رحيل بشار الأسد، الذي مثل نظامه واحدًا من أكثر الأنظمة قمعًا في العالم العربي، يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل العلاقات العربية، وتحديدًا في ما يتعلق بالعداء تجاه إسرائيل والمحاولات الحثيثة لإحلال إيران محل إسرائيل كعدو أول للعرب.
ورغم أن غياب الأسد لا يثير أسفًا لدى الكثير من العرب، إلا أن العواقب المحتملة لهذا التغيير قد تكون معقدة، فإن الإعلان الخليجي السعودي يشغل الناس بتوافه كقضايا التعذيب في سجون سوريا لكي لا نركز على تدمير الجيش العربي السوري وتدمير أسلحته الثقيلة والمتوسطة، وغطرسة الكيان الغاصب وتركيا وبلطجتهما في احتلال الأراضي السورية.
فمن المعروف أن إسرائيل كانت تعتبر العدو الأول للعرب لعقود طويلة، ولاتزال، لكن تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة في خمس عواصم عربية، قد سهل لأمريكا وعملائها في المنطقة أن تجعل من إيران هي العدو الأول للعرب، مستغلة الخلاف المذهبي بين الشيعة وأهل السنة، مستدعية المعارك الكلامية التي لم تكف عن إثارة الفرقة بين المسلمين. وكما يلوح في الأفق، فإننا ربما سنشهد قريبًا تحولًا في أولويات الصداقة، فيتحول العدو الذي يقتضم الأراضي العربية، إلى حمل وديع، والمسلم الشيعي الذي لا يطمع في التوسع على حساب الأراضي العربية، لكن له مشروعه المذهبي التوسعي، هو العدو، وهو أقل خطورة من الأول. فهل سيتجه العرب نحو عداوة جديدة مع إيران، وبالتالي يتجاهلون أو يُخفّضون من عداوتهم ويخففون من انتقاداتهم لإسرائيل؟
فبعد رحيل الأسد، سيكون من المثير للاهتمام مراقبة ردود الفعل من القوى الإقليمية مثل مصر. هل ستقوم هذه الدول بدعوة إسرائيل لوقف اعتداءاتها على الأراضي السورية، مثل الجولان وجبل الشيخ؟ وما هي الخيارات المتاحة أمامهم في ظل التغيرات الجارية في المنطقة؟
وفي السياق، هناك تساؤلات حول موقف الشعوب العربية من التوسع الإسرائيلي والتركي في الأراضي السورية. هل ستبقى هذه الشعوب مشغولة بقضايا مثل سجن صيدنايا، أم ستبدأ في مواجهة التحديات الجديدة التي تطرحها هذه التوسعات؟
وفي نهاية المطاف، يمكن القول بأنه قد يكون رحيل بشار الأسد هو الشرارة التي تؤدي إلى إعادة تحقيق الحلم اليهودي بدولة من النيل إلى الفرات كما دأب الإعلام العربي الترويج له منذ خمسينيات القرن العشرين، فهل سيجري تقييم العلاقات العربية مع إسرائيل وإيران؟
وهل ستستطيع الشعوب العربية أن تجد قواسم مشتركة تعيد توحيدها في مواجهة التحديات الجديدة، أم ستستمر في التشتت والانقسام؟
وبغض النظر عن الموقف من بشار الأسد، فإن الأحداث المرتبطة برحيله ستعيد تشكيل الديناميكيات الإقليمية. من الضروري أن تراقب الشعوب العربية هذه التحولات بعناية، وأن تعيد التفكير في استراتيجياتها لمواجهة التحديات التي قد تطرأ في المستقبل.