القعطبي عدني قح، ويعجبه يتفشخر بلبس الكوفية الزنجباري مع تشكيل مثلث يجعله يصوب مقدمتها للأمام كأنها منصة لإطلاق صواريخ كروز! ليش كل دي الفشخرة؟ قال له بن غودل، تبان كدا وكأنك بابا الفاتيكان! أنا معجب بدي الكوافي بس ما ألبسهاش.. وهي أنواع مثلها مثل باقي التراثيات القديمة زي طرابيش الزبود حق تهامة ومعاوز السعيدوني وسائر أنواع الجنابي التي يتمنطق بها اليمنيون، ويبدأ سعر الواحدة من 10 آلاف ريال إلى ما يزيد على 10 ملايين ريال، ويمكن كمان أكثر بكثير.
عندنا في عدن أذكر أن صناعة كوافي مشابهة تتم في البيوت بأيدي ربات البيوت، وبعد إنتاجها تعرض للبيع في الدكاكين بأشكال وألوان.. وأنا صغير وأهبل في عمر 5 سنين التقطوا لي صورة وأنا لابس من ديك الكوافي، ويدي مرفوعة بتحية السلام، في هبالة عظيمة كما عيال زمان، ويا ريتنا احتفظت بالصورة لأوريكم شماتي، لكنها فقدت.. المهم كبرنا وعرفنا أن الكوافي الزنجباري/ العماني أنواع ودرجات وأثمان.. مش زي اللي كن ربات بيوت عدن يخيطوها، والأم لو شافت ابنها يدخل صبعه السبابة في نخرته وينخششها تقول له: عيب، أيش تخيط كرافي؟!

لما سافرنا في وفد إلى سلطنة عمان مع وزيرنا جار الله عمر، أنا وعتيق سكاريب وآخرون، نزلونا موزعين في فلل ضيافة مستقلة الواحدة عن الأخرى، والمكان فسيح للغاية، ومن لحظة دخول المرسيدس بنا من البوابة المحيطة بمدينة فلل الضيافة لغاية وصولنا لفيللا السكن، مرت بنا نحو 4 أو5 دقائق على بال ما نوصل.. شوفوا الأفكار العمانية كيف تخطط للتمدد العمراني الأفقي الفسيح بسبب مساحاتها الشاسعة، وللأمانة حظيت عمان بحكم 50 سنة من قابوس أعقل وأنضج وأعلم وأثقف حكام العرب، جرب كل أبتهم.. المهم ما نخرجش عن الموضوع.. عتيق كان بطرفه 5 آلاف دولار من أصحابه زكنوا عليه يشتري لهم بها كوافي زنجباري، وطلب اصطحابي معه لسوق مسقط العريق البعيد عن مساكن ضيافتنا، بس بجنب كل فيللا مرسيدس استاند باي تحت تصرفنا، وطلعنا.. كان السواق يدردش معنا، وقال له عتيق بوجهتنا وسببها، فحذرنا من أنه هناك كوافي صناعية مقلدة بنفس الشكل، ولا تختلف، وعلينا الحذر.. وانطلقت بنا المرسيدس، يا جماعة بصراحة النعمة حاجة تانية، ووصلنا وسط سوق مسقط.. في كوافي تقليد مكبوسة صناعيًا ورخيصة، أما المشغولة يدويًا فسعرها لا هناك لا هناك.. وأنا قطعت صلتي بالكوافي من بعد ما تصورت بها وأنا صغير وأهبل! رحت دكان مجاور لشراء بخور العود الأصلي وبعض العطور قارورتها بشكل جنبية عمانية على سبيل الهدايا، أما عتيق فقد اشترى كوافي عشر أصلي واثنتين نقلي.. ورجعنا سالمين لفلل الضيافة.
دايمًا كنت أتساءل على هذا الاسم: زنجبار أو زنزيبار.. وللعلم كانت لعمان شبه إمبراطورية امتدت على طول شرق إفريقيا ومدينة أو جزيرة زنجبار شاهدة بوجود نسل عماني وحضرمي وعربي عام هناك.. والسلطان الفضلي حقنا أعجبته زنجبار فأخذ الاسم وأطلقه على عاصمة سلطنته!
واختلف الناس في نطق الاسم: هناك من يقول زنجبار، ومن يقول زنزبار عشان الأفارقة ما يحبوش كلمة زنجي!
بالمناسبة، كان لنا سفير في عمان منتصف التسعينيات، من أبخل وأخس وأجبن وأبلد وأسفل من عرفته الدبلوماسية اليمنية.. ولم أحفظ اسمه البغيض، لكن الأستاذ البردوني واجهه أمامنا وقال له: عيب عليك يا رجال أيش من سفير أنت ولا لك ولا عليك ولا تعرف واجب الضيافات.. الجماعة العمانيين أقاموا لوزيرنا ووفده سبع ضيافات، أنت نفسك دعيت إليها كلها لأنك تمثل اليمن.. وبالمقابل كان واجب عليك ولو على الأقل تقيم باسم اليمن، وعلى شرف الوزير، ولو ضيافة واحدة، أقول لك إني سأبلغ وزير الخارجية بموقفك المخزي هذا أخزيتنا أخزاك الله! كلنا سمعنا الكلام، وكلنا هزينا رؤوسنا وتنحنحنا معًا داخل باص طيران رحلة الرجوع.. ونسيت اسم أبوه ذاك السفير اللي ما يعرفش أصول الضيافة، والمؤسف أنه جنوبي من حضرموت!
في رحلة العودة كان سكاريب يقلب الكوافي الزنجباري بيده بحنان، وينظر إلي ثم يقول كأنه يحدث نفسه: إن شاء الله ما يكونوش غشونا.