أعتقد جازمًا أن ما يحدث في زمننا هذا، شيء لم يسبق له مثيل في تاريخ اليمن الحديث المتعلق بالوظائف العامة وكبار الموظفين، ومدى التزام الجميع بالأنظمة والقوانين وأسس تقاضي أو استحقاق الراتب أو المعاش. فالثابت أن لدى اليمن واليمنيين هذه الأيام، وتحديدًا منذ 2015، عشرات، بل مئات، وربما ألوف الموظفين العموميين (مدنيين وعسكريين)، يتقاضى سعداء الحظ منهم فقط مرتباتهم من المال العام حتى وهم يعيشون خارج اليمن.. تصل إليهم مرتباتهم وهم في أماكن غربتهم دون أن يداوموا أو يفعلوا ما يستحقون عليه تقاضي المرتب. موظفون عموميون بدرجات وظيفية مختلفة من المستويات العليا (رئيس وزراء ونائب رئيس وزراء ووزير ونائب وزير وعضو مجلس نواب وعضو مجلس شورى ووكيل وزارة وحتى مدير عام أو مدير إدارة، بعضهم سابق، وآخرون يشغلون الوظيفة والدرجة)، يتقاضون مرتبات ومكافآت وإعانات ونثريات... إلخ، يعيشون متنقلين من مدينة إلى أخرى في بلاد الله، مستمتعين لسنوات بمسمياتهم الوظيفية وجوازات سفرهم الدبلوماسية أو الخاصة أو جوازات المهمة، ولا يشعرون بالخجل وهم يفعلون ذلك. يعيشون حياتهم الطبيعية في دول الاغتراب أو المنفى الاختياري، وهم يعلمون أن الألوف من الموظفين المشردين معهم في الخارج، الذين تقطعت بهم السبل، وباتوا محرومين من مرتبات "الشرعية" أو العالقين في الداخل، وبالكاد يحصلون على بعض أو أنصاف مرتباتهم، وهم مجبرون على الدوام وقضاء ساعات من أيامهم في مكاتبهم أو أماكن عملهم!
إنه حقًا وضع مؤلم، يثير الحيرة والتعجب، ويجعلنا نتساءل: متى يا رب العباد تعود حياة اليمن والموظفين اليمنيين إلى طبيعتها؟