صنعاء 19C امطار خفيفة

عندما يصبح القمر بابا نويل في غزّة!

صوت بكاء من داخل الخيمة.. برد.. برد. تبحث الأم عن كلمات تختبئ في ذاكرتها لإلهاء الطفل الصغير، كلمات دافئة ومرتجفة وباكية: هل ترى ذلك الضوء، يا صغيري؟ إنه ضوء القمر. القمر الذي يتحول في الشتاء إلى بابا نويل، يحمل الهدايا للأطفال، ويزورهم عند الفجر. عليك أن تنام يا صغيري حتى تتمكن من رؤية القمر الزائر في الفجر.
 
يختتم الصبي بكاءه بتنهيدة، ثم يغفو بانتظار بابا نويل. الأم تحدث نفسها: إلى متى سنظل نتفرج على أجسادنا وهي تتحول إلى أشباح، والقتلة يتكاثرون قرب خيمتي، وقتلى أصبحوا طعامًا للكلاب؟ ثم ماذا عن العالم هناك في البعيد؟ لماذا أصيب بمتلازمة الصمت؟ لا بأس، يومًا ما سيقول القدر: لقد نفد صبري، ولا بدّ من حافة ليسقط القتلة. ولكن، ماذا لو أشرقت الشمس وقد مات صغيري؟ ماذا لو متُّ أنا وعاش هو بسيقان لا تقوى على صد الريح؟ هل ستأكله الكلاب أم سيلتقطه السيّارة كيوسف، ويغدو ملكًا يكتال الناس من يده؟
كل شيء هباء في غزة. العالم الذي حلمنا به منقذًا. الصليب الأحمر الذي غادر وترك الصليب مصلوبًا. كل شيء هباء: الأرصفة التي بنيناها، والأغاني التي حفظناها، كما لو أن إعصارًا ابتلع مدينة بكاملها وحولها إلى حطام.
 
هل تخترع المدن أم تبنى؟ لكن كيف لي أن أبني مدينة فوق جثث غير مكتملة؟ لا بأس، فالمدن في النهاية اختراع، وسأخترع لي مدينة غير هذه التي لم تعد تشبهني. مدينة جديدة تنسب البهجة لنفسها وهي تخفي الموت.
الهزيع الأخير من الليل يقترب، والطفل على وشك أن يستيقظ. ماذا عليّ أن أفعل وقد اخترعت كذبة لا تعمر طويلًا؟ يا الله، اهدني إلى كذبة أخرى لا يصدقها عقل، فأنا مستقرة في قاع من الريبة والشك. ماذا سأقول للطفل؟ فقد نسيت كيف تكذب الأمهات، ونسيت كيف أهدهد ما تبقى من ابتساماتي كي لا تهجرني. الجوع والليل والبرد والصمت، مستفزة جدًا كالحياة نفسها.
 
الحياة التي تعترض على كثرة الموت، وتطعم القتلة من زادها لكي يستمروا في القتل، فيما الآخرون صامتون. هل يدرك الآخرون حجم النكاية التي تتعرض لها أمٌّ من طفلها الجائع؟ وهل يشعرون بقسوة التهيؤ للموت؟ الموت الذي يسبق القمر، وبابا نويل، وكل الهدايا.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً