولاندري وجه استنكار رد فعل الإدارة الامريكية من قبل السلطة والمحسوبين عليها في موقفها هذا من الخيواني وهي التي يعتزون دائماً بمواقفها من النظام وممارساته وديمقراطيته، وثنائها الذي لم ينقطع على دور اليمن في مكافحة الإرهاب والشراكة وغير ذلك من المجالات، التي يتم التغني بها عادة، وتحتل عناوين الصحف، ومقدمات الأخبار.
بدا لوهلة أن ردود الفعل اليمنية الرسمية على الموقف الامريكي من الخيواني أن (السلطة) لم تكن تتوقع الموقف، أو كأنها قد لمحت فيه موقفاً مبطناً من الحرب أو أنها قد ظنت بأنها ضمنت مسبقاً الرضا والصمت الامريكي، كما هو حاصل مثلاً من الصمت الامريكي إزاء الحرب الجارية في صعدة وغيرها والتي تدعو فعلاً للتساؤل والاستغراب، بخاصة وإن الإدارة الامريكية وجهازها الدبلوماسي النشط لا يترك شاردة ولا واردة في العالم إلا ويتخذ منها موقفاً سياسياً لا لبس فيه.
وهنا ألفت إلى أن وجه استغراب الموقف الرسمي اليمني من الموقف الامريكي إزاء الخيواني، ربما يكون منشؤه الخيواني نفسه كمواطن الذي تنظر إليه السلطة نظرة مجردة من أي أعتراف له بأي حق دستوري، بنتيجة الممارسات والإعتداءات الجسدية وحملات الترهيب، والملاحقات والمحاكمات التي لم تتوقف منذ منتصف 2004، لذلك استكثرت عليه مجرد تضامن لفظي من الناطق باسم خارجية الدولة العظمى الوحيدة.
يمكن استنتاج ذلك التعليل من مواقف وتصريحات سابقة لمسؤولين في السلطة إبان المحاكمة الأولى والسجن لعبدالكريم الخيواني الذي استمر لمدة 7 شهور (سبتمبر 2004- مارس 2005)، ومنهم من قال رداً على تساؤل أحد الصحفيين: ومن الخيواني هذا؟ رغم أنه يعرف أن الخيواني ليس أكثر من مواطن يمني، وصاحب رأي- يتفق ويختلف معه من شاء -وليس أكثر من ذلك في ميزان المواطنة المنشودة.
ولإن الخيواني واقع ضمن دائرة التصنيف المغلوطة والمشوشة للمواطنة في اليمن، والتي فاقمت حروب صعدة العبثية وتداعياتها من أثارها السياسية والاجتماعية والدينية، فقد استكثر عليه البعض في الوسط الاعلامي موقفاً امريكياً ناقداً للحكم الظالم المسلط ضده، والذي بالمناسبة ليس الوحيد أو الأول الذي تنتقد فيه الادارة الامريكية الحليفة للسلطة في بلادنا هذه الأخيرة وبعض ممارساتها، فتقارير الخارجية الامريكية في السنوات الثلاث الأخيرة حفلت بجملة انتقادات لما تتعرض له الحقوق والحريات الصحافية والسياسية والدينية من انتهاك وبضمنها الخيواني له، وما تعرض كما وجهت منظمة الشفافية الامريكية وغيرها من المنظمات والمراكز المتخصصة انتقادات للحكومة اليمنية في جوانب الشفافية والمحاسبة، والفساد، وعمالة الاطفال، والاتجار بالبشر والأسلحة وغيرها من القضايا.
وبسوء نية كتب أحدهم في أسبوعية «الناس» الأخيرة تحت عنوان «تضامن امريكي لا يشرف الخيواني»، استجمع فيه ما تفرق وما قيل ضد السياسة الامريكية وازدواجية معاييرها إزاء قضايانا في اليمن والمنطقة، وهو حق، لكنه الحق الذي أريد به خلط أوراق كثيرة، تصرف الإهتمام عن مظلومية الخيواني وقضيته التي يصبح الرجل معها محل شك في وطنيته كما نفهم من عنوان مقالة صاحبنا الذي نسي أن الخيواني في السجن منذ لحظة النطق بالحكم عليه، ولم يستجد أو يطلب موقفاً من أحد، أكان الأمريكان أم غيرهم، علماً بأن موقف الخارجية الامريكية هذا، سُبق بمواقف دولية حقوقية قبل النطق بالحكم وبعده، كانت تأمل من السلطات اليمنية السماح له بمغادرة اليمن لتسلم جائزة منظمة العفو الدولية التي منحته جائزة الصحفي الأكثر عرضة للخطر في العالم قبل أيام من صدور حكم الجزائية عليه، بعد وصولها إلى قناعة بتسيس القضاء في اليمن وتبعيته.
