"وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى"
نودع اليوم طودًا ثقيلًا وشامخًا من جهابذة القانون ورجاله الثقات. إنه الأستاذ والشيخ والمحامي القدير مهدي مرشد تارة. وبالنسبة لي: فإنني أودع وأبكي أخًا عزيزًا وغاليًا وصديقًا من النادر أن تجود الدنيا بمثله.
رحم الله تلك الملامح الطيبة وذلك النشاط والألق الإنساني المتحرر من الأحقاد والضغائن وباليات الزمن.
عاش مهدي مرشد تارة بين الناس بعفة ونزاهة، وتعامل مع ألوان الحياة كلها دون أن يتماهى ويذوب في قوالبها.
فهو على المستوى العائلي شيخ أبًا وجدًا، لكنه ظل مهدي المحب والمنصف للرعية وللناس، الذي يدفع الجور ويواجه الظلم والاعتساف.
ولد في الريف (بني الضبيبي)، وأكمل نشأته في مدينة صنعاء طوال السبعينيات. وكان متميزًا في علاقاته، ومجتهدًا يكد ويثابر من أجل التعلم ولوازم الحياة كما يفعل أبناء البسطاء.
أكمل الثانوية والتحق بكلية الشريعة والقانون مطلع الثمانينيات، وحاز الليسانس في القانون.
كان يدرس ويعمل موظفًا في مؤسسة تجارية.
عمل مديرًا عامًا للغرفة التجارية والصناعية بصنعاء، وبعد سنوات من الجهد التطبيقي في إطار القضاء، صار المستشار القانوني الأول للغرفة التجارية، حيث عاصر حسين الوتاري وعبدالوهاب سنان أبو لحوم وغيرهما من جيل التأسيس.
تدرج في سلك المحاماة، وقال لي إنه عمل في بداية مشواره في مؤسسة المحامي المرموق المرحوم عبدالعزيز السماوي، وقريبًا من المحامي أحمد الوادعي، حتى حاز تصاريح مزاولة مهنة المحاماة عن جدارة واستحقاق ليستقل بمكتبه الخاص.
كان مكتبه متاحًا للناس جميعًا: المشارعين والمحتكمين وطالبي الاستشارة والإنصاف والقادمين من عموم نواحي ريمة إلى صنعاء يطلبون خدمة.
وإذ كان يجلس على سجاجيد صوف المعز المجدول الناشفة كالشوك، كان مجلسه يفيض لطفًا ورقةً: حيث الأدب والشعر والتاريخ والفلسفة وطرائف العرب.
عندما دخلت صنعاء مطلع العام 2000 كانت نصيحة والدي أن أقصد مهدي تارة، وأن أتردد على مجلسه باستمرار. وعندما التقيته شجعني إزاء أمور كثيرة، وقال لي: هذه الغرفة لك وهذا المفتاح.
لم يكن مهدي مرشد تارة مغرورًا، ولم تغيره المسؤوليات وتلك المكانة المرموقة التي حاز عليها بجدارة كمحامٍ رفيع ومستشار لعدد من البنوك والبيوت التجارية، بل كان صاحب واجب: يحضر كل المناسبات، ويقصد المشافي لزيارة المرضى وبسطاء الناس، وفي مقدمة المشيعين للجنائز.
لقد رأيته مرتين وهو يعتذر عن عدم قبول المرافعة في قضايا فيها ظلم. وكان يسدي النصح، وغالبًا ما كانت جهوده تثمر في إصلاح ذات البين.
رحم الله تلك الطلة الرائعة في كل المناسبات والمقائل، وذلك النشاط المتأجج مع طلوع الفجر.
رحم الله أخًا كبيرًا وصديقًا غاليًا وعزيزًا خالدًا في النفس والقلب والذاكرة.