صنعاء 19C امطار خفيفة

وليمة في كريتر!

2025-01-22
وليمة في كريتر!
مطعم سيف، كريتر (منصات التواصل)
ولو أعيدت لنا المقاهي القديمة.. فمن يعيد لنا جلساءها الأحباء؟
ما أحببت قط مثلما أحببت كريتر.. برغم الحر والقر.. والفر والكر.. فللمكان عبقريته.. ولا أحب مبارحته إلا إلى مقبرة القطيع فيه.. أحاول تغليب الخيال على الواقع باختلاق حركة في يوم كريتري بهيج أصمم فيه وليمة طيبة كانت يومًا ممكنة.. وأعزم فيها أحباء المجالسة لم يعد بالإمكان إحضارهم...!
كم أحببت هذه الصورة الأولى هنا في قلب كريتر، مطعم سيف، والإقبال، والمقاهي العدنية المجاورة.. وبائع الشاي المخصوص الواقف في الزغطوط المجاور بالشاي الملبن المسبوك مع الريش، وزبونه الأول طارق غانم.. والأبرز محمد الحداد الجالس بركن الصورة بشعره الأشيب وصلعته الصغيرة المدورة كشمامسة الفاتيكان، وهو يحفظ القرآن كاملًا عن ظهر قلب.. وفي واجهة المقهى على الناصية المقابلة، يجلس الشاعر عبدالصفي هادي، ومعه صالح علي الجنزير، في مطعم الوفاء، وفي الركن الركين يجيء رجل مقفع مهندم يقال له العقربي، ليجلس على كرسيه المفضل في الطرف، وإذا لم يجده شاغرًا يفتعل زوبعة في فنجان!
يا رعى الله الأهالي.. يا عبدالرحيم يوسف خان، أنت تحب فول الجرة.. وفي وليمتي القادمة ستحبه أكثر بالسمن الزيلعي مع القاورمة!
أخرج في مشواري اليومي عصرًا من شارع حسن علي، وأمر في الطريق إلى هناك لتحية المعارف.. علي أفندي في مخبازته بالزعفران (الصورة الثانية قبل تصاوير الطعام)، ثم أعرج على سوق البز، حيث تجلس صوماليات د. جيبوتي، لبيع القاورمة بسمنها الزيلعي، وأشتري منهن للوليمة المتخيلة.. ومن هناك أخترق شارع السوق الطويل، وفي وسطه ألقي التحية على مطبقية عدن، وأمضي نحو مجلسنا الأثير عند سيف، حيث تجتمع الأحبة.
علي افندي في مخبازته ( منصات التواصل)
قلت لصاحبي: اليوم تعال ولا تتخلف عن الوليمة في العشاء! قال إنه لا يستطيب له الطعام إذا لم يسبقه بربع من أبرتيف الكحول، وسيحرص على إخفائه بقرطاس كاكي.. أما أنا فقد أقلعت عن أبرتيفات الطعام!
رتبت أمر الوليمة المتخيلة مع سيف وطباخه هاشم وأبو العز متخصص خبز الطاوة الملوح الذي يعلو ولا يعلى عليه!
يا محمد.. قلت لمحمد الحداد: أنت خبير في شؤون السمك يا محمد.. وقد رأيت على الرصيف أمامنا أسماكًا متنوعة معروضة، ومن بينها الباغة.. وأريد أن تعينني على انتقاء الأجود والأكثر طزاجة، ورحنا.. وقلب في الأسماك، فوجد أن الباغة كانت الأنسب، وأخذنا منها مشكًا صفاه لنا الصياد من الأمغال، وجهزه للطبخ على طاوة سيف وهاشم.. ولم يصل بنا الوقت إلى الثامنة والنصف إلا وروائح وبخار الوليمة يتصاعد، وجلساء المطعم القهوة حاضرون.. يا عبدالرحيم هل تمانع في إضافة قصعة فاصوليا حمراء إلى فول الجرة الذي تحبه؟ سيكون مع القوارمة ويعجبنا كلنا.
ابتسم موافقًا.. وأرغمنا حامد على الأكل وطارق.. وجاء محمد موسى متأخرًا.. والتزم صاحبي بأبرتيفه المتخفي في غلاف الكاكي.. واكتمل النصاب.. وأكلنا تنويعة الوليمة حتى الشبع.. وتجشأنا قبل نزول قلاصات الشاي الملبن.. وكانت ليلة كريترية أحلى ليلة!
وهكذا.. إذا أعيدت لنا مقاهينا القديمة.. فعلينا نحن استعادة جلسائنا القدامى.. ولو في الخيال.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً