صنعاء 19C امطار خفيفة

الأرض ليست ورقة في دفتر

ها هو الرجل الأبيض، ترامب، يحمل صولجانه الذهبي ويقف على تلة الخراب، معلنًا وصايته على ما تبقى من الأنقاض. كأن الأرض يتيمة، وكأنّها بحاجة إلى راعٍ يحلبها حتى الجفاف. يقول إنه سيعيد بناء ما دمّره، لكنه لا يذكر من الذي دمّر. يقول إنه سينقل الأجساد إلى أرض أخرى، لكنه لا يسأل الجثث إن كانت تودّ الرحيل.
 
الأرض ليست حجرًا ملقىً في فراغ، الأرض ذاكرة، وذاكرة الأرض لا تمحى بقرار ولا تُستبدل بجغرافيا أخرى. كل حفنة تراب في غزة تعرف أقدام من مشى عليها، كل رمل فيها خفيفٌ بثقل الدم. كيف تُعاد الأرض إلى من لم يكن منها؟ كيف تصبح غزة حقلَ تجارب لأباطرة الخرائط، وهم أنفسهم من حرقوا قمحها؟
 
هذا الطرح ليس جديدًا، إنه الوجه المستعار لنفس الخدعة القديمة: أن تُمحى الذاكرة، أن يُقتلع المكان من أهله، أن تُطوى صفحة وكأنّ شيئًا لم يكن. لكن الأرض ليست ورقة في دفتر موظف دولي، ولا غزة صندوق بريد على طاولة مفاوضات.
 
من لا يسمع أصوات البحر حين يمرّ بجانبه، لن يسمع صرخات الركام. ومن يظنّ أن التاريخ يُعاد كتابته كما تُعاد كتابة العقود التجارية، لم يفهم بعدُ أنّ الأرض تكتب نفسها بنفسها، حتى لو لم يقرأها أحد.
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً