صنعاء 19C امطار خفيفة

معركة الشارع ضد قاسم الباصق!

2024-11-28

يعد المشي من أفضل الرياضات المساعدة على التأمل. على سبيل المثال مشي حارتين في أحياء صنعاء، كفيل بجعلك تفكر: لماذا تعاني بلادنا من الجفاف رغم هذا الكم الهائل من البصاق؟ 75% من الجسم البشري يتكون من الماء، ويبدو أن نسبة كبيرة منه تنتهي على الأرصفة! سيدخن اليمني سيجارته بنهم، ويعلك الشمة بحماس، ثم لن يتورع عن نشر أعماله الفنية في كل زاوية وركن كتوقيع خاص؛ "قاسم الباصق" مر من هنا!

ومن المفارقات العجيبة أن هذه العادة المثيرة للاشمئزاز رغم شيوعها، إلا أنها ليست عادة محلية، بل صُدّرت إلى العالم من الولايات الأمريكية حين تطور إنتاج التبغ القابل للمضغ بمساعدة الآلات، وتحول إلى صناعة ضخمة في القرن الثامن عشر.

قد يتسبب استنشاق الدخان الناتج عن السجائر، بتنشيط الجهاز المناعي، مما يؤدي إلى تراكم البلغم، إلا أن مضغ التبغ تسبب بوباء هائل في أمريكا الشمالية، انتشرت بسببه "أوعية المباصق" أو "المتفل" من أوروبا وحتى فيلادلفيا، ولكنها لم تتمكن من احتواء الوباء. مادام الناس يعلكون التبغ بشراهة، لن يسعك إلا أن تجدهم يبصقون في كل الزوايا، ويلوثون ملابسهم والمقاعد العامة والسجاد. وهكذا، امتلأت الصحف بالمقالات الساخرة الغاضبة، وتم منع إدخال التبغ إلى الكنائس، وبدأت الظاهرة تقابل بالرفض من قبل المثقفين. أما النساء فاشتكين من اتساخ فساتينهن الطويلة، ما أدى إلى ظهور "الفستان الميدي"، الذي أصبح رمزًا للأناقة العملية، وأسلوبًا محافظًا في الوقت ذاته، إذ يصل طوله إلى أسفل الركبة، ولكنه لا يلامس الأرض الملوثة.

إلا أن ما يبدو كظاهرة مزعجة مثيرة للاشمئزاز، بالحقيقة يتجاوز التلوث البصري بكثير، هذه البقع الصغيرة على الأرض هي قنابل جرثومية موقوتة!

بدأ الامر حين لاحظ الأطباء أن مرضى السُّل الذي فتك بالأمريكيين، يعانون من السعال والبصق الدموي. وفي عام 1882، اكتشف العالم روبرت كوخ البكتيريا المسببة للسُّل. وفي ضوء هذا الاكتشاف، أدرك العلماء أن البكتيريا تنتقل عبر الهواء عندما يسعل أو يبصق الشخص المصاب، وأن الجزيئات الصغيرة من اللعاب أو الدم المتناثر يمكن أن تظل في الهواء لفترات طويلة.

لا يقتصر الأمر على السُّل فقط، بل يشمل كل الأمراض التي تنتقل عبر الهواء أو رذاذ المرضى، من الهيربس وحتى كوفيد19.

وهكذا في عام 1896 أصدرت نيويورك أول قانون يحظر البصق في الأماكن العامة، وفرضت غرامات تتراوح بين 1 و5 دولارات، مع عقوبات قد تصل إلى السجن. في البداية، تلقت ردود فعل عنيفة وساخطة، ومع مرور الوقت، وبفضل تطور صناعة السجائر، بدأت هذه الظاهرة بالتلاشي أخيرًا.

كاريكاتير باقي التوقيع يا عاقل

وهنا يلح علينا السؤال: في غياب القانون، كيف نحول "قاسم الباصق" إلى مجرد "قاسم"؟

رغم أننا نعيش في ثقافة شعبية كاسحة من مضغ القات، وعلك الشمة والتمباك، وتدخين كل ما هو قابل ليُدخن، ومع ذلك لم نرَ أحدًا يبصق في بيته. المشكلة تكمن في الفكرة الشائعة: "البيت حقنا، لكن الشارع مش حقنا!"، حتى لو نشرنا المتافل في كل زقاق وعلقنا فوقها اليافطات الكبيرة "ابصق هنا!"، فلن يغير ذلك من الأمر شيئًا.

مادام اليمني يرى البصق حقًا من حقوق الإنسان، فلن يردعه أي منديل، وهنا أخي الطيب يجب أن تتحمل مسؤوليتك المتمثلة بنشر الوعي وحفظ الصحة العامة، وتواجهه بلطف، ولكن بحزم: "بعد إذنك، لو مفيهاش إساءة، ممكن ترحم أمنا؟".

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً