صنعاء 19C امطار خفيفة

الشباب وقيادة العمل السياسي من أجل السلام في اليمن

2025-02-01

في البدء، لا مناص من التأكيد على أن قضية السلام ستظل هي القضية الأكثر إلحاحًا وأهمية من بين كل القضايا التي يمر بها اليمن، دولة وشعبًا، وأن العمل المستمر من أجل إيقاف الحرب والوصول إلى السلام، وبذل كل الجهود بمختلف أنواعها، الرامية إلى تحقيق هذا، لا ينبغي أن يتوقف؛ رغم كل الإحباطات والتحديات الراهنة التي قد لا تبشر بأية انفراجات كبيرة على المنظور القريب.

قد يختلف البعض في تفسيرهم للسلام، ويُشيرون إلى المطالب والحقوق التي تعطي لهذا السلام معنى وقيمة، ويتحدثون عن استغلال الحديث عن السلام من قِبَل قوى الحرب، وكيف تُهدر الفرص والإمكانيات، وكيف يُتكسّب باسم السلام. سيقولون كلامًا كثيرًا عن عدم جدوى الانخراط في النضال المدني من أجله، وغير ذلك من المواقف والقناعات التي لها -بالتأكيد- ما يبررها في ظل الأزمة اليمنية وسنوات الحرب. ومع ذلك، يعي الجميع في قرارة أنفسهم أن السلام يظل الخيار الأكثر عقلانية ومنطقية، والأجدر بأن يناضل الناس من أجله، وعلى رأس هؤلاء الشباب.

لا شك أن قوى السلام الحالية، من شخصيات ومنظمات ومبادرات، سواء داخل اليمن أو خارجه، قد واجهت، وماتزال، صعوبات في تحقيق تقدم ملموس لإقناع الأطراف المتصارعة للذهاب إلى تسوية سياسية مستدامة. كما أنها -وقد يكون هذا سببًا لما تقدم- أخفقت في تنظيم صفوفها، والتوافق على ثوابت وأسس جامعة لها، والتنسيق الكامل في جهودها. ومع هذا، فجهودها التي بُذلت لم تذهب هباءً؛ فكل فعلٍ -مهما كان صغيرًا- يسهمُ في خلق واقع جديد. وتراكم هذه الجهود على المدى البعيد لا بد أن يؤتي ثماره، كما هو الحال في كل الأزمات والحروب عبر التاريخ.

 

الشباب ليسوا في المقدمة

 

غير أن المراقبين لجهود السلام في اليمن يلاحظون أن معظم قيادات قوى السلام في اليمن، من شخصيات ومنظمات ومبادرات أهلية، بل حتى معظم الناشطين فيها، ينتمون إلى جيل أكبر سنًا، وأن الشباب مايزالون في الصفوف الثانوية، أو حتى الخلفية، لمثل هذه القوى.

هذا الوضع يعكس مشكلة كبيرة؛ إذ إن القيادات القديمة -رغم خبراتها وحضورها وصدق نواياها- غالبًا ما تنخرط في صراعات داخلية، وتتمترس في خندق المواقف السياسية أو الأيديولوجية التي تنتمي إليها، وعادة ما تتحول الاختلافات إلى خلافات وإقصاءات وتقوقعات، تتطور مع الوقت إلى عداءات شخصية.

هذه الصراعات والانقسامات لدى هذه القيادات لا تختلف كثيرًا في طبيعتها عن الصراعات التي تقودها الأطراف المؤمنة بالحرب والمستفيدة منها، والتي تسعى عادة إلى الاستحواذ على المشهد وإقصاء الآخرين. غير أنه من المحزن أنه إذا كان حجم المطامع والمصالح عند أطراف الحرب قد يبرر تشبثهم بهذه الصراعات، فمن الصعب تبرير الصراعات التي تنشب بين قيادات وأعضاء قوى السلام داخل اليمن وخارجه.

إن الشباب في اليمن يمثلون أكثر من 60% من سكانه؛ وهو ما يمنحهم قوة ديموغرافية تأثيرية كبيرة في كل المجالات الحياتية. ومع أن بعض الشباب انخرطوا في صفوف الصراع المباشر، إلا أن الغالبية بقيت بمعزل عن حالة الاستقطابات الحادة لهذا الطرف أو ذاك. هؤلاء الشباب يحملون مؤهلات وقدرات كبيرة، ولهم رؤى جديدة وطاقات متجددة، ولديهم -وهو الأهم- مصلحة حقيقية في بناء مستقبل سلمي يرِثونه ويحصدون فوائده. إنهم -على عكس أسلافهم- يمكن لنهجهم للسلام أن يمكنهم من تجاوز الصراعات التقليدية على السلطة، ويبعدهم عن الخصومات والضغائن القديمة؛ مما يبشر ببارقة أمل لعصر جديد من السلام المستدام والوحدة الوطنية، المرتكزة على المصالح المشتركة العادلة.

