صنعاء 19C امطار خفيفة

الوحدة اليمنية: بين عظمة المنجز وتحديات البقاء

في الذكرى الخامسة والثلاثين لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990، يقف اليمن عند مفترق طرق، حيث لا تزال الوحدة تواجه تحديات جسيمة، وتحاك ضدها المؤامرات الداخلية والخارجية، التي باتت تهدد كيان الدولة برمته، وتضع مستقبلها أمام احتمالات التمزق والتشرذم.

 
لقد جاءت الوحدة اليمنية كمشروع وطني جامع، التف حوله أبناء اليمن في شطريه شمالًا وجنوبًا، واتفقت عليه مختلف القوى السياسية والاجتماعية آنذاك. لكن تحل ذكراها اليوم، ولم يعد ذلك الإنجاز محل إجماع كما كان عليه قبل تحقيق الوحدة وأثناء التوقيع عليها، بل تحول إلى قضية خلافية تتجاذبها الآراء والانقسامات. فبينما هناك من يحتفل بهذه الذكرى ويرى فيها محطة وإنجازًا لا يمكن التفريط فيه، بل من الواجب التمسك به وإصلاح ما اعتراه من تشوهات واختلالات، يرى آخرون أنها فقدت رمزيتها وهدفها الأساسي في تحقيق العدالة والرخاء الاجتماعي والمعيشي والشراكة بين أبناء اليمن الواحد، حتى وصل الخلاف إلى داخل أوساط الحكومة الشرعية ذاتها بشأن ما إذا كان يوم ذكرى الوحدة يستحق أن يكون عطلة رسمية.
 
ومع استمرار هذه الصراعات والانقسامات السياسية والجهوية، فإن الحاجة تغدو ملحّة وضرورية للحفاظ على هذا المنجز الوطني الكبير، الذي شكّل لحظة فارقة في تاريخ اليمن الحديث، ونقطة تحول كبيرة في مسار التطور والتقدم. وإذا قدّر الله أن حدث الانفصال، فسوف تتفكك الدولة، ولن يفضي ذلك إلا إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار لعقود قادمة.
 
لا يختلف اثنان في أن المسار الوحدوي قد اعتراه الكثير من الاختلالات منذ لحظاته الأولى، ولعل أبرز تلك المعضلات كانت أحداث صيف عام 1994، عندما تحوّل الخلاف السياسي إلى اقتتال بين الشريكين في الوحدة، وأعقب ذلك ممارسات غير مسؤولة من قبل الطرف المنتصر، شملت الإقصاء والتهميش والاستحواذ على الثروات في المحافظات الجنوبية. وتسارعت الأحداث وتعقّد المشهد أكثر فأكثر. لقد أضعفت تلك الأحداث أركان الوحدة، وقوّضت فرص ترسيخ الوحدة الفتية، التي كانت تحتاج إلى الرعاية والعدل والثقة لتعزيزها، لا تقويضها.
 
للأسف الشديد، فإن بعض القوى حاليًا استخدمت الوحدة كشعار للمزايدة السياسية، فيما اتخذت أطراف أخرى من الدعوة للانفصال وسيلة لتحقيق مكاسب آنية وشخصية، مدعومة من جهات خارجية لا ترغب برؤية يمن موحد وقوي.
 
تقف الوحدة الوطنية على حافة مصير مجهول، في ظل قيادات سياسية فاسدة ونخب مهترئة، تضع مصلحتها الذاتية فوق مصلحة البلاد، ولا تكترث لعواقب الانقسام والنزاعات المناطقية والمذهبية التي تنذر بمستقبل قاتم.
 
تبقى الوحدة اليمنية، رغم كل التحديات التي تواجهها ودعوات الانفصال التي تهدد بقاءها، أعظم إنجاز وطني تحقق في تاريخ اليمن الحديث، ولا يزال بالإمكان تدارك الأمر والحفاظ عليها وإصلاح ما تم إفساده، إذا توفرت لدى الأطراف المعنية الإرادة الصادقة، والتوقف أولًا عن الصراع، وتغليب المصلحة العليا للبلاد على المصالح الضيقة، والانطلاق نحو نقاشات وحوارات جادة وحقيقية وصادقة، بما فيها مشروع الوحدة، وإعادة الروح لهذا المشروع الوطني العظيم، وتفويت الفرصة أمام المتربصين الذين يريدون العبث بمستقبل اليمن واليمنيين.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً