"المناطقية" كتهمة, صارت (تعز) بحاجة إليها - رشاد علي الشرعبي
لم تتوقف الاتصالات منذ إبلاغي بخبر مقتل أحد أبناء منطقتي في منزله بتعز وعلى يد مدير أمن مديريتنا الأسبق, وحملت – الإتصالات – التعبير عن القلق من مصير للقضية قد لا يحقق العدالة ثم العتاب لعدم الكتابة عنها وما تتعرض له من محاولات تمييع وضغوط للصلح القبلي.
لم أتعجل الكتابة لأعذار كنت أسوقها للمتصلين منها أن ماجرى ليس سوى خبر, حيث والجاني في قبضة الأجهزة الأمنية والإجراءات القانونية تتجه بشكل طبيعي في طريق إحالتها إلى القضاء, رغم ما توفر له من سجن 5 نجوم وتجول أقاربه وأفراد قبيلته في شوارع مدينة تعز ومؤسساتها والذين قدموا من خبان إب.
كان علي أن أبرر للمتصلين بأن الكتابة في مقال رأي أو غيره سيكون في حال لاحظنا أي إجراءات غير طبيعية والإنحراف بالقضية عن مسارها باتجاه مخالف للقانون وتمييعها, وهو ما تشير إليه التطورات حالياً مع مايرافقه من ضغوط على أولياء دم القتيل لحرمانهم من حقهم في الإقتصاص من القاتل وفق شريعة الله التي نص عليها دستورنا وما انبثق عنه من قوانين.
التوتر مسيطر على أبناء شرعب كلها جراء ذلك, والقلق من تمييع القضية يخيم على سماء تعز بسبب غياب الثقة باستقلالية القضاء والاعتقاد الراسخ بخضوعه لرغبات اياد خفية تحتكم لقانون القوة ولوبيات الفساد والاستبداد والمناطقية والقبلية, وهناك قضايا كثيرة كان الضحايا فيها من أبناء شرعب ومحافظة تعز عموماً وطالها التمييع والإجراءات غير القانونية والضغوط للقبول بالصلح المجحف و أخرى جمدت ولم تحسم قضائياً منذ سنوات مديدة مضت.
جهود كبيرة تبذل حالياً لتمييع جريمة قتل الرائد عبده غالب حسن من قبل مدير أمن شرعب السلام سابقاً وشقيقه الأصغر, اللذين اقتحما منزله وأقدما على جريمتهما أمام أطفاله وفي عز الظهر.
محافظ تعز وهو من مديرية القتيل (شرعب السلام) كان قبل أيام قليلة قد أُعلن عن انتخابه من جانب اعضاء المجالس المحلية بالمحافظة بمافيهم الأعضاء من شرعب, والمفترض أن يطمئن أبناء منطقتنا بأن القضية ستأخذ مسارها الطبيعي وسينظر فيها القضاء باستقلالية وإنصاف ووفق الشرع والقانون.
لكن أسباباً كثيرة تمنع تلك الثقة وهي ما يضاعف التوتر حالياً بصورة أكبر وقد يؤدي إلى نتائح كارثية, ومبعث ذلك ليس فقط مرتبط بالعلاقة والمصلحة الشخصية التي تجمع المحافظ بالجاني أوالتحركات لنافذين من منطقة القاتل الهادفة إلى تمييع القضية, جنباً إلى جنب مع ممارسة الضغوط على أولياء الدم لإنهاء القضية بصلح قبلي مجحف لايرضاه الله ولا النصوص التي تتضمنها جل القوانين والمواثيق الدولية.
وبغض النظر عما سيكون عليه موقف المحافظ, فنحن عرفناه كواحد من كثير من المسئولين المنتمين لتعز الذين يعملون كموظفين لدى القصر الرئاسي ولايمثلون أو يعبرون عن مصالح أبناء مناطقهم أو محافظتهم حتى ولو قذفت به لتلك المناصب أصوات الناخبين المزعومين سواء كعضو في مجلس النواب أو كمحافظ.
