هل تساءلتم يومًا لماذا يرى شيخ القبيلة في اليمن أن طلب المعونة، سواء كانت مادية أو عينية، عيب داخل اليمن، بينما لا يتردد في الوقوف في طوابير طويلة للحصول على معونة أو مكرمة في دول الجوار؟ هل هذا السلوك يعكس ثقافة نفعية، أم أنه مرتبط فقط بحراسة وتنفيذ القيم والأعراف القبلية داخل اليمن؟
القبيلة في اليمن تتخذ موقفًا سلبيًا من المهن، وهو موقف يعوق بشكل كبير نمو وتطور الاقتصاد اليمني. فالمهن الأساسية، التي تُعد أساس أي اقتصاد في العالم، تُدرج ضمن المهن المحتقرة التي لا يُسمح لأفراد القبيلة بممارستها، مثل: الحلاقة، الجزارة، الدباغة، الصياغة، بيع الخضروات والفواكه، وغيرها من المهن الإنتاجية التي تُشكل قاعدة أي اقتصاد مستدام.
المفارقة هنا أن الفرد القبلي الذي يمتنع عن ممارسة هذه المهن داخل اليمن، يُمكنه أن يعمل في معظمها، وليس كلها، خارج اليمن. وهذا يعيدنا إلى السؤال: هل القيم والأعراف الاجتماعية القبلية تُطبق فقط داخل الجغرافيا اليمنية، بينما يُسمح بتجاوزها خارجها؟
من خلال ملاحظتي، وخصوصًا مع موجة اللجوء الأخيرة، وجدت أن هناك استثمارات في أوروبا وبعض الدول العربية يملكها ويديرها شيوخ قبائل ينتمون إلى مناطق تُعد قبلية بامتياز، مثل الجوف ومأرب. هذه الاستثمارات تدخل فيها الكثير من المهن والحرف المحتقرة قبليًا في اليمن..!
في الواقع، أرى أن الأعراف القبلية تتراجع أمام الحاجة، وتحت وطأة سلطة القانون. يمكن ملاحظة ذلك خلال فترات مثل فترة حكم إبراهيم الحمدي في شمال اليمن، والحقبة الاشتراكية في جنوب اليمن، حيث شهدنا تراجعًا لهذه الأعراف أمام سيادة القانون، وتضاءل الاحتقار للمهن والعاملين فيها بشكل كبير.
هذا يثبت أن القبائل ليست كما يصوّرها الخطاب الاجتماعي التقليدي أو السياسي، خصوصًا في عهد علي عبدالله صالح، بأنها خارجة عن سلطة القانون، أو تمثل سلطة داخل السلطة المركزية في بعض المناطق اليمنية. ففي حقبة صالح، تم استثمار الفشل عبر إلقاء اللوم على القبائل "الخارجة عن القانون"، كما تم تبرير عدم استثمار الإمكانات الاقتصادية الهائلة بتحميل المسؤولية للفقر. وفي النهاية، اكتفت السلطة في تلك الحقبة بنهب وسرقة ما يمكن استثماره من تلك الإمكانات، دون أية محاولة حقيقية لمعالجة الأسباب الجذرية.
إن ثقافة الفقر المفتعل، التي تخفي وراءها غنى مستترًا، أسهمت فيها القبيلة بازدرائها للمهن الرئيسية داخل اليمن، في حين تتساهل في ممارستها خارج حدود البلاد. وهذا يقودنا إلى تساؤل: هل الشخصية اليمنية ذات طبيعة انفصامية أم أنها براغماتية (نفعية)؟
هذا ما سنحاول التوسع في مناقشته لاحقًا.