أصبح القات اليوم مفتاحًا أساسيًا لأي حديث أو تعارف بين اليمني والآخر، سواء كان عربيًا أم أجنبيًا. غالبًا ما يبدأ الحديث بالسؤال عن هذه العشبة: هل تأكل من هذه النبتة؟ ما اسمها؟ هل هي مفيدة؟ ولماذا تُخزّن في الفم؟ هذه الأسئلة غالبًا ما تكون مصحوبة بابتسامة تجمع بين الاستغراب، الاستهجان، وأحيانًا السخرية الصريحة.
ما يثير الدهشة هنا هو أن اليمني، رغم أنه قد يشعر بالخجل أو الحرج من الظهور بملابس معينة أو في أماكن وسياقات معينة، لا يراوده نفس الشعور عند الظهور في الأماكن العامة بفم ممتلئ بأوراق القات، حتى وإن كان ذلك بشكل مبالغ فيه. هذه الصورة التي باتت سمة مألوفة، لم تعد تقتصر على عامة الناس فقط، بل تجاوزتهم لتشمل شخصيات معروفة في المجتمع مثل الفنانين، الأدباء، والكتاب، الذين يظهرون علنًا وهم "مفخخو الأفواه" بالقات، مما يزيد من انتشار هذه الصورة التي تتناقض تمامًا مع ملامح الإنسان الطبيعية.
ومن هنا، يطرح السؤال المهم: هل نحن اليمنيين مستعدون لقبول أن تكون عشبة القات هي الصورة التعريفية لنا أمام الآخرين؟ هل نرضى بأن تختزل ثقافتنا وهويتنا في هذا المشهد الذي قد يبدو للكثيرين محط سخرية؟ أليس لدينا إرث ثقافي غني وبنيات حضارية أخرى، أكثر إشراقًا وأصالة، يمكن أن تعكس هويتنا الحقيقية وتُعرّف العالم بنا بطريقة أكثر احترامًا وتقديرًا؟
اليمن ليس فقيرًا في صور حضاريّة تبرز هويته العميقة: فالبن اليمني والقهوة التي تعد من أرقى أنواع القهوة في العالم، بالإضافة إلى الطبيعة الخلابة والمدرجات الزراعية التي تزين جباله، والطراز المعماري الفريد الذي يعد شاهدًا على تاريخ طويل من الإبداع، جميعها تمثل إرثًا ثقافيًا وتاريخيًا يمتد لآلاف السنين. لماذا إذن نسمح لنبتة القات، التي ارتبطت بممارسات اجتماعية واقتصادية ضارة ومشوهة، أن تصبح الواجهة الوحيدة التي يُنظر من خلالها إلينا؟
لكن لماذا يتصالح اليمنيون مع هذا التشوه الناتج عن تخزين القات في أفواههم؟ هل هو نوع من التعايش القسري بسبب الاعتياد الطويل على هذه العادة، أم أنه إهمال لاحترام الذات وصورة المجتمع بشكل عام؟ قد تكون الإجابة مزيجًا من الاثنين معًا. فعلى الرغم من الآثار السلبية التي قد تترتب على تناول هذه العشبة، إلا أن الكثيرين يظلّون في دائرة هذا التقليد، ربما لكونه جزءًا من حياتهم اليومية، يصعب عليهم الفكاك منه.
التحدي اليوم يكمن في إعادة تعريف أنفسنا وتقديم صورتنا أمام العالم من خلال التركيز على النقاط المضيئة في هويتنا، والاعتزاز بالمكونات الثقافية والحضارية التي تتميز بها بلادنا. يمكننا أن نكون أكثر فخرًا بتراثنا، لا سيما في جوانب مثل الفن، الثقافة، التاريخ. إن الوقت قد حان لنعيد النظر في كيفية تقديم أنفسنا للعالم، وأن نتمكن من التعايش مع تراثنا بما يعكس قيمنا الأصيلة دون أن يكون القات هو الصورة الوحيدة التي يرانا من خلالها الآخرون.