إننا ونحن نختلف مع الكثير الكثير من توجهات ومواقف الإدارات الامريكية، لا يجب أن ننسى أن ما يجعل لمواقفها السياسية أهمية من مختلف القضايا والشؤون، وبكل الأوقات، يكمن في طبيعة علاقاتها التحالفية بالأنظمة التي تحكمنا في اليمن والمنطقة والعالم، وتأثيرها المباشر في الأحداث والسياسات، بخاصة ما يتصل بمواقفها الناقدة للاستبداد والقمع في المنطقة العربية والإسلامية، حيث لا ننكر أن كثيراً من القوى السياسية العربية (في اليمين واليسار والوسط) كانت تعول على الدور الامريكي منذ مطلع التسعينات في الدفع بقاطرة الديمقراطية، لولا ما أدت إليه سياسة اليمين الصهيوني المسيحي في الادارة الامريكية بقيادة بوش الإبن من كوارث في المنطقة واحتلال للعراق وعنف وتطرف ومقاومة مضادة أبهتت في المحصلة، وأسقطت كل رهان ديمقراطي على الفاعل الخارجي.
ومن الملاحظ أن سياسة الانظمة العربية الحليفة وغير الحليفة للإدارة الامريكية، الحالية تحديداً، تكاد تتطابق في أمور كثيرة وقضايا استراتيجية لكنها تختلف معها فيما يتعلق بالحقوق والحريات، فمصر والسعودية وبعض دول الخليج لا يكاد خلافها يذكر مع إدارة بوش إلا عند ذكرها قضايا الاعتقال، وحقوق الاقليات، والمحاكمات، وحبس الناشطين، وحقوق المرأة وغيرها من القضايا، ورد الفعل اليمني الرسمي من موقف الادارة الامريكية الناقد والممتعض من الحكم على عبدالكريم الخيواني يأتي في ذلك الاتجاه، وأي محاولة لتبرير ما اتخذ ضد الخيواني بأثر رجعي يحاول تفسير الموقف الامريكي السيء من حقوق الانسان، واسقاطه على الموقف من الخيواني هي محاولة مفضوحة، فحالة التضامن الانساني ضد العسف والطغيان، لا تقبل التجزئة ولا الانتقائية، ف«الحرية هي حرية الآخر»، والعبارة الموجزة البليغة للمفكر الكبير د. ابو بكر السقاف- أطال الله عمره-، ولنعتبر في اسواء الأحوال أن ذلك الموقف صحوة ضمير امريكية متأخرة تبقى خيراً من الصمت.
إن الغمز من الموقف الامريكي تجاه الخيواني، لتبرئة الذات من واجب التضامن معه ومع كل ضحايا العسف السلطوي، هي وسيلة للهروب من الموقف الأخلاقي ذاته الذي تطالب به السلطة ذاتها الادارة الامريكية أن تلتزم به، وكأن المرجعية الاخلاقية لا تتحدد ولا يعمل حسابها إذا انتهكتها الإدارة الامريكية والعكس صحيح للأسف.
ومن عجب أن صاحب مقالة «تضامن امريكي لا يشرف الخيواني» قد راح في مايشبه المرافعة يحاجج الإدارة الامريكية عن مواقفها إزاء مختلف قضايا حقوق الانسان وسياستها في المنطقة، السابقة على موقفها من الخيواني والحكم عليه، دون أن يتطرق هو، ومن يشاطرونه النظرة، إلى سلسلة الممارسات والاجراءات القامعة ضد الخيواني منذ 2004 وحتى صدور الحكم الأخير. لقد ذهب الكاتب في نقده للمواقف الامريكية من الحقوق والحريات ومعيارها الانتقائي إلى القول بأنها للضغط السياسي والمكاسب المرسلة. وهذا بدهي، لكني لا أفهم لماذا راح صاحبنا كأنما يشترط لقبول الموقف الامريكي الأخير من الخيواني، موقفاً سابقاً من حادثة الاعتداء عليه بالضرب والاختطاف إلى دار سلم بقوله -أي الكاتب: «انها -حسب علمي- لم تصدر بياناً حينما تعرض الخيواني نفسه للخطف والترويع والضرب في دار سلم». والحال أن الادارة الامريكية -لسوء حظه- أصدرت وللمرة الأولى موقفاً من محنة الخيواني الطويلة مقترنة بحادثة دار سلم في يوم 8 سبتمبر 2007، دعت من خلاله السلطات اليمنية إلى التحقيق في الحادثة ومحاسبة الجناة، ولم تأخذ السلطة ذلك الموقف على محمل الجد، مثله مثل موقفها من سياسة الفساد والشفافية، وقضايا الاصلاح السياسي.. الخ.
وفي سياق آخر من مقالة الكاتب التي لم يبين للقراء فيها دلالة العنوان بالموضوع، يتبين أن الخيواني ظُلم عدة مرات، على يد المحكمة أولاً، ومن ثم الذين استنكروا تضامن الآخرين معه وراحوا يؤلون ويذهبون بعيداً، وأخيراً على يد أخينا الذي بدا أنه لم يطلع أو يقرأ شيئاً من حيثيات المحاكمة، ولا ما نقل عنها ونشر في الصحف فراح ينسج من عنده معلومات ووقائع مضللة لا يعرفها سواه. يقول -سامحه الله: «خلية صنعاء متهمة بالتخطيط لاغتيال السفير الامريكي بصنعاء، والخيواني متهم بضلوعه في الخلية.. والخارجية تحتشد ضد الحكم على الخيواني... فهل يعقل أن الخلية تآمرت مع الخارجية ضد السفارة؟ هذا سخف. واذا كانت الدولة المتهم الخيواني التخابر معها هي إيران فهل يستقيم أن ينتفض الامريكان لأجل من يحسبونهم عدوهم ويدعو عليهم بالموت؟».
انتهى الأقتباس الذي يحتاج إلى وقفة مستقلة بذاته، لكنني هنا أود أن أتساءل مع كثيرين ما مناسبة هذا التلفيق والخلط الفاضح للقضايا، خاصة بعد صدور الحكم الذي لم يتضمن حيثية واحدة ضد الخيواني تبرر الحكم الصادر ضده والذي بالتأكيد سيتوجس خيفة والمتضامنون معه من تلك التهم الجديدة والمفتعلة التي لم تتفوه بها حتى النيابة الجزائية، والتي تطوع بها الكاتب لأهداف غير خافية، ما يجعل تضامنه مع من شملتهم مقالته في سياق النقد للسياسة الامريكية، فضلاً عن الخيواني، محل شك ومزايدة ليس إلا.
الحرية لهؤلاء.. وللوطن
وبازاء ما يجري ليس لنا إلا أن نناضل سلماً، ونكرس ثقافة التعايش والقبول بالأخر، ورفض الحروب أياً كانت، ونزعات الإقصاء السياسي والاجتماعي والثقافي بأي مسوغ، وتحت أي عنوان، فاليمن لأبنائها جميعاً، وكل محاولات الغاء الآخر مآلها الفشل. من أجل ذلك كله نطالب السلطة وكل القوى الفاعلة بحوار وطني إنقاذي على قاعدة الشراكة الوطنية وطي صفحات الماضي، وفي الأولوية وقف الحرب العبثية وتداعياتها، وإصلاح مسار الوحدة، وإطلاق سراح المعتقلين وفي المقدمة منهم: عبدالكريم الخيواني، حسين زيد بن يحيى، محمد مفتاح، علي منصر محمد، أحمد عمر بن فريد، سامي عبدالوهاب الوزير، حسن باعوم، يحيى غالب أحمد، فهد القرني، وكل المعتقلين والمحكومين على ذمة حروب صعدة والحراك الجنوبي وغيرها، وبأسرع وقت لمصلحة السلطة أولاً، وإنقاذاً لليمن وشعبها من معاناة طالت واستمرت وآن لها أن تنزاح عن كاهله.
***
الصحافة اليمنية.. انشغلت عن الشأن العام بجروحها المتكاثرة
رشاد الشرعبي
حالياً, تنشغل الصحافة المستقلة والمعارضة في اليمن عن أداء رسالتهم المفترضة خاصة مع سخونة الأوضاع على الساحة اليمنية, بواجب أهم وهو تغطية أخبار المحاكمات للصحفيين أو ضد وزارة الإعلام وانتهاكات كثيرة لحرية التعبير يأتي في مقدمتها احتجاز 8 صحفيين وفنان شعبي بصور مختلفة.
الصحف اليمنية صارت تبرز خاصة في صفحاتها الأولى والأخيرة الأخبار المتنوعة المتعلقة بمحاكمات الصحافيين واعتقالهم وإغلاق الصحف وإيقاف منح تراخيص الإصدار والحجب على شبكة الانترنت, ولم تعد تزاحمها في الحضور سوى أخبار المواجهات المسلحة شمالاً وتصاعد التوتر بين السلطة والمعارضة, وغابت أخبار المجتمع وما يعتمل في أوساطه و مايهمه أيضاً.
ورغم قرب انعقاد مؤتمر عام نقابة الصحافيين اليمنيين (26 يونيو), إلا أن تصاعد سخونة الأجواء, تجعل من حريتي التعبير عن الرأي والصحافة الضحية الأبرز لدخان المعارك الدائرة (السلمية أو المسلحة).
صحيفة النداء التي يشغل رئيس تحريرها منصب رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين صار من المعتاد أن تتصدر صفحتها الأولى تقارير حول محاكمات الصحفيين عبدالكريم الخيواني ومحمد المقالح والصحيفة ذاتها والفنان فهد القرني ونشطاء الجنوب إلى جانب مقال لرئيس التحرير يتناول ذات الهم.
وكذلك بقية الصحف المعارضة والمستقلة, فالعشرات من الناشطين السياسيين اعتقلوا في المحافظات الجنوبية على ذمة الاحتجاجات السلمية التي كان خلال أكثر من عام ونصف, ثلاثة من أبرز أولئك الناشطين (قيادي حزبي, وكاتب صحفي, ومحامي) قدموا للمحاكمة بعد احتجاز مع عشرات آخرين لأكثر من ثلاثة أشهر.
ولايزال اكثر من 20 ناشطاً رهن الاحتجاز, وتنظر المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة في تهم تتضمن التعبير عن آرائهم حول الأوضاع المتردية وإعلان مطالب حقوقية وسياسية ورفض ماتمخض عن حرب 1994م.
وفي محافظة تعز, يقبع الفنان الشعبي (فهد القرني) منذ الثاني من إبريل في السجن في ظل إجراءات مشددة حرمته حتى من زيارة طفليه وزوجته, بمبرر خضوعه لمحاكمة بتهمة الإساءة للرئيس والتحريض على العصيان المدني من خلال مسرحياته التي عرضها في مهرجانات شعبية وإصدارات فنية لقيت رواجاً كبيراً لدى عامة اليمنيين.
القرني, وفي الجلسة التي حجزت للنطق بالحكم (4 يونيو), قال وفي تصريح مقتضب "أنتظر مرسوماَ رئاسياَ بتاريخ 9 يوليو وليس حكماً قضائياً", وعبر عن موقفه المسبق "ارفض ماسيتلوه القاضي من قرارات رئاسية صادرة عن القصر الجمهوري الذي أحاكم بتهمة الإساءة إليه".
وغير هذه القضية التي كُيفت بناء على شكوى من مكتب الثقافة, فللقرني قضية أخرى تقدمت بها نيابة الصحافة والمطبوعات لازالت تنظر فيها إحدى محاكم صنعاء وتعاملت معه ك(فار من وجه العدالة) رغم تواجده في السجن بمحافظة أخرى, في حين قضى حكم صادر عن محكمة ثالثة قبل عام تقريباً بسجنه 3 سنوات وتغريمه 300 الف ريال وعلم به بعد 6 أشهر, وجميع هذه القضايا تتعلق بإصداراته وعروضه الفنية (غنائية ومسرحية) والتي تتضمن نقداً ساخراً للأوضاع.
ذات المحكمة في صنعاء, تواصل النظر في دعاوى تقدم بها صحفيان (فكري قاسم, صادق الشويع) وآخرون ضد وزارة الإعلام التي احتجزت تراخيص إصدار صحفهم رغم تلبيتهم للشروط المفروضة من الوزارة, وتمتنع أيضاً عن البت في أكثر من 60 طلب ترخيص بمبرر وجود "توجيهات عليا" بإيقاف منح تراخيص إصدار الصحف منذ 8 أشهر.
وكانت نقابتا الصحافيين والمحامين اتفقتا على تكليف محاميين للترافع في هذه الدعاوى التي تطالب بإطلاق التراخيص والتعويض عن الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بأصحابها, وهو مادفع رئيس الكتلة البرلمانية للمعارضة (الدكتور عبدالرحمن بافضل) مطالبة وزير الإعلام بأن لا يمنع منح التراخيص ويتوقف عن إغلاق الصحف بقرارات إدارية, وذلك أثناء ندوة تحدث فيها الأخير عن حرية الصحافة.
الوزير (حسن اللوزي) اضطر للتأكيد للحضور في الندوة أنه سيلتزم بالدستور والقانون الذي يمنح حق التراخيص ويمنع اغلاق الصحف وسيكون باراً بيمينه الدستورية, لكنه قيدها بعبارة "ما استطعت إليه سبيلا".
وقبل ذلك كانت ذات المحكمة قررت في 3 مايو المنصرم وبعد مداولات استمرت 3 اسابيع, قبول دعوى إلغاء قرار وزارة الإعلام المقدمة من رئيس تحرير صحيفة الوسط, حيث كانت الوزارة قد سحبت ترخيص الصحيفة بقرار إداري, وهو مايتعارض مع النصوص القانونية التي تمنح هذا الحق فقط للقضاء.
وتزامنت عودة إصدار الوسط بعد شهر من الانقطاع مع عودة صدور صحيفة الديار التي أوقفت بقرار مماثل لأكثر من 6 أشهر.
وفي اسبوع واحد من شهر مايو, كانت الصفحة الأولى من صحيفة الثوري يتصدرها إلى جانب الأخبار المعتادة في الكثير من الصحف كقضيتي الخيواني و المقالح, خبر عن حجب السلطات اليمنية ل 8 صحف إخبارية إلكترونية (الشورى نت, المستقلة, الأمة, يمن نارت, شمسان نيوز, التغيير, يمنات, الحدث), وتزامن ذلك مع خبر مثول هيئة تحرير صحيفة الوحدوي بكامل قوامها (7 صحفيين) أمام محكمة واحدة على ذمة "قضايا نشر حركتها نيابة الصحافة والمطبوعات فجأة".
الفعاليات الصحفية والمدنية تدشن هذا الأسبوع تحركاتها باعتصامات للمطالبة بالإفراج عن الخيواني الذي غطت صوره والتناولات لخبر الحكم بسجنه 6 سنوات صفحات الصحف المحلية (المستقلة والمعارضة), مع إبراز الإدانة الواسعة محلياً ودولياً لذلك الحكم.
وتنتظر هذه الأوساط بقلق بالغ الحكم الذي سيصدر وكان مقرراً أن يصدر يوم الأحد الماضي في قضية زميله المقالح الذي اتهم بالاعتداء على القضاء بسبب ضحكة أفلتت منه أثناء حضوره متضامناً في الجلسة الختامية للخيواني.
منذ أربع سنوات ظلت صورة الخيواني من الصور الأكثر حضوراً في الصحف خاصة صفحاتها الأولى, وأدين في يوم الصحافة اليمنية (9 يونيو) بسبب حيازته ل( سيديهات) تكشف جرائم إنسانية رافقت الإشتباكات المسلحة في محافظة صعدة والتي بدأت عام 2004م بين القوات الحكومية وأتباع الحوثي.
إلى جانبه هناك رئيس تحرير صحيفة الشارع (نايف حسان) ومدير تحريرها السابق (نبيل سبيع) والمحرر (محمود طه) يمثلون أمام ذات المحكمة, على ذمة الحرب ذاتها.
وتضمن قرار الاتهام الذي تقدمت به النيابة العامة ضد الصحيفة والصحفيين بناء على شكوى وزارة الدفاع, مطالبات بعقوبات تستند لقانون الجرائم والعقوبات تصل حد الإعدام, وذلك بسبب تحقيق ميداني تناول المتطوعين من رجال القبائل في تلك المواجهات والذين كانوا في صف القوات الحكومية.
نقيب الصحفيين الأسبق (عبدالباري طاهر), وبشأن ماوصلت إليه علاقة القضاء اليمني بالحريات الصحافية, يرى أن "الصحافيين كغالبية المواطنين يدركون ان تقدم اليمن وازدهارها واستقرارها مرتبط أشد الارتباط بإصلاح القضاء واستقلاله ونفاذ أحكامه", ويشدد على ضرورة احترام له عبر "الاحتكام إليه حقاً وصدقاً وليس لحكم الطاغوت".
إلا أن طاهر يرفض أن يتحول القضاء إلى "مايشبه العصبية القبلية أو يستخدم كهراوة أو وسيلة لتصفية حسابات سياسية أو أمنية", ويؤكد أن ناشطي الجنوب الكتاب (أحمد القمع, عباس العسل, علي هيثم الغريب, أحمد عمر بن فريد) والمقالح والخيواني "كلهم يعاقبون بسبب آرائهم المغايرة والناقدة", ويلفت إلى ان الدولة "تتعامل مع الصحفيين بروح الثأر والانتقام القبلي".
المواجهات المسلحة لازالت تدور رحاها في شمال اليمن وامتدت إلى مناطق تبعد عن العاصمة صنعاء 20 كيلو متر, وخلفت مئات القتلى والجرحى من الجانبين ومن المواطنين الأبرياء, غير أولئك المشردين والنازحين والمعتقلين والخسائر المادية, إلا ان طوقاً كبيراً تضربه السلطات حولها والمعلومات الخاصة بها.
لم تكتف السلطات بمنع وصول الصحفيين الى مناطق المواجهات وممارسة الضغوط على المراسلين لوسائل الإعلام الخارجية لمنعهم من تناولها في تقاريرهم الإخبارية.
فهي تسعى إلى تجريم تناولها كحقائق على أرض الواقع, وذلك من خلال ممارسات مختلفة أبرزها المحاكمات عبر محكمة يعدها فقهاء القانون "استثنائية وغير دستورية وتفتقر للمعايير الدولية المتفق عليها بشأن المحاكمات العادلة", إلى جانب ضرب شبكات الاتصالات الحكومية والخاصة, لحرمان الصحفيين من أي مصادر للمعلومات.
فلأجل حجب المعلومات حول الحرب, أصدرت وزارة الإعلام تعميمها الذي يمنع محرري الصحف ومراسلي وسائل الإعلام الخارجية من أي تعامل مع أحداث الحربـ", ووفق صحيفة الشارع فإنه أيضاً تم "التشديد على ان المصدر الوحيد للمعلومات حول ذلك هي دائرة التوجيه المعنوي في الجيش أو وزارة الدفاع".
ذلك التعميم تزامن مع تنفيذ, وفق ذات الصحيفة, "وزارة الإتصالات حملة حجبت خلالها عدداً كبيراً من المواقع الإلكترونية المستقلة التي استمرت في نشر الأخبار والتقارير بشأن الحربـ", وفي أشهر ماضية كانت عدة مواقع إلكترونية تهتم بتغطية الاحتجاجات جنوب اليمن عرضة لحجب لا يزال قائماً حتى اللحظة.
وحجب المواقع اليمنية عن المتصفحين لشبكة الانترنت من داخل اليمن, كان إحدى القضايا المثارة ضمن فعاليات المؤتمر العالمي للصحف الذي انعقد مؤخراً في السويد.
وأبدى المدير الإقليمي لشركة جوجل في أوروبا الاستعداد لدعم المبادرات التي من شأنها نشر المعلومة ومكافحة حجب المواقع.
استعداد جوجل ذاك كان بعد حديث مدير محرك البحث (يمن بورتال) حول تعمد الحكومة اليمنية حجب الموقع رغم قيامه بنفس مايقوم به (جوجل نيوز) من إبراز للعناوين والمقتطفات من الأخبار الصادرة عن العديد من المواقع.
كتاب وصحفيين يكتبون عن محنة الخيواني
2008-06-19