صنعاء 19C امطار خفيفة

سوريا الاستبداد والتدخل الأجنبي

حكم الغلبة وحق القوة سمة الأنظمة العربية عامة. كانت سوريا، منتصف خمسينيات القرن الماضي، على أبواب تحول ديمقراطي، ولكن عودة الانقلابات العسكرية، واستبداد «الشرعية الثورية»، وتغييب الشرعية الدستورية، أدى إلى «جملكية»، جديدة كتسمية الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل.

 
المنحنى الأخطر في الاستبداد هو توريث الحكم، وتغيير الدستور السوري في دقائق. انتُخِبَ الطبيب بشار أمينًا عامًا قُطْريًا خَلَفًا لوالده حافظ الأسد؛ ليصبح رئيسًا للجمهورية العربية السورية، وقائدًا عامًا للجيش السوري، وأمينًا عامًا لحزب البعث العربي الاشتراكي.
كان حافظ يعد ابنه باسل للوراثة، ولكن موته في حادث سير دفع ببشار لوراثة الجمهورية السورية، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والجيش السوري والشعب.
كان الإرث الوبيل الطغيان، وفساد الأسرة المالكة، والقبضة الحديدية على كل مفاتيح السلطة.
تسيد الطغيان والفساد، واشتد القمع والإرهاب، ومصادرة الحريات، واكتظاظ المعتقلات بالمعارضين.
كانت ثورة الربيع في سوريا في طليعة الاحتجاجات المدنية السلمية العربية، وعلى مدى سبعة أشهر ظل الشباب السوري يجوب الأحياء والقرى والمدن السورية، مطالبًا بالحرية والعدالة وسقوط النظام.
امتشق النظام سيف الإرهاب والعنف، ودفع الجيش والأمن، و«الشبيحة»؛ لقمع الاحتجاجات المدنية السلمية.
النظام الذي اشترك مع الحلف الثلاثي بقياده أمريكا للحرب على العراق، كان رأسه مطلوبًا لأمريكا وإسرائيل ودول الخليج.
تشاركت ثماني دول برئاسة أمريكا، ومشاركة بريطانيا، وتركيا، وإسرائيل، والأردن، والسعودية، وقطر، ورصدت عشرات المليارات لضرب الانتفاضة الشعبية، وتفكيك سوريا، وتأديب النظام وتحجيمه.
قاتل الإيرانيون وحزب الله إلى جانب النظام، وكان التدخل الروسي حاسمًا في حماية النظام والحيلولة دون سقوطه، وارتُكِبتْ جرائم الحرب، وضد الإنسانية، وهُجِّرَ آلاف الآلاف من منازلهم وأحيائهم وقراهم، ودُمِّرتْ عشرات ومئات الأحياء والقرى، وقُتِلَ الآلاف، وفَرَّ الملايين خارج سوريا.
 عسكر الحكم كل تفاصيل الحياة، ولعب تدخل التحالف الدولي دوره  في التشارك مع النظام في تدمير البنية التحتية، وتشريد الملايين (13 مليونًا) حسب الأمم المتحدة، وجرى تجنيد مئات الآلاف من مختلف بلدان العالم، وبالأخص من البلدان العربية والإسلامية، وبعض البلدان الأوروبية، وتجنيد الإرهابيين (جيش الدولة الإسلامية)، والنصرة، وهيئة تحرير الشام، وعشرات المسميات المصنفة إرهابية دوليًّا.
الهدف المعلن إسقاط النظام، والأساس ضرب ثورة الربيع، وتفكيك سوريا، واقتسام الوطن السوري تحت الهيمنة الإسرائيلية، والوجود الأمريكي، وخلق كيان للأكراد في مناطقهم، وتمدد تركيا في الشمال والغرب، وإعادة الصياغة على الأسس الطائفية والجهوية.
الانهيار الدرامي مرتبط بمرحلة بناء الدولة السورية منتصف القرن الماضي، ودور فرنسا وبريطانيا؛ فبعد فشل انقلابات حسني الزعيم، وسامي الحِناوي، وأديب الشيشكلي،  في القضاء على النهج الديمقراطي والدسترة، وعدم احترام الأقليات والتنوع والتعدد، واستبداد وفساد الشرعية الثورية، وتوريث الثورة والحكم والشعب، هو المصدر الأساس لما يجري اليوم.
لا يمكن التقليل من دور حزب البعث العربي الاشتراكي في مواجهة الرجعية والاستعمار، ودوره في الدفاع عن عروبة سوريا، والدفاع عن قضية فلسطين والأمة العربية، وقضايا التحرر في العالم، والدفاع عن الحرية والاشتراكية والوحدة، ونصرة الثورات العربية والتحرر الوطني، والإنجازات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأدبية.
ما ننتقده هو الانحراف، وتغييب الإرادة الشعبية، والقمع والاستبداد، وتوريث الحكم، والعجز عن حماية الوطن، والانقلاب على أهداف وقيم ومبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي.
الانقلابات العسكرية داء سوريا الوبيل. في أواخر الأربعينيات، وتحديدًا عام 1954، حدثت ثلاث انقلابات في عام واحد: حسني الزعيم، وسامي الحناوي -قائد الجيش، وأديب الشيشكلي، وكانت الانقلابات تعبيرًا عن صراع المستعمرين: الفرنسي، والبريطاني، وكانت الستينيات مصدر تندر بالانقلابات في سوريا.
الانقلاب الأخطر هو الانحراف عن مبادئ الحزب بتعيين بشار طبيب العيون رئيسًا للجمهورية السورية؛ وهو الذي ربما لم يكن عضوًا في الحزب.
المواجهة المسلحة مع الاحتجاجات السلمية أسقطت وإلى الأبد شرعية الحكم، ووضعت حكم العسكر والأمن و«الشبيحة»، خارج الشرعية.
ما يجري اليوم في سوريا هو إنهاء مرحلة بما لها وما عليها، وإعادة صياغة الحكم على الأسس الطائفية والجهوية، ومناطق النفوذ للمستعمرين الجدد، وقد يكون الأنموذج في سوريا أسوأ منه في العراق، والأهم التمزيق، وتفكيك المفكك.
ما يجري في سوريا ليس معزولًا عما يجري في أوكرانيا، وبالإعداد لضرب إيران، والمواجهة القادمة مع الأقطاب القادمة بزعامة الصين الشعبية، ونحو شرق أوسط جديد، وتكون الكارثة أسوأ من 1948 وما سبقها وما تلاها.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً