وأخيرًا أعلنت الفرحة بعد أن تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، وبعد استشهاد أكثر من 46 ألفًا، ونحو 150 ألف جريح، حيث لعب الضغط الشعبي الأمريكي دورًا كبيرًا في التعريف بعدالة القضية الفلسطينية، وأحقيتها بإعادة توجيه بوصلتها، والتي ظلت مهملة على الهامش السياسي الأمريكي، وحبيسة نتيجة التضليل الإعلامي المفضوح انحيازه، وأصبحت الآن قضية رأي عام مركزية واسعة على الساحة الأمريكية والعالمية، ولكن وللأسف ما لفت انتباهي وزاد من حيرتي، هو قيام بعض السفهاء ممن لم يسهموا، ولكنهم كانوا يطمحون وبخلسة لدور ضائع، فلم يتظاهروا أو يحتجوا يومًا، ولم ينبسوا بكلمة لنصرة الشعب الفلسطيني، ولكنهم ولمحاولاتهم اليائسة المفتعلة للظهور بالصورة فقط، علاوة على افتقارهم أصلًا للشجاعة الأدبية، نجدهم قد كشروا عن أنيابهم، وشمروا وبكراهية فجة عن سواعدهم، وأزبدوا وأرعدوا، ومن منابرهم، بوصف حرائق لوس أنجلوس بأنها عقاب من الله، على الرغم من كون هذه الكوارث حصلت وتحصل في أية منطقة أو مدينة بالمعمورة، بغض النظر عن ديانة قاطنيها، فالكوارث لا تفرق ولا اعتراض عليها أو على نتائجها، إلا أنهم وبجهلهم تناسوا، وعن قصد انتهازي موجه، ذلك الدور الذي قام به معظم المواطنين الأمريكيين من جهود وحشود ومظاهرات، وخروجهم بالمسيرات المستمرة للتعبير عن موقفهم البطولي بالاحتجاجات المنددة والرافضة للحرب على غزة، ومن تلك الولايات، وفي الأمام ولاية كاليفورنيا الكبيرة التي رفعت صوتها عاليًا عبر حشود ومظاهرات غير مسبوقة مناهضة للاحتلال وللإبادة الجماعية، فدور الطلاب كان في الطليعة، وبخاصة في الجامعات الأمريكية الشهيرة، والتي خرجت عن بكرة أبيها في مظاهرات حاشدة واعتصامات استمرت بالأسابيع، ومن هذه الجامعات المؤثرة تأتي في مقدمتها جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس UCLA، وكذلك جامعة كاليفورنيا بريكلي UC Berkeley، وجامعة ستانفورد Stanford، وقد تم فصل وحرمان آلاف الطلاب من هذه الجامعات وغيرها، مضحين بمستقبلهم، ومعرضين حياتهم بمواجهاتهم للمخاطر، غير مبالين في سبيل موقف إنساني شريف مساند للمظلوم ومناهض للظلم، وهو موقف تاريخي لم يأسفوا عليه، سيظل عالقًا في أذهان الأجيال التواقة للحرية والسلام.
أما هؤلاء الشامتون فلم يصدروا حتى بيانًا ولو هزيلًا، بل لم يكن لهم ولا لجامعاتهم في بلدانهم، موقف إزاء ما حدث، على الرغم من ارتباطاتهم الدينية والعرقية والعضوية بالشعب المظلوم. لهذا كان لسكان كاليفورنيا بشكل عام، وسكان لوس أنجلوس وطلابها وممثليها، رجالًا ونساءً، بشكل خاص، دور ريادي إنساني، وكلمة مسموعة دوت أصداؤها وارتداداتها عالميًا، في دعم غزة، ولم يكن للشامتين إلا مواقفهم المخجلة المتوارية.
تعظيم سلام للشعب الأمريكي ولكاليفورنيا الولاية، شكرًا لوس أنجلوس مدينة وأيقونة الثقافة والفن والفنانين، يا من لكم شكر خاص لوقوفكم كقدوة في مقدمة الصفوف للمسيرات والوقفات الإنسانية المسؤولة.
شكرًا UCLA، وموصول الشكر والتحية الممهورة بالإجلال والإكرام أيضًا لأكثر من 120 من كبريات الجامعات الأمريكية وطلابها، ومنها جامعة كولومبيا نيويورك University of Colombia التي أشعلت شرارة ثورة الجامعات بصمود طلابها، وشغلت الرأي العام الأمريكي والعالمي بعنفوانها، وتجاوب تباعًا معها أحرار مدن وبلدان العالم، نصرةً لعدالة القضية وإيقاف الحرب. سيسجل التاريخ تلك المواقف الإيثارية، فالتاريخ لا يرحم. وتحية من لوس أنجلوس لغزة العزة، المدينتين اللتين فرقتهما المسافات، ووحَّدهما الدمار والموقف الإنساني.
معذرة وتحية للممثل المحبوب الشهير ميل جيبسون ورفاقه، والذي تصدر المشهد للمظاهرات في لوس أنجلوس، والذي احترق بيته البالغ ثمنه أكثر من 14 مليون دولار، وقال بحريقه قد أسلمتني تكاليف إصلاح أنابيبها وصيانة حديقتها، وأجد نفسي حرًا طليقًا من تبعات تكاليفها. قالها راضيًا مبتسمًا، بينما فقد غيره ملايين الدولارات في الصالات، ولم تعد عليهم ببسمة واحدة.
فيرفاكس فرجينيا، January 16th 2025