صنعاء 19C امطار خفيفة

الفقر اليمني: غنى مستتر وفقر مُفتعل.. من المسؤول؟(1)

لعل الكثير منّا سمع هذه العبارة: "اليمن بلد فقير"، أو "يمني مسكين فقير"، لكن المؤكد أن القليل هم الذين وقرت في قلوبهم تلك العبارة وصدقوها بالسؤال: هل اليمن بلد فقير بالمفهوم الاقتصادي؟ هل موارده غير كافية لسد احتياجات سكانه؟ أم أن الفقر هو مجرد مفهوم نمطي يُستخدم في سياقات متعددة من قبل الجهات المستفيدة من استمراره، وعلى رأسها السلطات المتعاقبة على حكم اليمن؟ إن هذه التساؤلات تفتح بابًا واسعًا للنقاش حول مفهوم الفقر في اليمن، سواء من منظور اقتصادي، سياسي، اجتماعي، أو حتى فلسفي. ولماذا هذا الارتباط الوثيق، حتى لا أقول التاريخي، بين اليمن والفقر؟
الفقر، بمفهومه التقليدي، يشير إلى حالة من العوز والعجز عن تلبية الحاجات الأساسية للفرد، سواء كانت مادية، عاطفية، أو فكرية. فهو ينعكس في عدم القدرة على تأمين الرعاية الصحية، أو السكن اللائق، أو الحصول على التعليم، أو حتى العلاج المناسب. كما يمكن أن يظهر الفقر في الحرمان من حقوق الإنسان الأساسية، مثل الغذاء والملبس. ويُعتبر الفقير في هذا السياق شخصًا يعاني من نقص في الموارد المادية التي تضمن له حياة كريمة تتناسب مع حقوقه الإنسانية المشروعة.
وفي الواقع، تزداد صعوبة التمييز بين الفقر كظاهرة اقتصادية والفقر كأداة سياسية أو اجتماعية. فالفقر في اليمن، على سبيل المثال، ليس مجرد نتيجة لتدهور الموارد الاقتصادية، بل قد يكون أيضًا نتيجة لسياسات اقتصادية غير عادلة، أو حروب مدمرة، أو فساد مستشرٍ في الأجهزة الحكومية. وإذا نظرنا إلى اليمن من هذا المنظور، فإن السؤال يصبح: هل يمكن اعتبار اليمن بلدًا فقيرًا فقط بسبب محدودية موارده الاقتصادية؟ أم أن هناك عوامل سياسية واجتماعية تجعل الفقر في اليمن ظاهرة متجددة ومعقدة؟
في الحقيقة، اليمن ليس فقيرًا أبدًا، بل هو واحد من أغنى بلدان المنطقة العربية، فهو يمتلك ثروات هائلة، ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وطبيعة متنوعة مهندسة لتكون مصدر دخل قومي كبير جدًا. كما أن موقعه الجغرافي يمكن أن يكون سببًا في غناه، إذ يمتلك سواحل طويلة وثروات بحرية هائلة، ومضايق تتحكم في الملاحة الدولية. ويبقى السؤال قائمًا: إذن، من المسؤول عن الفقر في اليمن؟ الجواب قد تجده في مفهوم أفلاطون وسقراط عن الفقر، إذ ربطا الفقر بالرغبة، ويعدّانه مصدرًا محتملًا للرذيلة؛ إذ يوسوس الفقر للفقير، فيقع بسهولة في الذنب والفساد والحسد. ومثلما يولّد الرخاء الضعف، فإنّ الفقر يولّد، كما يقول أفلاطون في "الجمهورية"، الدناءة والرغبة في ارتكاب الخطيئة (الإثم)، ويجرّد المرء من كرامته عندما يتحوّل إلى متسول. بل يذهب أفلاطون أبعد من ذلك، فمثلما "طرد" الشعراء من جمهوريّته، طالب في "القوانين (النواميس)" باستبعاد هؤلاء الذين يحطّون من قدر المدينة: "لتكن البلاد خالية تمامًا من هذه الماشية". هذا ما حدث في اليمن، فقد غابت الدولة الضامنة والكافلة والعادلة. الدولة التي تحولت إلى فقير يتكسب من فقره، مما حوّل اقتصاد البلد، كما قال أفهيلد هورست، إلى اقتصاد يغدق فقراً، ثم مع الوقت وتراكم ثقافة الفقر، تحولت الدولة إلى متسول كما قال سقراط. ونحن في وقتنا الحاضر نعيش عصر الدولة اليمنية المتسولة بامتياز.
 
يتبع

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً