يا ظبي صنعا بعسجد خدك المنقوش
ولين قدك وفضة كفك المرشوش
وسحر عينيك وريش أرماشها المريوش
وصبح وجهك وأدجى شعرك المنحوش
لا افتش مغطى ولا أغطي على مفتوش
هي إحدى أغاني التراث الصنعاني (الموشح اليمني) ومن الأشعار الحمينية. كتب كلماتها الشاعر علي بن صالح العماري المتوفى في القرن الثامن عشر، وقد غناها الفنان إبراهيم محمد الماس، على مقام بياتي وإيقاع وسطى مطول، وسجلها على أسطوانات شركة جعفرفون في منتصف أربعينيات القرن العشرين.
في نهاية السبعينيات، تم تعاون فني بين الفنان أبو بكر سالم بالفقيه والشاعر عبدالعزيز المقالح والموسيقار أحمد فتحي، وأنتجوا أغنية "ظبي اليمن"، الأغنية الرائجة والترند في وقتها، والتي وصل صداها إلى كل مكان، وكانت أول تجربة للفنان الكبير أبو بكر سالم في الغناء الصنعاني.
الأغنية نموذج لإشكالية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، حقوق الملكية الفكرية للكلمات، وحقوق الملكية الفكرية للحن. فالشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح يوضح أنها لم تكن كلماته، وإنما قام بالتعديل على إحدى القصائد، وبمساعدة الفنان أحمد فتحي. كما أن لحن الأغنية ليس للموسيقار أحمد فتحي كما هو رائج لدى عامة الناس.
عن قصة الأغنية، يحكي الموسيقار أحمد فتحي أنه التقى الشاعر عبدالعزيز المقالح في عام 1975م، وأسمعه بعضًا من ألحانه وعزفه، فأعجب المقالح بها، وقال له: "في الزيارة القادمة سأجهز لك بعض الأشياء". بعد أسبوع، قدم له المقالح قصيدة "ظبي اليمن"، وطلب منه أن يعمل عليها. بعدها، وفي منتصف السبعينيات، التقى الموسيقار أحمد فتحي، الذي كان طالبًا حينها في معهد الموسيقى في مصر، والفنان أبو بكر سالم بالفقيه، وأسمعه أحمد فتحي أغنية "يا ظبي اليمن"، فأعجب بها أبو بكر، وسأله عن صاحب الكلمات، فأخبره بأنها من كلمات الشاعر عبدالعزيز المقالح، وعن اللحن أخبره بأنها من ألحانه.
بينما يروي الدكتور عبدالعزيز المقالح، في أحد اللقاءات الصحفية مع جريدة "الشرق الأوسط"، في 17/11/1982م، أن الموسيقار أحمد فتحي أتى إليه وهو في القاهرة، ومعه أغنيتان أراد أن يلحنهما ويغنيهما، لكن كلماتهما لم تكن مناسبة، وقد قام بإصلاح وتعديل كلمات تينك الأغنيتين، وكانت إحداهما أغنية "يا ظبي صنعاء". ويذكر أن هناك شريكًا ثالثًا لهما في القصيدة لم يذكر اسمه، لكنه أشار إلى كونه الذي أعد النص الأساسي. وأوضح الدكتور عبدالعزيز أنه لا يميل إلى كتابة الشعر الغنائي، مشيدًا بتجربة الفنان جابر علي أحمد في تلحين وغناء القصائد الفصيحة كقصيدة "لا بد من صنعاء وإن طال السفر".
من المهم هنا أن نتوقف عند نقطتين هامتين في تجربة أحمد فتحي وأغنية "ظبي اليمن"، فهو وإن نسب اللحن إليه خطأً، إلا أنه أظهر اهتمامًا مبكرًا بالتراث الغنائي اليمني. فكونه مازال طالبًا مبتعثًا إلى القاهرة لدراسة الموسيقى، يبدو أنه اطلع واستمع إلى الكثير من أغاني التراث، وحاول أن يحاكيها. وقد أشاد به الفنان أبو بكر في أكثر من مناسبة أنه شاب مثقف موسيقيًا، ويمتلك موهبة فذة.
النقطة الثانية هي أنه أعطى مثالًا مبكرًا لكيفية تطويع التراث لمستلزمات العصر، وأعطى تجربة في كيفية تطوير أغاني وألحان التراث مع الحفاظ على جوهرها وأصالتها المحلية، هذه التجربة التي يجب ان يتعلم منها فنانو جيل الشباب حاليًا، الذين يحاولون أن يطوروا الأغنية اليمنية، وتقديمها بشكل عصري.
فشهرة أغنية "ظبي اليمن" تجاوزت اليمن والجزيرة لتصل إلى الوطن العربي، ونالت شهرة واسعة على المستوى المحلي والعربي.
حاول الموسيقار أحمد فتحي أن يضع بصمته على اللحن الأصلي، فألف جملة لحنية للأغنية في "يا ظبي صنعاء دموع العين...". ونقل اللحن من مقام البيات إلى مقام النهاوند، وهذا المقام ليس مستخدمًا في أغاني التراث الصنعاني (الموشح اليمني). كما غير البلبلة الصنعانية "الي بالي بالي باله"، إلى الدندنة الحضرمية "يا ليل دانه يا لدانه لدان". وعندما غناها الفنان أبو بكر سالم، وضع فيها النفس الصنعاني عن طريق أسلوب الغناء.
كما حاول الموسيقار أحمد فتحي في ما بعد أن يقدم نفس التجربة على أكثر من أغنية، منها أغنية "الهجر يومين"، التي أخذ كلماتها من الشعر الحميني، ووضع لها لحنه، وكذلك أغنية "الحب للشبان"، التي تعيد نفس تجربة "ظبي اليمن"، فقام الشاعر محمود الحاج بكتابة الكلمات على نسق كلمات الأغنية التراثية "يا رب لا ضاقت"، وقام الموسيقار أحمد فتحي بتطوير اللحن التراثي، لكن الأغنية لم تلاقِ نفس رواج أغنية "ظبي اليمن".
بالعودة إلى أغنية "ظبي اليمن"، بالرغم من نزول شريط الكاسيت في العام 1980م، مكتوبًا على غلافه "ألحان أحمد فتحي"، إلا أنه من الواضح أن الفنان أبو بكر سالم كان مطلعًا على الأغنية الأصل "يا ظبي صنعاء بعسجد خدك"، لهذا أصر على إعادة الكوبليه "حزني مغطى وقلبي للهوى مفتوش"، إلى أصله "لا افتش مغطى ولا أغطي على مفتوش"، بالرغم من اعتراض أحمد فتحي والدكتور عبدالعزيز المقالح.