وقد عرفنا أداءه كموظف وممثل لمصالح القصر, وليس مصالح ناخبيه وأهله ومحافظته, وهو وزير في ثلاث حكومات متتالية, وكانت أنصع الأدلة قضية مقتل الشيخ عبدالسلام القيسي ومالحقها من تطورات أهمها نصب قبائل الحدا المسلحين خيامهم المصروفة من المخازن الرسمية في منطقة الجندية بتعز استعدادا لغزو مخلاف شرعب وتخليص أحد موظفيها من الأسر ونهب ما أمكن.
لكن أعتقد أنه صار من الواجب على المحافظ حسم أمره ابتداء من هذه القضية, حيث تم قتل أحد ضباط الأمن من قبل مسئول أمني نافذ وسفح دمه في غرفة نومه مع ترويع أهله وأطفاله.
على الصوفي وهو رجل القانون المعروف ان يتناسى الروابط الشخصية التي تجمعه بالقاتل, و(يبهرر) قليلاً للحد من محاولات التمييع والضغوط التي تتعرض لها أسرة القتيل, وتكون (البهررة) وفق الشرع والقانون, من شأن هذا تحقيق العدالة وإتاحة الفرصة للقضاء ليقرر ما يبعث الطمأنينة لأبناء تعز كلها ويعيد لهم الثقة بالقضاء والنظام والقانون والمسئولين من أبناء محافظتهم.
في هذه الحالة سيحظى المحافظ بإلتفاف أبناء شرعب وتعز كلها, مادام وقد اختار الموازنة بين مصالحهم وواجبه الوطني والقانوني والديني والانساني وبين مصالح ورغبات القصر ومن يليه من نافذين, وبالتأكيد فأن تحقيق تلك المصالح وتلبية الواجب لن يضر أبداً بمصالح القصر دون نافذيه.
وإذا كانت أيادي أقارب الجاني والنافذين من أبناء منطقته (طائلة) وأكبر من قدرة المحافظ وصلاحياته القانونية, فعليه أن يساعدنا في (نبش) قضايانا وفجائعنا الكثيرة والتي جمدت أو تبخرت أو حلَت بصلح مجحف لأن الضحايا فيها من أبناء شرعب وتعز.
عليه ان يساعدنا في التعرف على مصير آخر قضية, والتي اعتدى فيها ضابط على موظف في مقر عمله وسط العاصمة واقتاده إلى سجن رسمي بطريقة رجال العصابات الخارجة عن القانون, وما مصير قضية مقتل نجل مدير ضرائب العاصمة على يد نجل مسئول أمني ينتمي لمنطقة قريبة لمنطقة القاتل الأخير؟ وما مصير قضية مقتل الضابط الكامل في إب رغم أنه كان لايزال محتفياً بإنتخابه عضوا للمجلس المحلي عن المؤتمر الشعبي؟.
ليسأل المحافظ نفسه, لماذا كان على الأب (علي فرحان) المفجوع بفقدان طفله (روحاً وجسداً), أن يظل شهراً كاملاً يدفع الإتاوات ويبحث عن وجاهات للكشف عن مصير نجله وجثته بعد الوصول إلى الجاني الذي دهسه وفر وتبين مؤخراً أنه رمى بالجثة في دار سلم بصنعاء لتنهشها الكلاب وسيكون من الصعب إنفاذ القانون من الجاني لأنه من ذمار.
في ذات الوقت من السهل على أقارب قاتل الضابط عبده غالب ان يتجولوا في شوارع تعز متبخترين ويلوحون بالتحدي ويقدمون الشهود الزور ويتحركون لإثبات أن القتيل قتل نفسه ولم يتم اقتحام منزله, بل زادوا على ذلك بأنه المعتدي على الجاني وشقيقه.
وياترى, هل رشاد فرحان الذي تعرض لاعتداء وحشي في مقر عمله ومن ثم اختطافه ليس موظفاً عاماً لدى ذات الدولة التي استفزها ما تعرض له القوسي فحاصرت بآلياتها وجيوشها وقبائلها المنطقة لأكثر من أسبوع بمبرر القبض على من اعتدوا على الموظف العام؟, وهل مواطنة الضابط عبده غالب ناقصة وليست كمواطنة قاتله الضابط (جميل عوضه)؟.
هاهم خيرة شبابنا (جنوداً وضباطاً) يقدمون أرواحهم رخيصة لأجل الوطن والثورة في صعدة وغيرها – كما يقول إعلام النظام-, وأخبار استشهادهم تصلنا تباعاً منذ 4 سنوات, فيما السلطة تثبت مع كل قضية لنا وفي كل فاجعة أن مواطنتنا ما تزال ناقصة ولا ترقى إلى مستوى يمنحنا الحق في الاقتصاص لقتلانا من القتلة مهما كان إخلاص أولئك القتلى للحزب الحاكم وحجم ولائهم للقصر ومستوى رتبهم ومناصبهم ووظائفهم العسكرية والمدنية أو إبائهم.
لو وضعنا جردة حساب لقضايانا الكثيرة وخلال سنوات معدودة على مستوى شرعب وحدها بالتأكيد سنُفجع بها, فما بالنا بقتلى تعز كلها. ماذا عن قضية المهندس نبيل الذي قتل في قفص المحكمة, وأيضاً قتيل منطقة دار سلم الذي غدر به أتباع شيخ سنحان عام 2000م, ونجل أحد قياداتنا العسكرية الذي قتل مع اثنين من أقاربه بالقرب من الفرقة الأولى مدرع, وأبناء العقيد القتلى في منطقة مذبح, و..و..و...إلخ.
لسنوات كان علينا لزاماً أن نتلقي أخبار مصرع قتلانا على أيدي المتعجرفين والنافذين باستمرار, وعض شفاهنا حسرة والحزن عليهم لفترة قصيرة ثم ننساهم بفعل فجائع جديدة, وظللنا حبيسي الحسرة والحزن والمشارعة غير مطمئنة النتائج, والمبرر هو اتهامنا ومن أعلى مستوى في الدولة بأننا مناطقيون وقرويون.
الآلاف من الشهداء قدمناهم دفاعاً عن الثورة والوحدة والنظام والقانون أو قتلى بأيدي المتعجرفين في كل أنحاء اليمن, ورغم ذلك لازالت سياط الحاكم تلسع ظهورنا بالتهمة الدائمة (مناطقيين وقرويين ومتآمرين), وكلما حاولنا بأصابع مقصوصة الأظافر الدفاع عن حقوقنا ومواطنتنا وخياراتنا لوح الحاكم بتهمته المعتادة ليقوم بجلدنا بذنب توهمه لنصمت ونزهد حتى عن أنين أوجاعنا.
كانت قضية مقتل الشيخ القيسي وماتلاها بداية لعهد جديد أعادنا بصورة منطقية وصحيحة إلى خندق المناطقية والقبيلة وقد يتطور إلى مستوى الثأر لقتلانا بعيداً عن سلطة القضاء وعلى طريقة الآخرين, والذي من شأنه أن يرتقي بمواطنتنا الناقصة لدى نظام لايفهم ولايتقن إلا هذه اللغة وإن تعارضت مع ماكنا قد انغمسنا فيه من حياة مدنية ونبذ للتعصب والمناطقية وتسليم ورضوخ للنظام والقانون.
الدولة الآن (سلطة تنفيذية و قضائية), أمام امتحان صعب, ليس في القضية الأخيرة وحدها, ولكن كل القضايا المجمدة أو التي تم تمييعها وعرقلتها و التحايل عليها, إما أن تعمل على تخفيف حالة العودة للتخندق المناطقي والقبلي الهادف الى الوصول للعدالة أو الاستمرار في النهج القائم والذي سيقود إلى أوضاع أسوأ من ما كان ويسقط ماتبقى من رغبة وهيبة وتسليم للنظام والقانون وثقافة مدنية كادت ان تتشكل.
reshadaliMail
"المناطقية" كتهمة, صارت (تعز) بحاجة إليها
2008-06-19