صنعاء 19C امطار خفيفة

حين يتحوّل الضحية إلى جلاد.. وطنٌ يصفّق لجلّاده!

في بلدان أخرى، حين يجوع الناس، ينظرون نحو من نهبهم.

أما نحن، فننظر نحو من فضح الناهب... ونرميه بالحجارة.

لم يعد الفساد وحده هو الكارثة.

 
المصيبة الأكبر أن المواطن، الغارق حتى رقبته في العوز والخذلان، صار يتقمّص دور الشرطي لحماية جلّاده، ويمارس هواية التخوين ضد كل من يحاول إيقاظه من سبات الوهم.
في بلدٍ لا ماء فيه ولا كهرباء، حيث الطابور أطول من الحلم، والسلة الغذائية أعزّ من الكرامة، صار النزيه متّهمًا، والفاسد "رمز دولة"، و"وجهًا وطنيًا".
المأساة ليست في أن هناك فاسدين...
المأساة في أن هناك من يموت قهرًا ثم يكتب منشورًا يدافع عنهم!
أنا لا أتحدث من فندق خمس نجوم، ولا من جناح دبلوماسي، بل من نفس الخراب، من ذات العتمة، من بيت إيجار لم يعد فيه حتى الأمل.
لكني -على عكس كثيرين- اخترت ألا أكون بوقًا لصاحب النفوذ، ولا شاهد زور في جنازة الوطن.
كل وثيقة فساد أنشرها، تُقابَل بشتائم من جائع...
كأنني أنا من خفّض راتبه، أو أنا من سرق الغاز، أو قبض ثمن الحرب والسلام معًا.
التخوين صار أسهل من التفكير.
المواطن الفقير اختار أن يعيش في إنكار، لأنه لا يملك رفاهية مواجهة الحقيقة… فالأمل -حتى لو كان كذبة- أسهل من الوقوف عاريًا أمام واقع ينهشه الجميع.
تسأله: من أوصلك إلى هذا الحال؟
يرد عليك: "أنت! لأنك فضحتهم!".
كأن السكوت عن السارق جزء من المقاومة، وكأن الوعي خيانة، والمطالبة بالعدل "أجندة خارجية".
أي عبث هذا؟
نحن شعب يعشق الرموز أكثر من الحقيقة، ويهاب الصوت العالي حتى لو كان من أجله.
نؤمن بالمظلومية ولا نثور عليها، نلعن الفساد في مجالسنا، ثم ننتخب رموزه في الصناديق.
التاريخ سيسجل أن الفساد في هذا البلد لم ينتصر لأنه أقوى، بل لأنه استطاع أن يجعل ضحاياه يدافعون عنه... بإخلاص، وبفقر، وبلا أمل.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً