مشايخ مارب يصطفون ضد ثقافة الثأر - محمد الصالحي
حملة التوعية الإعلامية التي تقوم بها جمعية المستقبل للتنمية والسلم الاجتماعي وشركاؤها، وجدت صدى وترحيبا واسع بين أوساط أبناء مأرب، لأن الجميع أحس أنها تلامس هما مشتركا؛ فالكل يريد أن يتعلم ابنه أو أخوه، والكل يبحث عن الأمن المفقود، والتنمية تنتظر أجيالا متعلمة تستطيع الرقي بمجتمعاتها والنهوض بها في جميع نواحي الحياة.
ومن خلال هذه المادة الحوارية التي أجريناها مع عدد من مشايخ مأرب وعلمائها حاولنا الوقوف على آرائهم الشخصية المتعلقة بالحملة.
> الشيخ سلطان بن علي العرادة، احد مشائخ عبيدة، قال إن جمعية المستقبل للتنمية والسلم الاجتماعي في مهمة إنشائية تضع الجميع أمام موروث يزيده الجهل تعقيداً.
وأضاف أن "اليمن بشكل عام يعاني من النزاعات التي أدت مركزية الدولة لتحويلها إلى مسألة تراكمية وقد نتج عنها تراكم الجهل في مناطقنا والتي ما زالت تجر أذيالها علينا".
ووصف المرحلة الانتقالية في فترة التسعينيات بأنها من المراحل السيئة في تاريخ اليمن، وقد ألقت بظلالها السيئة على كل شيء، وهدمت في القيم والأخلاق ما لم يُهدم خلال قرون، خصوصاً بعد انتشار المكايدات السياسية بين الأحزاب التي اتبعت السياسة الماكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة) وابتعدت عن الغايات السامية حيث أن الإنسان غاية التنمية.
وأكد العرادة أن "ظاهرة التقطع والاختطاف محرمة في عرف كل القبائل، وقد ألصقت تلك التهمة بمناطقنا"، مشيراً إلى أن الثأر تفاقم مع مجيء المراحل السيئة في تاريخ اليمن. وأضاف: "لا أعتقد أن حل مشكلة معينة في مكان معين بإمكانه تجاوز المشاكل، والأمل الوحيد هو في اتباع وسائل تنمية الإنسان بكل ما تعنيه التنمية. فالإنسان هو وسيلة الاستبدال، ومن المهم التركيز عل توعيته وتعليمه والتحاقه بالمعاهد المتخصصة.
العرادة، الذي كان يتنهد بين الفينة والأخرى، ويتحدث عن الثارات، أشار إلى أن للسلطة دورا مهما، لكنه ضعيف مع الأسف، وينبغي "إذا كانت السلطة فاسدة إلا ننتظر صلاحها، بل لا بد من الضغط عليها بالوسائل المشروعة، لكن السلطة لها أجندة أخرى؛ فمن خرب قربوه، ومن تقطع أعطوه وظيفة وذلك يزيد المشكل تعقيداً".
وتابع بقوله: "المكايدات السياسية أوصلت الناس إلى مرحلة لا أخلاقية وجعلت الشباب عرضة لسوء الأخلاق مع أن الأحزاب في العالم تعمل على تنمية الإنسان ويجب علينا أن نعتز بثقافتنا ونعتمد عليها ونستفيد منها مع ضرورة نبذ العادات السيئة".
واختتم حديثه بالإشارة إلى انه "يجب ألا نستسلم لواقعنا السيئ ولا بد أن نكافح، فمسؤولية أجيالنا أمانة في أعناقنا والتوعية الإعلامية مهمة لتجاوز ذلك الواقع". مشيراً إلى أن مأرب تعيش بين ظلم السلطة وجهل الأبناء، وهناك من يصور مأرب على أنها محافظة إرهابية متوحشة، "لكننا نقول للجميع: لا إرهاب في مأرب ولا تنمية".
> الشيخ أبو الحسن السليماني مدير مركز دار الحديث بمأرب قال إن الحكومة هي المعنية بمحاربة الثأر، وأنها قوية وليست ضعيفة وإنما تضعف نفسها وتغيب. متسائلاً في الوقت ذاته: أين هي من مشاكل الناس؟ لماذا تتركهم يأكل بعضهم بعضاً؟ لماذا يغيّبون أنفسهم وهم قادرون؟ هل لها أن تتواجد وتبرز وجودها؟ لماذا إذا اختطف بريطاني أو فرنسي، أي أجنبي، يعيدونه بالترغيب أو بترهيب؟
وأضاف: "هناك مليارات تنفق في لا شيء لماذا لا توفر لمحاربة مثل هذه الظواهر؟". مشيراً إلى أن أبناء مأرب مستعدون للانضباط لكن الدولة فوتت الفرصة، مشيراً إلى أن القضية التوعوية مؤثرة وستكون لها ثمرتها.
وتابع الشيخ أبو الحسن أن قضايا التهجير في العرف القبلي لا يكون لها قوة إلا بمقومات احترام المواثيق، وما نراه اليوم أن "صاحب الوجه يغيبـ" والأمر بحاجة إلى توعية كبيرة وإيمانيات كبيرة يرافقه شعور أننا على سفينة واحدة وأي خرق فيها سيضرنا جميعاً.
وثمن السليماني جهود جمعية المستقبل ونظرها في مواطن الضعف في المجتمع والحرص على علاجها في ظل المتاحات لا في ظل الطموحات، حيث أن الأحكام مقيدة بالاستطاعة والمتاح له دور في سرعة الخطى أو تقصيرها، ومن واصل السير وصل ولن تموت أمة بها رجال لا يستسلمون للواقع المر ويحاولون الخروج بها من أزمتها.
وأشار إلى أن إصلاح المجتمع ليس مقتصراً على العلماء، فكلاً يسهم في تخصصه ويخدم أمته في ثغره واعتبر أي عمل يتسم بالطابع الحزبي يحجم نفسه ولا بد أن يتخطى هذا العمل جانب الولاءات.
> الشيخ محمد قاسم بحيبح (مراد): رأيي حول نشاط جمعية المستقبل للتنمية والسلم في مأرب، اطلعت على أخبار نشاط جمعية المستقبل للتنمية والسلم في مارب، حول تبني حملة لمكافحة الثأر، وخصوصا بين الطلبة، لما له من تأثير سيئ تجسد في تعثر عملية التنمية والتعليم في مأرب. وإننا إذ نؤيد ونبارك هذا العمل المبارك ونعلن تطوعنا للمساعدة في هذه الخطوة الطيبة أنه لا يخفى على الجميع أن محافظة مأرب قد حرمت كثير من التنمية والتعليم بسبب الثارات القبلية وقد اكتوينا جميعا بتلك الثارات، أقترح أن يهجر طلاب المدارس والجامعات في كل مراحله في المحافظة وفي كل المحافظات. وأدعو مشائخ وعقال ووجهاء المحافظة إلى وضع قاعدة يوقع عليها الجميع تهجر الطلبة. وفي نفس الوقت أدعو الطلبة وأهاليهم إلى تجنيب أولادهم وعدم إدخالهم في الصراعات القبلية وتفريغهم لطلب العلم.
> الشيخ علوي الباشا بن زبع (الجدعان) الأمين العام لتحالف قبائل مأرب الجوف، نائب رئيس المنظمة اليمنية للتنمية والسلم الاجتماعي:
الثأر من أسوأ العادات المنتشرة في المجتمع القبلي وهو من أشد الأخطار على السكينة العامة والسلم العام في المناطق الريفية وحتى عواصم المدن.
يقف الثأر البغيض شبحا مفزعا في وجوه الطلبة في محافظة مأرب والتي حُرم المئات من أبنائها من مواصلة تعليمهم في المرحلة الثانوية والجامعية خاصة وأغلب قرى المحافظة لا تتوفر فيها أكثر من فرصة التعليم الابتدائي، بعدها يضطر الطالب لقطع دراسته خوفا من الانتقال إلى المراكز والمدن ليواصل تعليمه، لما يمكن أن يمثله هذا الانتقال من خطر يهدد حياته بين ساعة وأخرى فيذهب ضحية أعمال وجرائم لا ناقة له فيها ولا جمل، ولذلك فهو يفضل أن يلجأ إلى حمل السلاح والبحث عن الزواج في وقت مبكر ليعوض بهذا عن شعوره بالضيق حينما يتوقف عن الدراسة في مقتبل العمر ولذلك تجد أن نسبة الزواج المبكر بين الطلاب من 16 إلى 18 سنة نسبة كبيرة جدا في مأرب قياسا بالمحافظات الأخرى بما يعنيه ذلك من الأعباء العائلية والإنجاب في مراحل عمرية وظروف مادية ومعيشية لا تتناسب إطلاقا مع نتائج هكذا توجه.
إن إطلاق الإخوة في جمعية المستقبل للتنمية والسلم بمأرب فكرة تدشين حملة واسعة لتأمين الطلاب عمل عظيم في حد ذاته في إطار المشروع الذي كنا قد شرفنا باستهلال العمل فيه مع المعهد الديمقراطي الأمريكي ونحن في محافظات مأرب وشبوة والجوف تحت مسمى مشروع فض النزاعات مع الامتنان لصحيفة "النداء" وموقع "مأرب برس".
و تأمين الطلاب وإيجاد أجواء آمنة ومستقرة ليتمكنوا من خلالها من مواصلة تعليمهم يحتاج إلى جهدين متوازيين هما:
ا – جهد شعبي مدني: وهذا يتطلب ترسيخ عرف مقدس لتأمين الطلبة وتهجيرهم أو بمعنى أصح إعادة العمل بالعرف السابق المتمثل في تهجير المدن ودور العبادة والعلم وعدم المساس بمن يذهب إليها أو يعود منها.
وذلك من خلال التهجير كما أسلفت أو عقد أصلاح خاصة بالطلبة تسري في حق الطلاب طوال العام الدراسي ويتم تجديدها كل عام وهكذا.
ب– جهد رسمي آخر:
يقوم على منع الأسلحة في المدن ودور العلم على الجميع بدون تمييز وإجبار الناس على احترام النظام العام خاصة في المدارس والمعاهد والجامعات.
وهناك أمر آخر مهم قد لا ينتبه إليه البعض وهو أن الدولة أحيانا بتصرف مخالف للقانون تلجأ إلى اعتقال أبناء من يكونون قد ارتكبوا عملا أو أبناء المطلوبين أمنيا، فيكونوا بتصرفهم هذا متساوين تماما مع القبيلي الذي يقتل الطالب البريء في الذنب، ولذلك نجد أن أبناء بعض القبائل يتركون التعليم مبكرا خوفا من أن يكونوا عرضة للاعتقال في أي وقت بسبب أي حادثة من قبائلهم، فيما ليس لهم به دخل ولا ذنب، إضافة إلى ضرورة محاربة عادة ما يسمى بالرهائن المتوارثة من العهد الإمامي السابق وخاصة في أوساط الطلبة.
فكرة تأمين الطلاب عمل إنساني رائع تستحق شرفه جمعية المستقبل والمعهد الديمقراطي ومعهم صحيفة "النداء" وموقع "مأرب برس" وأسأل الله أن يكتب له النجاح فهو مشروع إنساني بكل ما تحمله الكلمة من معنى بغض النظر عن النتائج، فالقبائل وأجهزة الدولة هم من يمكنهم إنجاح هذا المشروع أو إفشاله ومسؤوليتهم الأخلاقية تجاه هذا العمل كبيرة ومقدسة وعليهم تقع المسؤولية التاريخية في استمرار ظاهرة إرهاب أبنائنا عن مواصلة تعليمهم وذلك حتى لا يهربوا إلى المستقبل المجهول خوفا من الانتقال إلى القبر أو السجن، فالأولى جريمة شعبية، والأخرى جريمة رسمية، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومن جانبنا نثمن هذه الفكرة ونتعهد ببذل كل الجهود لإنجاحها وترسيخها في المجتمع هنا إذا وفقنا بالتفاف قبلي حولها ودعم رسمي وأي جهد مهما كان بسيطا في خدمة هذا المشروع سيكون وساما على صدور أبناء المحافظة جميعا وهو واجب مقدس لأنه تحقيق لقاعدة شرعية حماية النفس التي حرم الله أن قتلها بدون حق أو أخذها بوزر أخرى.
كما أنه واجب وطني وأخلاقي تجاه حق أبنائنا في الحياة الكريمة التي لن تكون في ظل ترسيخ الجهل والعادات السيئة وإرهاب الموت.
