سوريا ليست كأي بلد عربي، وإن كانت القومية العربية تشكل أعظم سكانه.. إلا أن هناك خريطة فسيفساء من الإثنيات الدينية -العرقية -القومية -الطائفية -الأقليات. هذا التنوع الكبير الذي يتبطن في بعض طياته التاريخية نفسًا عنصريًا وشعورًا بالقهر وما شابه.. يجعل المسألة السورية، في الوقت الراهن، غاية في التعقيد، وكل المخاوف التي تتصاعد مبررة، والتي تحتم التعامل مع الوضع بوعي ومسؤولية وإدراك عميق ليس للشأن السياسي فقط، وإنما للسياق التاريخي برمته، لأن لعبة المصالح الإقليمية الكبرى حين تتعارض في الجغرافيا السورية، ستعوق مشروع إنشاء دولة ضامنة، وهذا بدوره يدفع لتأزيم وضع حقوق الأقليات والقوميات والطوائف المحتقنة، مما يفتح أبواب النار والجحيم الأهلي بكل أهواله!
إن قراءة لخريطة الإثنيات في سوريا بوعي سياسي ومعرفي وتاريخي، ستكشف للمتابع أسباب المخاوف التي يخشاها البعض في الداخل السوري أو محيطه الإقليمي.. أما أولئك الذين يقرؤون مشهد سقوط نظام الأسد من زوايا غير واعية، ووفق اشتهاء المصالح والعواطف السياسية، والنصر الديني، فهم أغبى من أن يدركوا مثل هكذا خطر على سوريا..!
لقد حكم نظام البعث سوريا طيلة خمسة عقود، وعلى الرغم من ديكتاتوريته، فهذا ليس سياقنا، ظل بأبعاده العلمانية رافعة للدولة والمجتمع السوري، واستطاع رغم تغليبه للبعد القومي العروبي، بحكم أغلبيته، أن يحافظ على وحدة الدولة السورية المكون مجتمعها من هذه الفسيفساء الإثنية المتناقضة، وأن باستخدامه لأدوات الإخضاع والتوحيد القهري.. لذلك فإن عدم إنجاز مشروع سياسي ديمقراطي جامع لكل السوريين، سيجعل الوضع مرشحًا للانفجار المجتمعي، وإن بعد حين!
ولكي تتضح أبعاد المشهد والمخاوف التي بدأت تستيقظ، أوضح هنا -وحد علمي ومعرفتي للمكونات الإثنية للمجتمع السوري (عرقية -دينية)، والتي تتمثل في الآتي:
1. القوميات (العرقيات): عرب وهم الغالبية -أكراد -دروز -أرمن -كلدان -آشور -سريان -يهود -أيزيد، والفئات الأخيرة تمثل أقليات.. وهذه العرقيات القومية تتوزع وتتفرخ من داخلها أيضًا ضمن ديانات وطوائف متعددة.
2. الأديان: الإسلام.. وهو الغالبية -المسيحية -اليهودية والموحدين والأيزيديين... ومكونات هذه الأديان أيضًا تتوزع من داخلها في طوائف أو مذاهب متعددة.
3. الطوائف والمذاهب:
- يتوزع المسلمون في طوائف ومذاهب كالتالي: أولًا: أهل السنة والجماعة أو السنة، ومنهم إخوان وسلفيون ومتشددون. ثانيًا: الشيعة، ويتوزعون في (شيعة علويين -شيعة إسماعيليين -شيعة اثني عشرية).
- بينما يتوزع المسيحيون إلى (مسيحيين أرثوذكس -مسيحيين موارنة وأقلية كاثوليك وبروتستانت). هذا دون أن نشير إلى المذاهب الفكرية من اليساريين والاشتراكيين والحداثيين، كون هذه المذاهب الفكرية لا تملك عمقًا تاريخيًا في بنية المجتمع السوري، لأنها وليدة تجاذبات القرن المنصرم فحسب!
إن هذه الخريطة الفسيفسائية تمثل تنوعًا غير متناغم من الناحية التاريخية. وللمتابع للشأن السوري أن يتخيل ما يمكن للتجاذبات السياسية والمصالح الإقليمية أن تعمله حين تتموضع وتستخدم أدوات هذه الفئات في تحقيق أطماعها... لذلك فإن السياق الآمن والوحيد هو بناء الدولة السورية العميقة الضامنة لكل هذا التنوع، عبر مشروع سياسي يعتمد الديمقراطية أساسًا لنظام الحكم... ما لم فإن أي استحواذ أو إقصاء او هيمنة للغلبة أو نموذج وفق اشتهاء المصالح الإقليمية غير العربية، سيؤدي حتمًا إلى انفراط حبات العقد وتساقطها في جحيم واحتراب مجتمعي مهول، وستصبح المخاوف التي ترتفع الآن ماثلة في صيرورة حياة السوريين وكيان دولتهم!