في ضوء ما تم طرحه بالأمس حول القهوة اليمنية، من الضروري أن نُعيد تسليط الضوء على أهمية امتلاكنا قهوة يمنية خالصة، تُحضّر وتُسوّق وفقًا لمواصفات عالمية، وتُقدَّم للعالم بهويتنا واسـمنا. القهوة اليمنية ليست فقط محصولًا زراعيًا، بل هي إرث ثقافي وإنساني، ويجب أن نعمل جاهدين على إعادتها إلى مكانتها الطبيعية ضمن نخبة أنواع القهوة العالمية.
يجب أن تصبح القهوة اليمنية في مصاف المشروبات العالمية المعروفة، مثل الإسبريسو، والأمريكانو، والماكياتو، ولكن دون أن نفقد الطابع الأصيل الذي يُميز قهوتنا بطعمها الفريد وجودتها العالية. فالتفرّد الذي تمتاز به القهوة اليمنية ليس ناتجًا عن الإضافات أو النكهات والبهارات، بل ينبع من أصالتها، وطرق زراعتها التقليدية، وتاريخ إنتاجها وإعدادها العريق الذي يمنحها مذاقًا متميزًا ومختلفًا.
ولا يمكن الحديث عن القهوة اليمنية دون التطرق إلى "قهوة الموكا" المعروفة عالميًا، والتي ارتبط اسمها بميناء "المخا" اليمني منذ القرن السادس عشر. هذه القهوة، التي يُظنّ خطأً أنها مجرد مزيج من الشوكولاتة والحليب، هي في الحقيقة عبارة قهوة خالصة من البن اليمني الذي صدّرته اليمن إلى العالم منذ مئات السنين، عبر ميناء المخا. ومن هنا تبرز أهمية تصحيح المفاهيم الشائعة، وإعادة الاعتراف بهذا التاريخ الغني الذي يحمله البن اليمني، قبل أن يتدخل الصنّاع الأوروبيون، ويضيفوا إليه الحليب والشوكولاتة.
تتحمّل الدولة اليمنية مسؤولية مخاطبة كبريات شركات إنتاج القهوة والصنّاع العالميين، لتصحيح هذا الخلط، وتسويق القهوة اليمنية كمنتج أصيل يحمل بصمة حضارية، ويستحق أن يُعرَف باسم "القهوة اليمنية". كما ينبغي العمل على توحيد طريقة إعداد هذا المنتج ليتعرّف عليه العالم، مع مراعاة التنوع المحلي في طرق التحضير، دون المساس بالهوية الأصلية للقهوة اليمنية.
ومن هذا المنطلق، فإن إعادة إحياء صناعة قهوة الموكا، وتطويرها محليًا لتكون متوافقة مع المعايير الدولية في الزراعة، والمعالجة، والتعبئة، والترويج، يمثل خطوة استراتيجية بالغة الأهمية. علينا أن نبتعد عن الإضافات الثقيلة كالسكر، أو الملح، أو البهارات التي قد تطمس النكهة الأصلية، وأن نركز على إبراز الطعم الحقيقي الذي يجعل من القهوة اليمنية تجربة مختلفة.
إن تحويل "القهوة اليمنية" إلى علامة تجارية معترف بها عالميًا يُمكن أن يسهم في دعم الاقتصاد الوطني، ورفع مكانة اليمن في السوق الدولية، ليس فقط كمصدر للبن، بل كصاحب علامة تجارية ذات قيمة مضافة ثقافية واقتصادية. فالقهوة اليمنية ليست مجرد مشروب، بل تمثل تراثًا وهوية حضارية راسخة، ورسالة من بلد يُعد من أقدم المواطن التي عرفت زراعة القهوة، وأتقنت تصديرها للعالم.