صنعاء 19C امطار خفيفة

المؤسسة البرلمانية في اليمن في عهد أربعة رؤساء (الحلقة الأولى)

المؤسسة البرلمانية في اليمن في عهد أربعة رؤساء (الحلقة الأولى)
الإرياني، الحمدي، الغشمي، صالح

كانت مرحلة المشير السلال بحاجة إلى الرجال لتعزيز الجيش في خنادق الثورة، أما مرحلة الرئيس عبدالرحمن الإرياني فكانت بحاجة إلى قاضٍ مستنير مثله لبناء الدولة وإنشاء مؤسساتها.

على أي أساس كان الكثير من المثقفين اليمنيين ينتقدون بخفة مرحلة النصف الأول من سبعينات القرن الماضي!

العاطفة الشعبية وحدها لا تكفي للحكم على التحولات المؤسسية التي تقطعها الدولة ببطء – أي دولة – ضمن انتقالاتها من دولة الفرد والنافذين إلى الدولة الطبيعية التي اكتملت سلطاتها الثلاث: التشريعية، القضائية، والتنفيذية.

تُنشأ مؤسسة البرلمان – كما هو شأن معظم التجارب – بقرار، ثم تتحول مع الوقت – إذا ما حالفتها حظوظ الاستقرار – إلى مؤسسة تخلقها المشاركة الشعبية.

الباب القديم لمجلس الشورى الذي اغلقه المقدم الحمدي وسمره بيديه قائلا اغلقوا باب الابالسةكان الرئيس الإرياني يعي هذه الحقائق من موقعه كقاضٍ ورجل دولة عظيم.وكان موفقًا عندما أصدر هذا القرار الأهم في تاريخ الدولة اليمنية: إنشاء المجلس الوطني المؤقت عام 1968، تمهيدًا ليتطور في غضون ثلاث سنين إلى مجلس الشورى بانتخاب مباشر (عبر ثلاث عمليات)، وتم ذلك.

ولم يكن المقدم الحمدي موفقًا عندما ألغى هذه الفكرة (مجلس الشورى). وكان الغشمي أذكى منه عندما أعادها بتعيين 99 عضوًا من أكفأ الرجال (مجلس الشعب التأسيسي). وكان علي عبدالله صالح أبلغ من الجميع عندما وسّعها ونقلها من حالة التعيين والاختيار إلى حالة الاقتراع الشعبي المباشر عام 1988: مجلس الشورى.

في كل الأحوال، هذا ليس تاريخًا يخص القادة وصناع القرار فقط (على مستوى اليمن بشطريها حينذاك)، وإنما نحن هنا بصدد تتبع خطوات المؤسسة البرلمانية في اليمن وانتقالاتها بما هو تاريخ الأمة اليمنية كلها.

انتقلت المؤسسة النيابية في اليمن ضمن خطوات تدريجية هكذا: مجلس وطني مؤقت من عام 1968 إلى عام 1971 بالتعيين، ثم مجلس شورى بانتخابات من 1971 وحتى 1975، واختفت ثلاث سنوات عندما أصدر المقدم إبراهيم قرار الإلغاء النهائي.

كانت أبرز مهام المجلس الوطني ثم الشورى لاحقًا تنحصر في 18 مهمة واختصاص، أبرزها: وضع دستور دائم للجمهورية اليمنية، واقتراح القوانين وتعديلها، والإعداد والتحضير لانتخابات مجلس الشورى، والموافقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ودراسة وإقرار البيان السياسي (الموازنة العامة للدولة) المقدم من الحكومة، ومراجعة الحسابات الختامية للحكومة... إلخ.

غير صحيح أن هذه المؤسسة كانت تتألف من المشائخ الرجعيين والنافذين فقط، وإلا فكيف أنجز مجلس الشورى بين عامي 71–75 مناقشة وإقرار وإصدار أكثر من ستين قانونًا تأسيسيًا غطت مختلف القطاعات الحيوية في البلاد، وصادقت المؤسسة على عشرات الاتفاقيات الإقليمية والدولية؟

كيف استطاع الرئيس الحمدي إلغاء هذه المؤسسة، وجاء بمطرقة ومسامير إلى مبنى مجلس الشورى (البرلمان حاليًا)، ثم قام بتسميره قائلًا: "أغلقوا باب الأبالسة!"

كان الحمدي محبوبًا شعبيًا وحاضرًا بقوة، لكن غابت سلطات الدولة في عهده وتقلصت حوله كفرد، بخلاف من سبقه أو تلاه من الرؤساء الذين أصدروا قرارات التأسيس العمومية، ثم انفتحوا على الدولة كمؤسسات (ناشئة بالطبع).

من 29 أبريل 1975 إلى 6 فبراير 1978، كانت الدولة اليمنية تسير برجل واحدة: سلطة مجلس القيادة فقط.

لا مجال للسياسة وتأويلاتها عندما نناقش المواضيع المرتبطة بمؤسسات الدولة اليمنية ضمن إطار تطور فكر الدولة داخل أغلفة التطور الاجتماعي تأسيسًا على البدايات.

والبدايات لها ظروفها؛ حيث تنشأ الدول في كل تجارب المجتمعات ضمن سياق له ظروفه ومناخه وذهنياته وزمنه.

يقول مونتسكيو: "عند تأسيس دولة ما يكون الرئيس هو الذي يشكل المؤسسة... فيما بعد تعود المؤسسة هي التي تشكل الرئيس!"

لقد بدأ الرئيس الإرياني بهذا القرار وأعطبه المقدم الحمدي، ثم استؤنف في الأسبوع الأول لأحمد الغشمي وتوسع وازدهر في عصر الرئيس صالح.

إذن، ما هو الإنجاز على صعيد مؤسسات الدولة في زمن الرئيس الحمدي؟

كان عهد الرئيس الإرياني تأسيسيًا بامتياز.

في عهده، وقفت خمس حكومات لأول مرة أمام ممثلي الشعب ضمن "تقاليد دولة لا بد أن تترسخ"، أشار إليها القاضي الإرياني في خطابه عند افتتاح المجلس الوطني.

أقر مجلس الشورى عام 1972 قانون رقم واحد بشأن إنشاء الجهاز المركزي للتخطيط، وأقر قانونًا للبنوك، وآخر لتحصيل الضرائب، وأقر قانون إنشاء البنك المركزي اليمني، وأصدر قانونًا بشأن حماية الآثار وآخر بشأن الجمارك، وأنشأ الهيئة العامة لتطوير تهامة، وأصدر أول قانون بشأن نظام موظفي الدولة (1971)، وغيرها من التشريعات المهمة (ستين قانونًا).

أقر الموازنات، وكان مجلس الشورى يصدر بها قانونًا ضمن تقاليد ناشئة، وعبر لجان متخصصة مثلت معظم فئات الشعب.

كان شكل رئاسة الدولة قد اختفى بصيغته الجمهورية في عهد الرئيس الحمدي، وكانت أول مهمة للرئيس الغشمي استعادته، ولم يتثبت إلا في عهد الرئيس علي عبدالله صالح بعنوانه العريض: رئيسًا للجمهورية العربية اليمنية.

كان هذا أبرز إنجازات مجلس الشعب التأسيسي. وفي الجلسة المنعقدة بتاريخ 22 أبريل 1978:

المادة الأولى: يكون شكل رئاسة الدولة محددًا في رئيس الجمهورية، وهو الذي يمثل رئاسة الدولة ويتولى القيادة العامة للقوات المسلحة.

المادة الثانية: مدة الرئاسة خمس سنوات شمسية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الانتخابات، طبقًا لما نص عليه الدستور الدائم.

قام مجلس الشعب التأسيسي بمهام رئاسة الدولة إثر اغتيال الرئيس أحمد حسين الغشمي، حيث عقد المجلس جلسة طارئة بهذا الخصوص في 24 يونيو 1978، وتشكل مجلس الرئاسة من أربعة أعضاء: عبدالكريم العرشي، وعبدالعزيز عبدالغني، وعلي الشيبة، والمقدم علي عبدالله صالح.

يتبع

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً