صنعاء 19C امطار خفيفة

يوميات البحث عن الحرية.. عن أي ثورة نتحدث؟! (3 - 3)

في صحيفة "النداء" بتاريخ 27/2/2025، رد صديقي العزيز الأستاذ حسن الدولة، على مقالي الأسبوعي "يوميات البحث عن الحرية: عن أي ثورة نتحدث (2)"، المنشور في صحيفة "صوت الشورى"، بتاريخ 25/2/2025، وتعقيبًا على ما كتب أقول:

 
لم أظن مطلقًا أنك ضد نقد ثورة 11 فبراير، أو أنك ضد النقد عمومًا، لأني أثق بسعة أفقك وقوة إيمانك بأهمية النقد في بناء الأفراد والجماعات والمؤسسات، ولعل هذا ظن بني على عجَل.
نحن على اتفاق تام بأهمية النقد في الارتقاء بأي ثورة وأهدافها وبدوره في عملية الارتقاء والنمو مدى الحياة!
في اليوميات السابقة نَفيت أن يكون ما وقع في 11 فبراير 2011 ثورة مكتملة الأركان كما هو حال ثورة 26 سبتمبر 1962، بل إنها كذلك لم تكتمل أركانها لأسباب عديدة ليس هذا مكان سردها.
جوهر ما هدفت إليه في موضوعي هو أن الثورة كيان قابل للنمو والنقد باستمرار وإلا فسنكون من صناع الأصنام وعبدتها وما أكثرهم!
جاء في سياق ردكم أو قراءتكم: "إنني حرصت على التفريق بين الثورة كحدث كان سيحدث تغييرًا هائلًا في اليمن اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا لولا أنه تم القضاء على هذا الحلم الذي لم يتحقق من خلال ثورتين مضادتين: الأولى قام بها حزب التجمع اليمني للإصلاح، وبدعم من المشايخ ومن الجنرال علي محسن الأحمر ومعهم قطر، والثانية بقيادة رأس النظام السابق وحلفائه وأبرزهم حركة أنصار الله (الحوثيين)، وبالتالي لا يجوز أن نحاكم ثورة شعبية أو بالأصح انتفاضة شعبية سلمية بآلات الثورتين المضادتين المشار إليهما" انتهى الاقتباس.
وسأركز الرد محاولًا عدم التشعب في مسائل أخرى، وبكل محبة وتقدير أقول:
هذا المقتبس من مقالكم ينطوي على تناقض واضح يمكن تناوله باقتضاب في الأسطر التالية:
الثورة عزيزي الكريم ليست مجرد حدث أو واقعة تاريخية تسجل بمجرد نزول فلان أو علاَّن أو حتى كل الشعب إلى الساحات للمطالبة برحيل رأس النظام أو كامل جسده، ولكنها أهداف وبرنامج عمل لتحقيق هذه الأهداف على أرض الواقع وخطوات ملموسة في طريق تحقيقها.
ما حدث من خلال قراءة الأحداث اللاحقة لما تسمى المبادرة الخليجية هو إطلاق شعارات في الهواء والنزول إلى الساحات للاعتصام أو بالأصح النوم العميق والتغافل عن كل فعل حقيقي، والاكتفاء بالمهرجانات والاختلافات التي بلغت حد الصراع بين الأطراف التي حولت ساحة الثورة إلى سوق مليء بالمتناقضات، والندوات التي كنا نحسبها جزءًا من إعداد لتحرك جاد نحو تنفيذ برنامج عمل ثوري يبدل نظام الفساد بنظام يجتث كل أسبابه، وإذا بالأحداث تتسارع لتستغل رداءة الأحول في تبييض صفحة النظام الذي زعم الخارجون عليه أنهم ثوار لتثبت الأيام أنهم لم يكونوا سوى جزء منه.
وها هما الطرفان يتاجرون بقضايا الشعب في الداخل والخارج، والفرق بين التجار والثوار كالفرق بين السماء والأرض!
طالب الكثير من الشرفاء والأحرار الحقيقيين بضرورة إنقاذ اليمن من هذا الشتات والتمزق الذي عكسته حالة الساحات التي تحولت أجزاء كبيرة منها إلى أشبه بعيادات للأمراض النفسية والعقلية، لا لمعالجتهم وشفائهم، وإنما لتعميق جراحهم، وتمكين الفاسدين من تحويل الوطن اليمني إلى فريسة تتناهشها الوحوش والكلاب الضالة، ومنهم من كانوا شركاء بارزين في مسيرة الفساد المظفرة المستمرة منذ عقود وماتزال!
مجرد مطالبة النظام بالرحيل أيًا كان حجم المطالبين لا يعني أن هناك ثورة تحققت على أرض الواقع لمجرد المطالبة بالرحيل كما أسلفنا، لأن الثورة قولٌ وفعل يؤدي بالضرورة إلى إجبار النظام على تحقيق ما عزم عليه الثوار إن كان ثمة ثوار حقيقيون يمتلكون رؤية واضحة وشجاعة نادرة وإرادة قادرة على تحقيق الأهداف!
اليمنيون بالتأكيد لا يفتقرون إلى مقومات صنع ثورة ناجزة مؤكدة ترسي مبدأ التسليم بالديمقراطية الحقيقية والتداول السلمي للسلطة بناءً على انتخابات حرة ونزيهة، ولكنهم حتى اللحظة لم يتمكنوا مع الأسف الشديد من لم شتاتهم وجمع عناصر الحكمة المعروفة عنهم ونبذ عادة القات التي يبدو أنها تلعب دورًا محوريًا في تعطيل طاقات الشباب والشابات وكل القوى الفاعلة في هذا الشعب الأبي!
رأس الحكمة المنشودة يكمن في الوعي بقدرات الشعب الذاتية على التمييز بين العدو من الصديق بعيدًا عن ثقافة الكراهية التي تتلاعب بالعقول سواء باسم الأيديولوجيات الدينية أو أي أيديلوجية عصابية، لسنا بحاجة إلى خلق العداوات التي تعيق البناء، ولا إلى الارتماء في أحضان من يرتدون ثوب الصداقة وهم ألد الأعداء!
في العلاقات بين الدول هناك معيار بسيط وواضح للتفريق بين العدو والصديق، وهو التأكد من مدى الحرص على المصالح المشتركة المشروعة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للأطراف الحريصة على حسن العلاقة، وبالنتيجة لا يمكن لمن يحتل أجزاء واسعة من الأرض اليمنية أن يكون صديقًا وأن ننتظر منه دعمًا صادقًا وأن يتبنى مبادرة لإنجاح الثورة أو دعم الشرعية.
الشرعية في أي بلد يصنعها الشعب، ولا يمكن لأي نظام ملكي أو سلاطيني أو أميري أن يدعم إنجاح ثورة وجمهورية ووحدة بلد يحتل أكثر من نصف أراضيه!
العلاقات السليمة القائمة على المصالح المشترك بين الجيران يمكنها من خلال إثبات حسن النوايا أن تجعل الجميع يدرك أن قوة أي طرف قوة ومنعة للطرف الآخر، وهذا ما يؤدي إلى تعميق أواصر الجوار، وليس ببعيد إلى الدفع نحو تحقيق الوحدة الصادقة الواعية بالمصالح والمخاطر المحيطة بالجميع!
ليس من مستحيل
الجدارُ يخاطبُنا كل يوم
يبكي أسانا
يتوجع مما نعانِي
ويأمرنا بالفرح!

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً