صنعاء 19C امطار خفيفة

مذكرات القاضي عبدالرحمن الإرياني الجزء الرابع

مذكرات القاضي عبدالرحمن الإرياني الجزء الرابع

كان الانتظار طويلًا، والإصدار مهم. الجزآن الثالث والرابع مهمان وأكثر أهمية؛ لأنهما يعبران عن التاريخ المعاصر، وعن الحالة التي وصلنا إليها. فالحالة القائمة اليوم لم تهبط من السماء، ولم تنفجر فجأةً من أعماق الأرض.

 
سردية مذكرات القاضي عبدالرحمن الإرياني توثِّق بدقة وموضوعية ونزاهة لما جرى منذ الخامس من نوفمبر 1967 وحتى اليوم. يقينًا، كل المذكرات توثيق للحركة الوطنية من النصف الأول من القرن الماضي، ولكن فترة حكم القاضي واستقلال الجنوب 1967 وتغوُّل النفوذ السعودي وهزيمة الأمة العربية في 67، هي التربة الخصبة لكل ما شهدته الأمة العربية وتعيشه اليمن المفكَّك والمغلوب على أمره.
 
تتناول المذكرات الفترة من 1972 إلى الفترة 1975، أي ما بعد الاستقالة النهائية بعام، وقيام حركة الثالث عشر من يونيو 1974، وهو الفصل السابع الذي يسميه القاضي "ما بعد الاستقالة". وهناك الفصل الثامن (رسائل مختارة) وهو مخصص للرسائل المتبادلة بين القاضي عبدالرحمن الإرياني وعدد من الشخصيات السياسية للفترة التالية (لفترة المذكرات)، وهي رسائل صلتها وثيقة بالمذكرات وبالوضع الذي وصلنا إليه. يتكون الجزء الرابع من 822 صفحة قطع متوسط. ط/مكتبة خالد بن الوليد، ويشتمل على ثمانية فصول و30 ملحقًا.
 
يتناول الفصل الأول: اتفاق القاهرة وردود الفعل واجتماع الضباط لتغيير النظام وموقف النازحين الجنوبيين وعرض الاتفاق على مجلس الشورى ومباحثات طرابلس وبيانها وردود الفعل واستقالة العيني. أما الفصل الثاني فيتناول التوتر الداخلي وموقف الشيخ الأحمر وتأسيس الاتحاد اليمني والتوتر الجنوبي وتحرك الإخوان ضد الوحدة وتحرك السعودية ضد الوحدة واغتيال محمد علي عثمان.  
 
ويكرس الفصل الثالث للاستقالة وهو في سوريا، والخلاف مع المشايخ والرد على دعاة الحرب، وصولًا إلى وصول الوفد والالتزام بالإصلاح والعودة. أما الفصل الرابع فعن التقارب مع الجنوب وتنصُّل المشايخ من قرارات الإصلاح وعقده حل مجلس الشورى وزيارة سالمين والقلق السعودي.
 
ويتناول الفصل الخامس رفض العيني تشكيل الوزارة وتقديم الشباب مقترحات إصلاحية واعتكاف رئيس الوزراء والشورى ولقاء مع الملك فيصل والحديث مع فهد وسلطان عبدالعزيز وعقد مؤتمر القمة في لاهور وحكومة حسن مكي وعناوين أخرى. أما الفصل السادس فيتحدث فيه عن الاستقالة، وأما الفصل السابع (ما بعد الاستقالة) فيتضمن رسائل متبادلة ولقاءات ومشاورات، والفصل الثامن رسائل مختارة، ثم الملاحق.
الكتاب سجل عظيم وسفر خالد، توثيق ورصد وتنبؤ دقيق وموضوعي، صادق وأمين. قام القاضي العلامة والمناضل في قلب الحركة الوطنية، وفي حركة الأحرار، قام بما لم تقم به دولته بعد الخامس من نوفمبر 67، ولم تقم به الحكومات المتعاقبة في الثورة اليمنية.
 
هناك جهود مشكورة في التوثيق للمستشرق البريطاني سارجنت والأستاذ الجليل عبدالله محيرز والأستاذ الفاضل القاضي علي أحمد أبو الرجال والأستاذ يحيى العرشي، وما قام به علي محمد عبده وعلي ناصر محمد وجزيلان وراشد محمد ثابت ومحمد سعيد عبدالله وحسين المسوري وبركات والمقدمي ومحمد الإرياني، من تسجيل أدوارهم. كما قام مركز الدراسات والبحوث اليمني بالتوثيق للثورة اليمنية منذ 48 وحتى ما بعد فك الحصار عن صنعاء 1968. وهناك مذكرات: علي محمد هاشم وفتحي الأسودي، وعبدالغني مطهر والأسودي والرعدي وسنان والأحمر وعلي صلاح والضباط السبتمبريين والأستاذ باسندوة والأستاذ النعمان والشعبي والأستاذ أحمد جابر عفيف.
 
الجزء الرابع يوثق بدقة لطبيعة الصراع اليمني اليمني، واليمني السعودي الذي تفجر منذ الخامس من نوفمبر 1967 واستقلال الجنوب 67 وحرب 1972 واتفاقية وبيان طرابلس، وهو ما يكرس له علي ناصر محمد حيزًا كبيرًا من مذكراته "ذاكرة وطن". بعد الخامس من نوفمبر واستقلال الجنوب وكسر حصار صنعاء، تجسد الصراع من حول الوحدة وطبيعتها وأسلوب تحقيقها.
ففي الشمال (الج.ع.ي) لم يكن المشايخ وكبار الضباط والإسلام السياسي مع الاعتراف بدولة الاستقلال، مدعومين من السعودية. قُتل مشايخ خولان في بيحان عام 72.
 
وعقب الحرب التي هُزمت فيها قوات الشمال وخسر الشمال مدينة قعطبة، وقع الجنوب والشمال اتفاقية القاهرة عن الجنوب علي ناصر محمد رئيس وزراء الجنوب، ومحسن العيني رئيس وزراء الشمال.
جُنَّ جنون المشايخ وكبار الضباط والسعودية، وانفتحت أبواب الصراع بين الشمال والجنوب وداخل كل شطر. المشايخ وكبار الضباط والقوى التقليدية مع  استمرار الحرب ضد الجنوب بدعم سعودي لضرب الثورتين سبتمبر وأكتوبر ومنع قيام الوحدة.
أما في الجنوب فقد تبنى الجناح المتطرف نهج الكفاح المسلح لإسقاط النظام الرجعي في الشمال وفرض الوحدة بالقوة، وجسدت المواجهات في المناطق الوسطى هذا التوجه. كان الصراع بين النظامين يستبطن وينطوي على صراع داخل كل شطر؛ فكبار المشايخ والضباط يريدون المجيء بالفريق العمري واستمرار الحرب والارتزاق منها. أما في الجنوب فإن صراع اليمين واليسار، واليسار الحقيقي واليسار الانتهازي، وحتى شعارات وحدة فصائل اليسار، وظِّفت لصالح نهج الحرب.
 
"ذاكرة وطن" وبالأخص "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" و"عدن والوحدة" لعلي ناصر، ومذكرات جار الله عمر مهمة في سياق قراءة الجزء الرابع المنوه به.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً