صنعاء 19C امطار خفيفة

القتل بعد القتل: التطبيع مع العنف في اليمن

"ألا اقتلْ كل مَن تلقى

إذا استبقيت لن تبقى

لأن القتل بعد القتل

طبّ الأمة الحمقى.."

البردوني
 
في الأبيات السابقة للشاعر الكبير البردوني، نجد تفسيرًا نفسيًا لظاهرة اجتماعية خطيرة تتعلق بما نشهده في الآونة الأخيرة من تزايد حوادث القتل الفردية في اليمن. فقد ارتفع معدل هذه الحوادث ليصل إلى ثلاث حوادث أسبوعيًا أو أكثر. هذه الأرقام المقلقة دفعتني أنا وأصدقائي إلى التساؤل عن الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة: لماذا أصبحت أخبار القتل جزءًا شبه يومي من حياتنا؟ وما الذي يجعل هذا النوع من الجرائم في ازدياد مستمر؟
أحد المفاهيم التي قد تُسهم في فهم هذه الظاهرة هو "التكيف النفسي" أو "التعود"، وهي ظاهرة معروفة في علم النفس. يشير هذا المفهوم إلى قدرة الإنسان على التكيف مع الظروف المحيطة به، حتى لو كانت هذه الظروف غير أخلاقية أو قاسية. بمرور الوقت، قد يُطوّر الإنسان نوعًا من التقبل لهذه الأفعال أو يبررها لنفسه، مما يؤدي إلى تآكل القيم الأخلاقية التي كانت تشكل رادعًا قويًا في السابق.
عندما نتحدث عن "التعود على القتل"، فإننا نعني أن الأفراد قد يصبحون أقل حساسية تجاه أفعال العنف أو حتى يتقبلونها نتيجة التعرض المستمر لها، سواء من خلال وسائل الإعلام أو من تجارب مباشرة في بيئاتهم اليومية. تكرار حوادث القتل، وانتشارها السريع على وسائل الإعلام، يمكن أن يؤدي إلى نوع من التطبيع مع هذه الجرائم، حيث تصبح مألوفة أو أقل صدمة مما كانت عليه في الماضي.
هذا التكيف لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يمكن أن يشمل المجتمع ككل. مع الوقت، قد يفقد المجتمع إحساسه بالاستنكار تجاه هذه الجرائم، ويبدأ في تقبلها كجزء من الواقع. هذا القبول المجتمعي الضمني قد يشجع البعض على ارتكاب هذه الجرائم دون خوف كبير من العواقب الاجتماعية، بخاصة إذا شعروا أن الآخرين قاموا بمثل هذه الأفعال دون مواجهة ردع حقيقي.
لكن التعود وحده لا يكفي لتفسير الظاهرة بشكل كامل؛ هناك أسباب أخرى تحتاج إلى الدراسة. الوضع الاقتصادي المتدهور، التفكك الاجتماعي، ضعف مؤسسات الدولة، وانتشار الأسلحة بشكل كبير، هي عوامل متشابكة قد تسهم في خلق بيئة خصبة للعنف.
لذلك، فإن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب فهمًا عميقًا لجذورها النفسية والاجتماعية والاقتصادية. على المجتمعات والمؤسسات العمل معًا لزيادة التوعية بخطورة هذه الأفعال، وتعزيز القيم الإنسانية والأخلاقية التي تحترم الحياة، إضافة إلى تطبيق قوانين صارمة تسهم في ردع هذه الجرائم.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً