في الوقت الذي كانت قيادة السلطة المحلية تمتدح "إنجازاتها" في محاربة الفساد وتطوير الخدمات التي لا وجود لها، كان مدير جهاز الأمن السياسي عبدالواحد سرحان، صباح أمس، يتوعد العشرات من ذوي ضحايا الجهاز بالاعتقال، أمام بوابة ديوان المحافظة.
قدم العشرات من أهالي قرية المطالي في عزلة الأقروض بمديرية المسراخ، إلى مدينة تعز، للاحتجاج على ما وصفوها بأعمال تعذيب وانتقام من أهالي القرية، طالت نحو 60 مواطنًا تعرضوا لتعذيب داخل زنازين الأمن السياسي، وتسببت بوفاة معلم في ظروف غامضة، بعد أشهر من اعتقاله داخل مبنى الجهاز "سيئ الصيت".

عشية أمس الأول الأحد، تلقى هاني محمد ناجي عقلان، اتصالًا هاتفيًا أبلغه بوفاة والده داخل الحجز، وطلب منه الحضور إلى مبنى الأمن السياسي لاستلام جثته، بعد 6 أشهر من اعتقاله إثر حملة أمنية استهدفت 60 مواطنًا من أهالي القرية.
وفاة معلم التربية الإسلامية في مدرسة الفلاح الحكومية، في دهاليز سجن الأمن السياسي، كشفت عن أطول عملية أمنية وأوسع اعتقالات شهدتها محافظة تعز على خلفية انفجار عبوة لاصقة استهدفت سيارة مسؤول عسكري (مدير شعبة الاستخبارات العسكرية العميد عبده البحيري)، والتي حدثت في مطلع يونيو من العام الماضي. إذ تحولت التحقيقات إلى ما يشبه أعمال تنكيل بالمواطنين، ولم تتوقف حملات الاعتقالات خلال الأشهر الماضية، وامتدت إلى ساعات متأخرة من الليل، روعت كثيرًا من الأسر، وخلفت ذعرًا بين أهالي القرية.

عذبوني وصعقوني بالكهرباء وقالوا لي في النهاية أنت بريء
رشدي، نجل المعلم المتوفى محمد ناجي عقلان، كان أول المعتقلين على ذمة انفجار عبوة لاصقة بسيارة المسؤول العسكري.
"أتى عساكر إلى مكان عملي فوق خلاطة الصبة، واقتادوني إلى السجن، ولم أعلم عن أسباب اعتقالي حتى يوم إطلاق سراحي بعد تعذيب وحشي".
استمر اعتقال رشدي 20 يومًا، في سجن الأمن السياسي: "تعرضت لضرب مبرح، واستخدم السجانون صاعقًا كهربائيًا، وضعوه في أجزاء حساسة من جسمي، لإرغامي على تقديم معلومات عن أهالي القرية".
ويضيف رشدي في حديثه لـ"النداء": لم يوجهوا لي أي سؤال مرتبط بحادثة العبوة اللاصقة التي استهدفت سيارة "البحيري"، واستمروا في تعذيبي حتى تدهورت حالتي الصحية، وقالوا لي حينها أنت بريء ما عليك أي شيء".
عند مغادرة رشدي سجن الأمن السياسي، كان والده تم اعتقاله أيضًا من سوق القرية، بينما كان عائدًا إلى البيت.

في مكتب اللجنة الحكومية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، تجمع أمس ضحايا قرية المطالي وذوو المعتقلين، وذلك لتقديم بلاغات تفيد بما تعرضوا له وذووهم.. حضرت أيضًا نحو 10 نساء من أقارب معتقلين، بعضهم مازالوا داخل السجن، ولم يُسمح بزيارتهم منذ اعتقالهم.
يقول مصدر حقوقي لـ"النداء" إن أهالي القرية قدموا معلومات مهمة للجهات الأمنية، أسهمت في كشف خلية مكونة من 3 أفراد، استقدمت عبوة لاصقة من مناطق سيطرة الحوثيين، وفجرتها في سيارة المسؤول العسكري.

ويضيف المصدر: تمت إحالة ملف الحادثة إلى النيابة، لكن ذلك لم يوقف أعمال الاعتقالات خلال الأشهر الثمانية الماضية، والتي طالت أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل بما حدث.
فدية مالية
آسيا عبده محمد (55 عامًا)، زوجة المعلم المتوفى داخل سجن الأمن السياسي، طالبت عبر "النداء" بفتح تحقيق في ظروف اعتقال زوجها وأسباب وفاته.
"قبل أيام تلقينا اتصالًا من عساكر في الأمن السياسي، طلبوا منا مصاريف لزوجي المعتقل.. طلبوا منا فلوسًا بالعملة السعودية، وبعد أن أرسلنا لهم بالفلوس، 200 ريال سعودي، اتصلوا أمس، وقالوا لنا: (تعالوا شلوا جثته)".
وتضيف: كان زوجي حريصًا على وضع راتبه عندي في البيت نهاية كل شهر، لكن منذ اعتقاله لم نعرف مصير رواتبه، وهل كان يخرج لاستلامها أو "يشلوها منه".

ذوو الضحايا وأسرة المعلم المتوفى وعديد من المواطنين الذين تم اعتقالهم وأفرج عنهم بعد أشهر من اعتقالهم، أكدوا دفع مبالغ كبيرة لإطلاق بعض المعتقلين، وآخرون دفعوا مصاريف للسجناء يتم تحويلها إلى عساكر الأمن السياسي، بلغت مئات الآلاف، ووصل البعض إلى دفع نحو مليون ريال كفدية لإطلاق قريبه.. ومازال نحو 40 هاتفًا محمولًا يرفض جهاز الأمن السياسي إعادتها للمفرج عنهم من أهالي القرية.