صنعاء 19C امطار خفيفة

الإعلام الجديد: نهاية الجمهور وظهور الذات الجماعية

عندما أطلق الفيلسوف الكندي "مارشال ماكلوهان" ستينيات القرن الماضي مقولته الشهيرة (الوسيلة هي الرسالة)، أثارت جدلاً واسعاً وعارضها البعض بحجة أن ليس لأي أداة صنعها الإنسان أن تحدد رسالته ومفاهيمه.. والآن مع شيوع الانترنت ووسائط التواصل الاجتماعي عادت الى الأذهان مقولة "ماكلوهان" لتتلاءم ليس فقط مع دلالتها الاصطلاحية وإنما أيضاً الحرفية..!!

 
 أصبحت وسائط التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والواتس ومنصبة X واليوتيوب والمحتوى الرقمي إجمالاً، بحد ذاتها، رسالة أفراد المجتمع للتعبير عن تطلعاتهم وما يمر بهم من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية.. وبقدر ما كانت هذه التحولات نتاجاً طبيعياً للتغيرات المتسارعة في عالم الاتصالات وتقنية المعلومات .. فإنها كذلك جاءت متناسبة مع التحولات الديمقراطية في العالم، لتسهم بدورها في تعزيز النهج التشاركي لأفراد المجتمع في صنع القرار والضغط على الأداة الحاكمة لتحقيق مطالب معينة أو إيصال صوتهم إلى صانعي القرار في تلك الأنظمة على أقل تقدير.
 
الملمح الأبرز في الإعلام الرقمي: التفاعلية والتبادلية بما تضفيه من سمات ديمقراطية خلاّقة، فلم يعد الجمهور مستقبلاً جامداً للرسالة الإعلامية كما في الوسائل التقليدية، بل له حق التفاعل وإبداء الرأي والتعليق في ما ينشر ويبث، في حركة تبادلية بين المرسل والمستقبل، يصبح معها المستقبل مرسلاً للمعلومة، عوضاً عن دوره السلبي كمتلقٍ لها، وهو أمر له دلالته ومتغيراته الحاسمة، خاصة في ظل حاكميات احتكرت وسائل الإعلام، وحولت الجمهور لمجرد وعاء لاستقبال مضامينها الاتصالية.
 
التفاعلية التبادلية أنتجت أيضاً (نهاية الجمهور) وظهور (الذات الجماعية) كثمرة مباشرة للمشاركة الاجتماعية للمعرفة والمعلومات، وسهولة الوصول إليها دونما عائق أو حد، ما يجعل المعرفة والسلطة الاستبدادية على خط التماس والصراع.. إذ من غير المعقول لمجتمع كهذا القبول بسلطة فوقية تحتكر المعرفة ووسائطها لتتخذها أداة للضبط الاجتماعي، دونما احترام لإنسانيتهم وحريتهم في التفكير المبدع الخلاًّق.
 
مع ذلك، فالوسيلة مهما بلغ تأثيرها لا تصنع ديمقراطية، ولا تسقط أنظمة فاسدة مستبدة.. الناس فقط يفعلون ذلك.. والإعلام لا يصنع الحرية والكرامة، إنما الروح الإنسانية هي من يتولد عنها تلك القيم .. غير أن الإعلام له توفير المعرفة للناس، وعليها تتحدد قيمهم ومفاهيمهم وأفكارهم ورؤاهم التي تضعهم على بداية الطريق الصحيح نحو المستقبل.. وهذا ما يفسر السعي المحموم والإعتباطي للأنظمة الاستبدادية، للحد من استخدامات وسائط التواصل الاجتماعي وتأثيراتها.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً