السلطة الأبدية لا توجد إلا في عقلية الحاكم المستبد الذي تعميه السلطة عن مصالح وأولويات الشعب الذي يحكمه وعن متغيرات العصر. تزول إمبراطوريات وتنهار عروش، ويبقى الوطن ومصالحه العليا بوحدة ترابه وأمنه وسيادته واستقلاله.
في المتغير السوري هل سيحافظ النظام "الإسلامي" الذي خلف حكم أسرة الأسد، على هذه الركائز الوطنية المقدسة الأربع. أشك. لأنه لم يقل كلمة واحدة عند استهداف إسرائيل للقوات السورية الجوية والبحرية والمطارات ومخازن الأسلحة، وصمت كأنها لا تعنيه ولا تهمه. التراب الوطني لدى "الإسلام السياسي" رخيص، وقد قيل مرتين "طز في مصر"، وقرأنا في اليمن لمن سخر من حرص يمنيين على جزء من أرضهم قوله إنها "شوية تراب"، وسرعان ما تحول ذلك الشوية التراب إلى ثروة ضخمة في خزائنه.
إن أحمد الشرع الذي يقود سوريا بدون صفة رسمية، قال بصريح العبارة بأن سوريا "لن تنخرط في حرب أخرى"، و"ليس لدى الدول الأجنبية ما تخشاه من سوريا بعد الإطاحة بالأسد". الدول الأجنبية قصد بها إسرائيل حصريًا. هذا ليس سوى استسلام مسبق وقبول باحتلال الجولان وفلسطين ١٩٦٧ ومزارع شبعا اللبنانية.
ولا أستبعد أن تفاهمات ملزمة حدثت في غازي عنتاب بين أمريكا وتركيا والشرع، بهذا الخصوص، قبل هجمات ٢٧ نوفمبر، التي أطاحت بالأسد.
رئيس الوزراء محمد البشير جعل أولويته دعوة السوريين للعودة، ولم ينبس ببنت شفة عن تدمير قدرات سوريا العسكرية، وحتى الاستنكار صعُب عليه قوله.
بعد الانهيار المريع الذي لم يشهده نظام من قبل، حتى الذي تعرض لغزو وعدوان واحتلال أجنبي كالعراق عام ٢٠٠٣، وانهار بأيدٍ أجنبية، وليس من صنع داخلي كما حدث في سوريا من قبل الحاكم الهارب والحاكم الجديد غير المحارب.
جذور مخطط إسقاط نظام أسرة الأسد
حاول الغرب ترويض نظام الأسد بعد احتلال العراق، بحثه عبر رسوله توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، على الانفتاح الاقتصادي، أما السياسي فلم يكن مهمًا لديه، لأن الهدف كان انسياب مدخرات السوريين المعلنة والسرية إلى بنوك بريطانيا وأمريكا، وفي حديث مع بريطاني أثناء زيارة رئيس مجلس الشعب السوري للندن، قال إنه غير راضٍ عن الانفتاح السوري غير الكافي، لأنه لم يتضمن الحرية الكاملة لانتقال الأموال خارج سوريا.
بريطانيا كانت تريد أن تحل محل بيروت في استقطاب الأموال السورية المهربة من سوريا، وجلها أموال غير مشروعة.
بلير قام بنفس الدور في تدمير البرنامج النووي الليبي عبر تشجيع القذافي على الانفتاح، وزيارته كما زار بشار الأسد، وقد أكمل الرئيس الفرنسي ساركوزي المهمة عام ٢٠١١، بالمساهمة في إسقاط نظام القذافي.
إسرائيل بعد انتهاء خطر العراق عليها، قررت التخلص من خطر مجاور آخر، ونفذت واشنطن رغبتها بتبني سياسة تغيير النظام بدون غزو عسكري، وخصص بوش الابن عام ٢٠٠٦، ستة ملايين دولار للمعارضة السورية التي كان بعض رموزها من قيادات "ربيع دمشق" (٢٠٠٠-٢٠٠١) لإنشاء مركز دراسات برئاسة الدكتورة قباني، والمرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي لايزال يرأسه رامي عبدالرحمن.
ولأن تجربة تغيير النظام التي حدثت في العراق، لا يمكن تكرارها في سوريا بسبب التحالف السوري -الروسي، فإن تخليق وسائل أخرى لا يُعجز أمريكا وإسرائيل، وقد مكنهما بشار الأسد من تحقيق أهدافهما، وما هو أكبر منها، وهرب وترك سوريا "الأسد" تواجه مصير النعاج على يد أكثر من جزار.