صنعاء 19C امطار خفيفة

هل تحمي الجامعة طلابها وأساتذتها؟!

2008-05-08
هل تحمي الجامعة طلابها وأساتذتها؟!
هل تحمي الجامعة طلابها وأساتذتها؟! - د. عيدروس اليهري
* الإهداء: إلى الأستاذ الدكتور أبو بكر السقاف
إذا لم توفر الجامعة الحماية لحياة وحقوق طلابها ومدرسيها، فلا خير فيها ولا أمل يرجى منها.
 ما الذي سوف تكونه الجامعة أذا أخذنا منها الطلاب والأساتذة؟! ما الذي سوف يبقى من تلك المؤسسة الأكاديمية إذا ما أفرغناها من الهيئة التدريسية والتدريسية المساعدة وجموع الطلبة والطالبات المنتسبين إليها طلبا للعلم والمعرفة والثقافة والتنوير والعمل والتأهيل والتنمية والتغيير؟!
وما الذي يبقى من الجامعة حينما تستباح حرمتها وتنتهك كرامتها ويهتك عرضها، من خلال قمع واعتقال طلبتها وأساتذتها في ساحات كلياتها وقاعات المحاضرات وخارج أسوارها، من قبل القوة الانكشارية العسكرية المتعددة الجنسيات المعززة بالأطقم والعربات والرشاشات والسلاسل والقيود؟! وأين يمكن أن يجد طلاب الجامعة وأساتذتها مكانا آمنا يوفر لهم الحماية والأمن والسلامة والحرية والكرامة أفضل من قاعات محاضراتهم وحرم كلياتهم؟!
 إن ما تشهده جامعة عدن وكلياتها هذه الأيام وما شهدته جامعة صنعاء في الأيام القليلة الماضية، من ضرب وقمع واعتقال للطلاب والأساتذة والزج بهم في السجون من قبل العسكر، وعلى مرأى ومسمع ومباركة ودعم من رؤساء الجامعات وعمداء الكليات ونوابهم، يعد بكل المقاييس كارثة حقيقية، أصابت أهم وأخطر مؤسساتنا الوطنية الإستراتيجية الحديثة والمعاصرة، وفضحت مدى الفساد والعبث الذي وصلت إليه، وعرت رموز الفساد والخراب التي تدير شؤون جامعاتنا. إن الضربات التي تصيب أجساد الطالبات والطلبة وتنتهك حقوق وحرية الأساتذة بالتهديد والتخويف والاعتقال، لا يقع ضررها عليهم وحدهم كأشخاص ومواطنين فحسب، بل يكون الضرر أفدح أثرا على المؤسسة الأكاديمية الجامعية وقيمتها وحريتها وحرمتها وشخصيتها الاعتبارية.
 إن أستاذ الجامعة هو أولا وقبل كل شيء قيمة اعتبارية ومكانة اجتماعية تتمتع بحصانة قانونية وأخلاقية واجتماعية وعلمية وثقافية يجب أن تصان دائما. كما أن الطالب الجامعي هو قيمة ودور اجتماعي وثقافي يجب أن يقدر تقديرا ايجابيا، تقديرا يستمد قوته من قيمة الجامعة ومكانتها الاعتبارية. وحينما يتعرض أستاذ الجامعة للاعتقال أمام طلابه ومن ساحة كليته بطريقة همجية وتعسفية لا أخلاقية من قبل جنود يرتدون الزى العسكري الرسمي، وبسبب آراء سياسية أو مواقف وقناعات أيديولوجية مخالفة للايديولوجيا الرسمية، فهذا يعد انتهاكا فاضحا لحرمة الجامعة. وحينما يقتحم الجنود أسوار الكليات ويهجمون بالقنابل والرصاص والهراوات على جماعات الطلبة والطالبات الذين أرادوا التعبير عن رأيهم في بعض القضايا العامة بطريقة سلمية ومدنية، ويوسعونهم ضربا وتنكيلا وأمام أنظار زملائهم وأساتذتهم، ويسوقون من تم القبض عليهم بالعشرات إلى السجون بأبشع الأساليب العنيفة، فهذا يعني تمريغ كرامة الجامعة وسمعتها بالوحل. أما حينما تتم كل هذه الأفعال المشينة تحت مرأى ومسمع قيادة الجامعة وعمادات كلياتها، فهذا لعمري هو العار والخزي والإهانة التي تردت إليها الجامعة في زمن الدعارة السياسية والأخلاقية الراهن. فكيف يمكن تبرير صمت وتواطؤ رئاسة الجامعة ونوابها وعمداء الكليات على اقتحام الجنود لحرم مؤسستهم واعتقال أساتذتهم وطلابهم وإشاعة الفوضى والخوف والفزع بين صفوف الطلبة والأساتذة، دون إبداء أي تذمر أو غضب أو استنكار ولو من باب حفظ ماء الوجه؟! وكيف يمكن تبرير موقف النقابة وصمتها المخجل عن كل ما يحدث لأعضائها وطلابهم؟! ومن الذي من المفروض أن يحمي طالب أو طالبة الجامعة في أي كلية إذا ما تخلت عنهم عمادة كليتهم ورئاسة جامعتهم وقيادتهم الطلابية وأساتذتهم؟! وكيف يمكن للآباء والأمهات أن يثقوا بالمؤسسة الجامعية التي تعجز عن توفير الحماية والأمن والأمان والسلامة لفلذات أكبادهم؟! ومن الذي يحمي الأستاذ الجامعي في كليته وجامعته ومؤسسته العلمية، إذا كانت قيادة جامعته وقيادة نقابته أول من يتخلى عنه وتفتح أبواب الكليات للعسكر ورجال الأمن للقبض عليه؟!
وهنا نتساءل: كيف يمكن لأستاذ الجامعة وكذا طلابه أن يمارسوا وظيفتهم العلمية التعليمية ويفهموا ويفكروا ويبحثوا ويبدعوا، في مؤسسة لا حرمة لها ولا حماية ولا كرامة ولا حرية ولا اعتبار، مؤسسة ترتعد فرائص القائمين عليها أمام أصغر الجنود؟! وكيف يمكن أن تستمر الجامعة بدون أن تكون ملاذا آمنا لمنتسبيها، وفي ظل أجواء الخوف والتهديد والقمع والاعتقال للأساتذة والطلاب؟!
يبقى ألسؤال هنا والآن: إلى متى ستظل المؤسسة الجامعية مرتعا مستباحا لقارات الجنود كما تغير النسور الجارحة على أعشاش العصافير متى جاعت؟ إن العلم لا يزدهر إلا في بيئة خصبة من الأمن والأمان والهدوء والاطمئنان والحرية والشفافية والكرامة. وكما قال كروبر، إن حاجة العلم للحرية والاستقرار كحاجة النباتات التي تنمو في البيوت الزجاجية للشمس والأكسجين. أما حينما تطلى النوافذ بالسواد، كما يحدث في الحروب، فلا تزدهر إلا الأعشاب الطفيلية والأشواك.
 خلاصة القول: لا يوجد سبيل آخر لاستعادة كرامة الجامعة وهيبتها ومثلها العليا إلا بتضامن إيجابي وفعال بين أساتذة الجامعة وطلابها الذين يشكلون معا ذات الجامعة وهويتها وقوتها للدفاع عن كينونتها وحمايتها من التعدي والانتهاك. فهل نحن عند مستوى التحدي والمسؤولية للنهوض بهذه المهمة الوطنية والأخلاقية؟! فالوقت يمر ومن غير الجائز إضاعته، فما لم تنجزه اليوم يستحيل إنجازه غدا.

إقرأ أيضاً