***
"جمعية المستقبلـ" بمأرب تزور عددا من الجهات الرسمية والشعبية لتعريفهم بمبادرة تأمين الطلاب
علي الغليسي
قامت الهيئة الإدارية لجمعية المستقبل للتنمية والسلم الاجتماعي في محافظة مأرب خلال الايام الماضية بزيارة عدد من الجهات الرسمية والشعبية بغرض التعريف بمبادرة الجمعية، المتعلقة بتجريم المساس بالطلاب، وتهجير الحرم الجامعي، وطلب الدعم والمساندة والتأييد، حتى تصل المبادرة إلى هدفها المنشود، مع شرح المبادرة شرحا تفصيليا من قبل الشريف سالم بن سعود رئيس الجمعية. وخلال الزيارة التي رافقهم فيها فريق إدارة النزاعات بالمعهد الديمقراطي للشؤون الدولية، التقوا العميد محمد منصور الغدرا مدير أمن محافظة مأرب، ويحيى الزايدي رئيس لجنة التخطيط والمالية بالمجلس المحلي للمحافظة، والشيخ سلطان العرادة أحد أبرز مشائخ المحافظة، والشيخ أبو الحسن السليماني مدير دار الحديث، والشيخ سعيد عبد الرحمن سهيل مدير الدار الخيرية للعلوم الشرعية بمأرب.
هذا وقد عبر العميد محمد الغدرا عن ترحيبه بالمبادرات المتعلقة بالثأر وكل ما من شأنه الإسهام في حل تلك القضايا، شريطة أن تكون في الإطار الرسمي.
يحيى الزايدي رحب بالمبادرة وأبدى استعداده والسلطة المحلية بالمحافظة لدعم تلك المبادرة وتسهيل مهام القائمين عليها، مشددا على ضرورة العمل بروح الفريق الواحد من أجل تجاوز عقبة الثأر والعمل على استئصالها كونها ساهمت في تأخير المحافظة وحرمانها من التنمية.
من جهته قال الشيخ سلطان العرادة إن ما تقوم به الجمعية وشركاؤها مهمة إنسانية تضعهم أمام موروث يزيده الجهل تعقيدا. مشيرا إلى أن اليمن بشكل عام يعاني من النزاعات، لكن في مأرب جعل منها الجهل مشكلة تراكمية، الأمر الذي ينبغي العمل من أجل تجاوزه "ولا يجب الاستسلام للواقع السيئ، كون الأجيال أمانة في أعناقنا". وأبدى إستعداده لدعم المبادرة والتعاون مع فريق الجمعية لإنجاح أنشطتها.
أما الشيخ أبو الحسن السليماني فقال إن التوعية في ذلك المجال مؤثرة وستكون لها ثمرتها. وأكد أن الدولة معنية بمحاربة الثأر بالدرجة الأولى، متسائلا: "أين هي (الدولة) من مشاكل الناس؟!". واسترسل قائلا: "الدولة قوية، ليست ضعيفة، ولو أثبتت وجودها لأمن الناس"، مؤكدا أن أبناء مأرب مستعدون للانضباط، لكن الدولة فوتت الفرصة. وشكر للجمعية اهتمامها وحرصها على طرق قضية يعاني منها المجتمع. وقال: "أتشرف بأن أكون موضع ثقتكم والتعاون معكم على المشي خطوة للأمام لإصلاح المجتمع". وأبدى استعداده لصياغة خطاب ديني يسهم من خلال المسجد في دعم مبادرة الجمعية وتوعية الناس بأهميتها وحثهم على التجاوب معها.
***
ينتهك الحق في الحياة.. وينتهك حقوق الأحياء..
الثأر جان مستتر.. ضحاياه ظاهرون
* متى يأمن الطلاب في شبوة على حياتهم ومستقبلهم؟
* المرأة.. منتهكة حقوقها.. وأولها حقها في التعليم..
تقرير من: جمعية الإخاء للتنمية والسلم الأهلي بمحافظة شبوة..
الثأر شبح يمشي على رجلين، يعيش على الدماء، يكمن في النزاعات، تتعدد ضحاياه، تتلون...
في شبوة، أوجد له موطنا، يتجول بين أرجاء مملكته السوداء، المضاءة بدماء الأبرياء. لا أحد يجرؤ على الاقتراب منه؛ هدم لذات البشر، فرق جماعاتهم. عجز الجميع أمامه: أصحاب الحكمة، والشجاعة، والنخوة... عجزوا وهم يشاهدون خيرة رجالهم يسقطون صرعى، وأطفالهم ييتمون، ونساءهم ترمل، وأمهاتهم ثكالى...
بدلاً من مقاومته، والبحث عن علاج ناجع له، تخلوا عن دورهم، وارتدوا لأمته، وامتطوا صهوته، وساروا يطلبون ثأراً.
لا تتوقف ضحاياه عند حدود القتل، تتعداها، لتدمر الحياة بكل مقوماتها. فلا أمن ولا أمان ولا تعليم ولا صحة... الخ. يتوقف الزمن عند مفاهيم وقيم ترتبط بالدماء.
قال تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}. وإيمانا بدورها في المجتمع وإسهاماً منها في واجب الأمر بالمعروف والإصلاح بين الناس، فقد أعلنت جمعية الإخاء للتنمية والسلم الأهلي بمحافظة شبوة عن البدء في حملة توعية بمخاطر النزاعات على التعليم، باعتبار التعليم المفتاح السحري القادر على فك مغاليق الثأر التي توقف عندها الجميع حيارى تملكهم العجز واليأس.
إذ بات التعليم اليوم أكثر ضرراً بسبب شبح الثأر الذي جثم على صدر المحافظة منذ أكثر من عقد من الزمان، وتمكن من فرض نفسه حاكماً.
لا تقتصر أضرار الثأر والنزاعات على مرحلة معينة من التعليم، بل تمتد لتشمل مراحل التعليم المختلفة (الابتدائية،والثانوية، والجامعية).
ففي مناطق النزاع لا يستطيع الطلاب الذهاب إلى مقاعد الدرس. لا يقتصر الأمر عليهم، بل إن المدرسين كذلك يعجزون، لحماية أنفسهم من خطر يترصد بهم في رصاصة طائشة.
الأمر يختلف إذا كان الطلاب والمدرسون ينتمون لأطراف النزاع أو كليهما فإن دورهما يتطور لينتقل إلى مربع حمل السلاح والاستعداد للمواجهة.
هناك معلومات تؤكد وجود مدارس أغلقت أبوابها بسبب وقوعها بين منطقتي نزاع وأصبحت مهجورة، لم يعد يذهب إليها أحد خوفاً من الثأر الذي يتربص بالجميع في الطرقات وعند أبواب المدارس، كحال مدرستي "النقوبـ" و"الجهوة" بمديرية نصاب. الأمر الذي عكس نفسه على التنمية وأدى إلى تشييد أكثر من مدرسة في إطار مساحة لا تتجاوز كيلومترا مربعا، كحال قريتي "الجشم" و"الكريبية" في العاصمة عتق، والتي شيدت فيهما مدرستان بسبب نزاعات وثأر، الأمر الذي أدى إلى إغلاق مدرسة تقع بين القريتين.
كما أن هناك مدرسة تعرضت للتفجير بالديناميت بسبب النزاع على الأرض وهي مدرسة "سينتان" للتعليم الأساسي حيث بلغ عدد طلابها 276 طالبا، و150 طالبة. وهناك مدارس يتم عرقلة العمل فيها بسبب النزاع على الأرض كما حصل مع مدرسة "الجرشة" التي أوقفت عملية البناء بعد أن وضعت الأساسات.
كما أن طلاب مدرسة "الكوم الاسفلـ" بمديرية مرخة السفلى يدرس طلابها في عشش، بسبب نزاع بين الأهالي على موقع بناء المدرسة حيث يريد كل طرف أن تبنى المدرسة بالقرب منه.
أضرار النزاع تمتد أيضا للتعليم الثانوي. ونظراً لوجود الثانويات في مراكز المديريات فإنها تشكل عبئاً على المصابين بداء الثأر حيث لا يتمكنون من الذهاب إلى المراكز خوفاً من وقوعهم صيداً لمتربص يريد أن يأخذ بثأره.
معلومات مصدرها مكتب التربية والتعليم بالمحافظة تؤكد أن النزاعات والثارات تشكل كابوساً مزعجاً للعملية التعليمية بالمحافظة، حيث تعرقل كثيرا من الطلاب عن مواصلة تعليمهم، وتحدث انقطاعات للبعض أثناء العام الدراسي. كما أنها تحدث إرباكا لخطط المكتب وتفرض نفسها امرا واقعا. وذكرت تلك المعلومات انه في أغلب الأعوام وأثناء امتحانات المرحلتين الأساسية والثانوية يضطر مكتب التربية والتعليم بالمحافظة إلى نقل بعض المراكز الامتحانية من بعض المناطق بسبب تجدد النزاعات حرصاً منه على سلامة الأرواح وعدم عرقلة الامتحانات.
نقل المراكز الامتحانية بسبب معارك الثأر إلى مناطق أخرى، يتسبب في رفع حالة الاستعداد لدى أطراف النزاع، والذين يضطرون لتوفير حماية قبلية لأبنائهم حتى يتمكنوا من أداء الامتحان. مما يؤدي إلى زيادة أفراد القبائل المدججين بالسلاح بجانب المركز الامتحاني، الأمر الذي يخلق حالة من الرعب والخوف.
أبناء القبائل المتنازعة وهم في قاعة الامتحان يفقدون التركيز وينشغلون بإخوانهم الذين جاءوا لحمايتهم خوفاً عليهم.
ومن مآسي الثأر وقصصه الواقعية، يوم إعلان النتائج النهائية للطلاب عاد أحدهم وبيده شهادته فرحاً بنجاحه ملؤه السعادة، يسابق الزمن، يريد إدخال السرور إلى قلبيْ والديه. وبينما هو يركض يتأمل درجاته العالية تزين شهادته، سمع لعلعة الرصاص تملأ سماء قريته؛ لقد نشب نزاع بين أهله وآخرين. توقف، تأمل شهادته، ونظر بعين دامعة صوب منزله، سارع للاختباء خلف حجر كبيرة ظانا أنها ستنجيه. لمحه شخص يفيض نزاعاً وثاراً. باغته برصاصات غدر سكنت جسده الطاهر، ليفارق الحياة متمسكاً بشهادته ودرجاته العالية.
من القصص الواقعية الأخرى أن طلاب مدرسة الهجر بمديرية مرخة كانوا عرضة لخطر نزاع بين قبيلتين استخدمت فيه الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وذلك لوقوع المدرسة بين القبيلتين. وقد كان النزاع يشتد أواره اثناء فترة الدراسة، الأمر الذي جعل مدير المدرسة يوزع الطلاب والمدرسين على مجموعتين لتتجه كل مجموعة إلى طرف من المتنازعين يطالبونهم بوقف النزاع أثناء الدراسة. وقد استجابة القبيلتان للمناشدة.
أضرار النزاعات على التعليم طالت حتى التعليم الجامعي، فالمحافظة توجد بها كليتان تتبعان جامعة عدن: كلية التربية، وكلية النفط والمعادن. وهناك معلومات تؤكد أن بعض طلاب كلية النفط والمعادن ممن تعيش قبائلهم نزاعات مع قبائل أخرى لم يتمكنوا من إكمال دراستهم، وتوقفوا بسبب الثأر. كذلك حدث أثناء الامتحانات أن تم وضع طلاب من أصحاب النزاعات في غرفة خاصة لأداء امتحاناتهم تحت حراسات أمنية.
ومن قصص الثأر مع الأكاديميين أن أحد أعضاء هيئة التدريس بكلية النفط والمعادن لقي مصرعه بسبب النزاعات، وهو د. احمد بافياض.
وفي كلية التربية تتذكر العمادة وهيئة التدريس أن الدكتور صالح البدوي العميد السابق للكلية غادر أبوابها وغادر المحافظة إلى عدن، على خلفية نزاعات قبلية.
الطلاب القادمون من المديريات إلى العاصمة عتق حيث تقع الكليتان وبالذات من أولئك الذين لدى قبائلهم نزاعات تجد القلق مسيطرا عليهم والخوف يحفهم. فثقافة "الطارف غريم" تجعل الجميع عرضة للانتقام.
كثير من أبناء المحافظة يدرسون في كليات ومعاهد في المحافظات الأخرى. إلا أنهم يجدون الثأر يتنقل بين صفحات مراجعهم العلمية ويتوقعون بين لحظة وأخرى أن يتركوا محاضراتهم ويتجهون لحمل الأسلحة بدلاً من الأقلام، مضطرين لأمر فرضته الظروف القبلية والأعراف الفاسدة.