ومع ذلك، غالبًا ما لا تعطى للشباب المساحة الكافية لإدراجهم في مشاورات السلام الرسمية والحوارات السياسية. والأخطر هو غيابهم عن المشهد السياسي والحزبي والنقابي، وعن مصادر القرار المتعددة التي ماتزال في يد القيادات القديمة بمختلف مستوياتها، تلك التي تحت ضغط التحديات لم تعد قادرة على فعل الشيء الكثير؛ لكنها في الوقت نفسه لم تعطِ المجال للأجيال اللاحقة لمسك دفة القيادة بديلًا عنها أو استمرارًا لها.

 

إشكالية عزوف الشباب المؤهل عن العمل السياسي

 

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الشباب، بخاصة ذلك المتعلم والمكتسب للقدرات والمهارات، بحاجة إلى إذن أو انتظار من القيادات القديمة لفتح الأبواب لهم، للانخراط في العمل المدني والسياسي وقيادته؟ أم أن العائق يكمن في الشباب أنفسهم، الذين يفتقرون أحيانًا إلى القدرة على المبادرة أو الرغبة في إثبات الذات، وينتظرون أن يُقدم لهم ما يفترض أن يأخذوه بأنفسهم؟

لا شك أن هناك إشكاليات كثيرة تجعل وجودهم في طليعة العمل السياسي، ومن ثم الوطني، من أجل السلام وجودًا هامشيًا، وهي الإشكاليات التي لا بد أن يتم البحث -بشكل جاد- عن حلول لها، ومن هذه الإشكاليات:

1. ضعف الشعور بالانتماء للمشروع الوطني، والعزوف عن العمل السياسي المباشر. قد يكون هذا نتاجًا عن تراكم الإحباطات لديهم، بسبب فشل الجيل السياسي الراهن في تقديم نموذج ملهم يقتدى به للعمل السياسي، وفي خلق علاقة تمكينية إيجابية معهم تساهم في نقل الخبرات وإفساح المجال.

2. غياب التثقيف بالإرث النضالي للشعب اليمني، وضعف استحضار معنى التضحيات والقدوة القيادية؛ وهو ما ينعكس لدى معظم الشباب في الميل إلى الاتكال، وضعف روح المبادرة الشخصية، بسبب سيطرة ثقافة المنفعة الفردية المباشرة على معظم الشباب المؤهل، والتي لا تعطي العمل الطوعي الجمعي أية أولوية لديهم، بعكس الأجيال السابقة، التي ربما كانت أقل تأهيلًا؛ لكنها كانت أكثر مبادرة وتضحية.

إن غياب الشباب المؤهل، غير المنخرط في الصراع، عن الصفوف الأولى لمختلف القوى السياسية والأحزاب، وعن قيادة قوى السلام، من شخصيات ومنظمات ومبادرات، وبالتالي غيابهم عن الجهود الرسمية للسلام، يشكل خطرًا على مستقبل اليمن. هذا الغياب لا يقلل من فرص السلام فحسب، بل يترك فراغًا سياسيًا واضحًا ستعاني اليمن من تبعاته لعقود طويلة. وإنه لمن المخيف ألا يتصدر هذا الغياب وتبعاته الخطيرة أولوية التفكير الجاد والعمل السريع عند النخبة السياسية والحزبية والثقافية اليمنية، أو لدى القائمين على عمل المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية، أو المعنيين الإقليميين والدوليين بمستقبل اليمن بعد الصراع.

تمكين الشباب في اليمن من قيادة العمل السياسي الوطني، من أجل السلام، ليس مجرد هدف مهم؛ بل هو ضرورة حتمية لتحقيق تسوية سياسية مستدامة تفضي إلى السلام العادل والشامل، الذي ينشده اليمنيون كطوق نجاة لهم ولمستقبل وطنهم.

لهذا، فالشباب المتعلم والمؤهل مطالب اليوم بأن يبادر، وبسرعة، إلى الانخراط في العمل السياسي والمدني. كما أن الأحزاب والنقابات والمكونات السياسية المختلفة، وقوى ومبادرات السلام، مطالبة أيضًا بفتح أبوابها أمامهم، والعمل على ردم الفجوة السياسية والمعرفية الوطنية لديهم، وتعزيز الثقة بأهمية العمل السياسي، والتخفيف من التحديات المجتمعية التي تعيق انخراطهم فيه. كما ينبغي أن تكون برامج التأهيل السياسي جزءًا أساسيًا من دعم جهود السلام في اليمن.

وإذا لم يتم ذلك، فعلى الشباب ألا ينتظروا ما يُقدم إليهم؛ بل أن يطرقوا بأيديهم تلك الأبواب، وأن يتصدروا المشهد بروح المبادرة والحماس والإيمان بأنهم هم اليوم المعنيون بالأمر أكثر من غيرهم، ومن يتحملون المسؤولية الكاملة عن سلام ومستقبل اليمن وشعبه.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً