صنعاء 19C امطار خفيفة

ثورات شبابية متجددة

إن غالبية البلدان العربية ابتليت منذ أربعة عقود بأنظمة فردية، ومليشيات قمعية، تسببت في نشوب ثورات شبابية، ثم تلتها ثورات شبابية جديدة لتصحيح المسار حتى ثورة سوريا في 8 ديسمبر 2024م.

 
ثورات شبابية بدأت بثورة الياسمين في 18 ديسمبر 2010م، في تونس، لم تحسن السلطات القمعية التعامل معها، واحتواءها على الأقل من جهة توظيف الشباب، وإنقاذهم من شبح الثالوث الرهيب: الفقر، والجوع، والمرض. وبكل أسف، كان الشباب يعاملون بكل قساوة في ساحات الكرامة: سحلًا، وقنصًا، وحرقًا، ورشًا بالمياه العكرة. وعلى الرغم مما كان يجري من قمع، فقد بقي الشباب مرابطين بالساحات، يرددون أهازيج مختلفة: "ارحلوا، ارحلوا، هرمنا، هرمنا".
ازدادت المظاهرات بتوافد مكونات سياسية منظمة، تمكنت من اختراق الساحات، واعتلاء سدة السلطة في تلك البلدان، ومع مرور الأيام، برهنت عمليًا أنها ليست البديل المناسب لحكم بلدانها.. وبالتالي، لم يعد بمقدورها أن تستمر، فسقطت أيضًا بثورات شبابية وشعبية جديدة.
وبالنسبة لليمن، فقد عاد النظام السابق بحزبيه: المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح، وبانضمام أحزاب ومكونات مدنية موالية لهما للحكم لمرحلة انتقالية، وذلك بتدخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لتهدئة الأحوال في اليمن. إلا أن الحزبين فشلا مرة أخرى في تسيير إدارة الحكم، إذ سادت الفوضى في البلاد، والمكايدات السياسية بين الشريكين اللدودين، وارتفعت أسعار الوقود، والمواد الغذائية، وهبط سعر الريال مقابل العملات الصعبة... الخ.
وبناء عليه، انهار النظام في اليمن، ودخلت البلاد في أتون صراعات داخلية وأطماع خارجية، والسؤال الذي يطرح نفسه دائمًا: اليمن إلى أين؟
 من ناحية أخرى، تمكنت مصر بعزيمة شبابها، وبحماية مؤسسة الجيش الوطني، بقيام ثورة شبابية جديدة في 30 يونيو 2013م، لإنقاذ البلاد من تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وسارت على دربها الجزائر في فبراير 2019م. وقد ساد الأمن، والأمان، والاستقرار في كلا البلدين، ودارت عجلة التنمية، وتحققت إنجازات مشهودة في جميع المجالات.
في واقع الأمر، إن رؤوس الأنظمة العربية العميقة حاولوا الصمود للعودة من جديد إلى السلطة والثروة إما حاكمين أو مورثين، إلا أن القدر لم يسعفهم. وبالتالي، تركوا وراءهم حروبًا أهلية، ونزاعات مناطقية، وأطماعًا خارجية.
ومن هذا المنطلق، أود أن أبين العامل الخارجي لسقوط الأنظمة العربية العميقة، أو ما كان يسمى الجمهوريات الملكية، على النحو الآتي:
إن العامل الخارجي أو "المخرج الأجنبي"، قد أخذ علمًا بسيكولوجية الحكام العرب -وهم صنيعته وعملاؤه- وأسهم في إغراقهم، وتشجيعهم على الفساد إبان أربعة عقود من الزمن، حتى أتته الفرصة السانحة للتخلص منهم، والسير في تنفيذ مخططه الصهيوني للسيطرة على المنطقة.
الجدير بالذكر، أن هذا المخرج كان مدركًا أن هؤلاء الحكام لن يقبلوا بالتنازل لأي مطالب تقدم لهم من قبل الشباب، وبخاصة بعد فترة حكم عبثية طويلة سادها الظلم، والقهر، الفساد. كما تمكن أيضًا من استخدام الضغط على الأنظمة من أية محاولة لقطع وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب، ناهيك عن تحذير الأنظمة من محاولة قمع المظاهرات، أو قتل المتظاهرين، والحث على تلبية مطالبهم، وإعطائهم حقهم في حرية التعبير.
ويستحضرني في هذا الصدد زيارة معالي وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، إلى المنطقة العربية، في بداية ثورة الشباب العربي، محذرة الحكام وبطاناتهم من محاولة التعرض للشباب، وإعطائهم الفرصة للتعبير عن آرائهم... الخ. كل تلك المسائل المذكورة قد أسهمت إلى حد كبير في انهيار الأنظمة العربية العميقة.
"ندم البغاة ولات ساعة مندم
والبغي مرتع مبتغيه وخيم"

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً