"جليلة" هي الرواية الثانية للراوية أناستاسيا الغشم. تقع الرواية في 409 صفحات من القطع المتوسط، صادرة عن الأهلية للنشر والتوزيع في الأردن.
الرواية نص سردي إبداعي مدهش، تمزج بين أدب الطفل والرواية التاريخية، ويأخذ الحوار المساحة الأوسع في السرد.
تدمج الرواية بين الماضي والحاضر، وإن كان الماضي الصليحي هو الأساس، لكن سيرة وحياة الأسرة في جبلة وما حولها وصولًا إلى تعز، تُسرد من البداية حتى النهاية سيرة جليلة الصورة الأخرى للسيدة أروى الصليحية، تركز الساردة على الصورة الشعبية في عصر السيدة.
يُحدد المكان بدقة: جبلة عاصمة الدولة الصليحية ومقر الأسرة، وجبل التعكر جنوب جبلة الذي يحيط بها كحارس لها. أما الزمان، فهو يوم مولد جليلة في يوم الأربعاء الرابع من ربيع الآخر، بعد 14 عامًا من تولي السيدة أروى السلطة إثر وفاة زوجها الملك المكرم أحمد بن علي الصليحي.
الرواية الغرائبية المدهشة تسرد سيرة البنت النابهة جليلة وأسرتها الكبيرة المتفرعة، لتشمل جبلة وجبل التعكر، وصولًا إلى تعز، مع ذكر محدود لصنعاء والهند حيث هاجر الإسماعيليون بعد انهيار دولتهم.
المدهش حقًا هو مقدرة الراوية على تتبع سيرة أسرة عبدالرحمن، بدءًا من جده القاضي علي عبدالهادي محمد وأولاده وأحفاده، رغم كثرتهم، ووصف حياتهم وعلاقاتهم ببعضهم وبالآخرين، مما ينم عن موهبة وقدرة وذكاء غير عادي.
إنها تدوين لتاريخ السيدة أروى وأسرتها الصليحية، ولجليلة وجدها عبدالرحمن وأسرتهما، وهي أسرة معرفة فقهية وثقافية وحضارية في العهد الصليحي المشهود له بالتفتح والتسامح، والسماحه بنشر المذاهب والثقافات المتنوعة دون تعصب أو تحجر.
تتتبع الراوية العادات والتقاليد والمأكولات وأساليب التربية ومعارف عصر الراوية، وألعاب الأطفال، مع إبراز الاهتمام باللغة العربية التي اهتمت بها جليلة، والتي كانت تدرسها عمتها "تباهر" حفيدة عبدالرحمن، أبي العائلة.
وكانت تدرس في دار علم السيدة الثقافة الدينية، وهي حاضرة في الرواية، والاستدلال بالآيات القرآنية في السياقات المختلفة جاء موفقًا إلى حد كبير. اللغة رفيعة، مع استثناءات قليلة في استخدام بعض الألفاظ غير الدقيقة (مثل التعبير عن "فتح الباب" بـ"شق الباب"). هناك أخطاء مطبعية كثيرة، لكن لغة الراوية المتمكنة الموهوبة سليمة ومستقيمة، والصورة البلاغية والشعرية، وإن كانت محدودة، إلا أنها موظفة بمهارة وذكاء.
في سيرة الملكة، يبرز موقفها المحوري في التعليم، إذ تختلف مع أخيها وقائد جيشها سليمان بن عامر، الذي يصر على الفتوحات وبناء القوة، بينما يكون موقفها حاسمًا في التوسع في بناء المدارس ودور العلم والتسامح المذهبي.
الساردة مقدرتها فائقة على رسم حياة أسرتها الكبيرة جدًا وأنسابها وعلاقاتها، واستحضار أروى وقضايا عصرها، وإن كانت محدودة. كما تُسلط الضوء على قضايا زواج الصغيرات، التي تشكل إحدى سمات عصرنا، والاهتمام بتعليم المرأة.
الرواية تسرد سيرة طفولة جليلة وزميلاتها وزملائها، وحبها للتعلم وإقبالها عليه، ورفضها الزواج المبكر ورفضها زواج الصغيرات، مما يجعل الملكة تعجب بها، تهدي الساردة غصن وردة من حديقتهم. جليلة صديقة للزهور والقمر، تتحادث معهم، وتحب أسرتها وأصدقاءها.
تتضمن الرواية رؤيتين مناميتين:
1. منام الملكة ورؤيتها سقوط الدار على أمها واحتضانها لأمها وحوارها مع أخيها وقائد جيشها، وفيه توجيهات تعبر عن رؤية الملكة لوظيفة الدولة في تلك المرحلة.
2. حلم جليلة بأبيها.
كما تصف المدينة جبلة بمناخها المعتدل وغزارة أمطارها، والأودية المختبئة في جبالها، ومحاصيلها الزراعية على مدار العام. تعبر الراوية كثيرًا عن البيئة الجبلية والإنسان الجبلي، ويكون لدار العز (دار الملكة) النصيب الأوفى من السرد، بينما يحظى دار صالح (أبيها) وسوق الأقمشة بمكانة بارزة.
الزراعة مهنة والدها تحتل حيزًا كبيرًا من السرد، وكذلك قصة زواج الملكة من الأمير سبأ الصليحي ورسائل والي مصر لإقناعها بالزواج من الأمير سبأ.
تسرد الراوية تفاصيل بيئتها وعصرها في المنطقة.
ما يدهش في السرد الروائي هو الاحتفاء بالحوار، والمقدرة على التعاطي مع عشرات الأسماء والتحكم في مصائرهم، ورسم سيرهم، وإبراز علاقاتهم ببعضهم وبالآخرين وبكل ما حولهم.