تُلحُّ على عقلي رغبةٌ جارفة في البوح تصيب أصابعي بالحِكَّة. أبحث عن فضاء أبيض؛ فينخرط قلبي في الغناء، والبكاء، والألم، والضحك دُفعةً واحدةً!
تنسرب الأفكار وتتوالى الكلمات قطرةً قطرة؛ لتصبح سيلًا شرسًا يكتسح كل ما حوله دون تمييز.
أريد أن أكتب لوعتي، وخوفي، ورغبتي، وجزعي، وخفقان قلبي، وفراشات عمري التي تطير بِخفَّة وسُرعة في اتجاه واحد فلا تعود، ولا يبقى منها سوى ذكرى.
أريد أن أدوِّن كل الأحلام التي ماتت والتي مازالت حية لم تمت بعد؛ كل الأغاني التي نسيتها أو تلك التي تقاوم النسيان؛ كل الألحان الغثَّة والباردة، أو تلك الموسيقى الدافئة التي سكنت خاطري وخفق لها قلبي؛ فسارت بي مغمضةَ العينين نحو فرحٍ ما ينتظرني.
ما أعذب تلك الموسيقى التي تغسلني بمزن المحبة والرضا، وتهبني أجنحتها لأطير نحو عوالم مختلفة وجديدة لم يسبق لي أن اختبرتها أو جبتها من قبل.
تلك الموسيقى التي لم تخني يومًا ولن تفعل! سأحمل سِرَّها، وأحفظ عهدها في سويداء قلبي، ولو في لحظة فناء عند سماع أنغامها الموقَّعة والساحرة.
أريد أن أكتب وأخاف أن أكتب!
هذا الشعور الذي لايزال يساورني بانتقاد شخص لا يعجبه فني، أو طريقة رسمي. تلك الخشية من أن تظهر الوحوش التي تصطرع بداخلي، وأن أُدان بحب بلاد لا يحبها بنوها!
لكأنَّ الأوراق أكفاني، والكلمات مذبح قدسي، والحبر قربانٌ من دمي. تشبه الكتابة موتي المؤجل؛ موتي الذي أريدهُ حادًا وقاتمًا، أريده موتًا صاخبًا كأمواج بحر، موتًا غير متأنٍّ، موتًا خاطفًا لا يداهن، وإنما يدهمني كقطارٍ مجنون.
أريد أن أصبح قربانًا لروح تخاف أن تحيا حتى الشيخوخة، فهل هناك أعجب من طفلة شقية ملأى بالندوب، والحب والكراهية، والحزن والفرح؟!
امرأة تمسك العالم بين يديها، ولا تنال سوى بضع رشفات من خمرته.
أريد أن أصنعني قربانًا لي؛ أنا ربَّةُ ذاتي!
صنعاء - 2021م