تعليم الفتاة في شبوة ما زال يسير ببطء. ففي أغلب مديريات ومناطق المحافظة نجد أن الصف السادس هو المسموح للفتاة بالوصول إليه. حتى المديريات والمناطق التي يسمح فيها للفتاة بالحصول على الثانوية العامة نجد التوقف عن التعليم بعد هذه المرحلة بات أمراً ضرورياً تفرضه عادات وتقاليد معينة وثقافة دينية، ما يؤكد ذلك التواجد الضئيل للفتاة الشبوانية في التعليم الجامعي والذي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
ذلك ليس بسبب النزاعات وإنما نتاج لثقافة سائدة تحتاج إلى نضال واسع من قبل المهتمين بتعليم الفتاة.
إزاء ما يتعرض له التعليم من مخاطر وأضرار ناجمة عن تفاقم حدة النزاعات فإننا في جمعية الإخاء للتنمية والسلم الأهلي بالمحافظة نجد أنفسنا ملزمين بواجب التوعية في هذا المجال. ونناشد كل الخيرين في المحافظة، مسؤولين ومشائخ وأعيان ووجهاء ومفكرين ومثقفين وساسة ورجال دين وكل من يعنيه أمر هذه المحافظة ومستقبل أجيالها، ضرورة تكاتف الجهود والعمل على وقف النزاعات والثأرات والتي لم نجْنِ منها إلا الخراب والدمار والخوف، وتعطيل عملية التنمية في شتى مجالات الحياة، إضافة إلى أخذها خيرة رجالنا وشبابنا.
إن مبادرتنا هذه، الرامية في بداياتها للتوعية، نعلق عليها آمالا عريضة بأنها ستنتقل بجهود الخيرين والمخلصين إلى مربع آخر أكثر أهمية، وهو "تهجير" التعليم، بحيث تصبح مؤسساته والطرق المؤدية إليها وكل المنتسبين إليها من طلاب ومدرسين وأساتذة مساحات بيضاء يمنع تنفيذ رغبات الانتقام فيها.
إننا في جمعية الإخاء للتنمية والسلم الأهلي نناشد عقول وضمائر أبناء المحافظة بمختلف انتماءاتهم السياسية والقبلية ومشاربهم الفكرية أن يوحدوا جهودهم ويشمروا عن سواعدهم لبناء محافظتهم. وذلك لن يتأتى إلا بالعلم والتعلم والذي يتطلب العمل لوقف النزاعات.
يكفينا ثأر! يكفينا نزاع! يكفينا شقاق! إن الدماء التي أريقت بسبب الثأر تكفي. وشبوة لم تعد تحتمل قطرة دم واحدة.
هذه دعوتنا في الجمعية انطلاقاً من الواجب الملقى على عواتقنا والشعور بالمسؤولية وانطلاقاً من قوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.
تتملكنا الثقة بتعاون الجميع لما فيه خير الأجيال ولضمان مستقبل مشرق لهم، ليحل القلم مكان البندقية، والكلمة بديلة للرصاصة، والتعاون محل النزاع.
***
بشراكة مع الNDI و"النداء" و"مأرب برس"
جمعية الإخاء للتنمية والسلم الأهلي في شبوة تعلن حملتها للتوعية بمخاطر النزاعات وأثرها على التعليم
- شبوة – شفيع العبد
أعلنت جمعية الإخاء للتنمية والسلم الأهلي بمحافظة شبوة مبادرتها الرامية إلى التوعية بمخاطر النزاعات وأثرها على التعليم بمختلف مراحله. وهي المبادرة التي سيتم تنفيذها خلال الأيام القادمة بالتعاون مع برنامج إدارة النزاعات بالمعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية (NDI) وصحيفة "النداء" وموقع "مأرب برس".
إلى ذلك التقت الهيئة الإدارية للجمعية بإدارة برنامج النزاعات في المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية ممثلا بمديرة البرنامج ندوى الدوسري، وعبد الحكيم العفيري مستشار البرامج بالمعهد، مطلع هذا الأسبوع، بمحمد علي الرويشان محافظ المحافظة، بحضور أعضاء الهيئة الإدارية للمجلس المحلي بالمحافظة. وتم خلال اللقاء التعريف بحملة التوعية التي تتبناها الجمعية وشركاؤها، والأهداف المرجوة منها. وقد وعد المحافظ بتذليل الصعاب أمام الجمعية وتسهيل مهمتها، لما من شأنه الحد من النزاعات. وفي ختام اللقاء أعلن المحافظ رغبته في الحصول على عضوية الجمعية.
كما قام أعضاء الهيئة الإدارية للجمعية يرافقهم فريق برنامج إدارة النزاعات بزيارة إلى كليتي النفط والمعادن والتربية بالمحافظة والتقوا بعميدي الكليتين، د. خالد مجور، ود. ناصر العيشي. وتم خلال الزيارة شرح تفصيلي عن مبادرة الجمعية كما تم الاستماع لما يعانيه الطلاب والأساتذة وهيئتا التدريس من صعوبات جراء انتشار ظاهرة الثأر وما يرافقها من نزاعات. وقد عبر عميدا الكليتين عن ارتياحهما للزيارة، مشيدين بمشروع التوعية بمخاطر النزاعات على التعليم الذي أعلنته الجمعية وستشرع في تنفيذه في الأيام القادمة، مبديين استعدادهما للتعاون مع الجمعية لما فيه خدمة للمحافظة وأبنائها.
وذكر احمد حسين طلان الحارثي رئيس الجمعية، لـ"النداء"، أن الزيارات هدفت إلى التعريف بمشروع التوعية بمخاطر النزاعات على التعليم الذي ستنفذه الجمعية خلال الأيام القادمة بالتعاون مع الشركاء في الndi وصحيفة "النداء" وموقع "مأرب برس". كما أنها تعبر عن الرغبة الحقيقية والصادقة في تعاون كل الجهات مع المشروع وفي مقدمتها السلطة المحلية وكليتا النفط والمعادن والتربية، وحرصاً من الجمعية على إشراك كل الجهات ذات العلاقة بالتعليم في حملة التوعية لضمان نجاحها وتحقيق أهدافها.
وأضاف: "النزاعات والثار ولدت معاناة مشتركة في الهم والخسائر بين أبناء المحافظة بمختلف ميولهم وتوجهاتهم. وقد لمسنا المصداقية في التعاون مع المشروع من قبل قيادة المحافظة وعميدي الكليتين".
وحول سبب اختيار الجمعية للتوعية بمخاطر النزاع على التعليم في الوقت الذي لا تتوقف أضرار النزاع وتداعياته على التعليم فقط بل تشمل كافة مناحي الحياة، قال: "لم يكن اختيارنا (هذا) يعني أن المخاطر تقتصر على هذا المجال الحيوي، فالثأر يأكل الأخضر واليابس، ولكن لما للتعليم من أهمية في حياة الفرد والمجتمع فقد وقع اختيارنا عليه، لأن نجاح التوعية سيترك أثرا طيبا على الواقع وسيؤدي لتخفيف النزاعات".
وعبر عن ثقته في جني ثمار التوعية، وأن "المشروع الذي يهدف في مراحله الأولى للتوعية سيحقق نتائج مرجوة تتمثل في تهجير التعليم وهذا لن يتأتى إلا بتضافر جهود كل الخيرين في المحافظة من مشائخ ووجهاء وأعيان ومثقفين وأصحاب الفكر والرأي وغيرهم".
ولم ينس في ختام تصريحه أن يوجه نصيحته لأبناء المحافظة قائلا: "يكفينا تناحر وتقاتل وتوريث الأمية والجهل لأولادنا فلذات أكبادنا التي تمشي على الأرض. المرحلة تتطلب نبذ الثأرات والخلافات، والعمل من أجل المستقبل المنشود، خير لنا أن نورث لأبنائنا علما ينتفعون به من أن نورث لهم ثأرا ونزاعا يجعلهم يعيشون في جهل يخافون من الغد الذي يخبئ لهم بين ساعاته لحظة غادرة تودي بحياتهم".
تجدر الإشارة إلى أن حملة التوعية بمخاطر النزاع على التعليم تنفذها جمعية الإخاء للتنمية والسلم الأهلي بمحافظة شبوة بالتنسيق والتعاون مع برنامج إدارة النزاعات في المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية وصحيفة "النداء" وموقع "مأرب برس" الالكتروني وجمعيتي المستقبل والسلام في محافظتي مأرب والجوف.
مشايخ مارب يصطفون ضد ثقافة الثأر
2008-04-17