صنعاء 19C امطار خفيفة

مرة أخرى: لبنان فلسطين ثانية وغزة جديدة

للأسبوع الثاني على التوالي يواصل الجيش الإسرائيلي قصفه المتواصل على جنوب لبنان والضاحية الجنوبية؛ ليمتد إلى بيروت ومدن ومناطق لبنانية مختلفة؛ وهو نفس ما يقوم به في غزة والضفة الغربية.

 
 
ولأكثر من أسبوع يحاول هذا الجيش اجتياح الجنوب اللبناني دون إحراز أي تقدم. ظن اليمين الصهيوني القدرة على القضاء على حماس في أسابيع؛ مسنودًا بالقوة الأمريكية، وطائراته فائقة القدرة، وأقماره الصناعية التي ترصد وتصور كل شيء في غزة- تلك البقعة الضيقة والمحاصرة لما يقرب من سبعةَ عشرَ عامًا.
 
رغم التدمير الشامل، وحرب الإبادة، والحصار الكلي والشامل، وتقتيل عشرات الآلاف، وإصابة أكثر من مائة ألف غالبيتهم من النساء والأطفال والعجزة، وانقضاء العام على العمليات العسكرية- لم تستطع إسرائيل تحقيق أي هدف من أهدافها المعلنة، وهي: عودة الأسرى، والقضاء على حماس، وتأمين إسرائيل.
 
أما أهدافها غير المعلنة، وهي الأهم، فطرد الغزيين إلى سيناء، وسكان الضفة الغربية إلى الوطن البديل (الأردن)، ومن ثمَّ إقامة الدولة اليهودية الكبرى، لكن الغزيين لا يزالون مغروسون في تربة أرضهم، ولا تزال المقاومة ثابتة على أرضها تقاتل.
 
هرب اليمين الصهيوني وجنرالات الحرب من الفشل الذريع في السابع من أكتوبر، والعجز عن تحقيق أيِّ هدف من الأهداف المعلنة في الحرب على غزة- إلى الحرب على لبنان!
 
لكنَّ الأمر مختلف تمامًا في لبنان؛ فالإعداد للحرب ضد حزب الله يعود إلى عام 1982، وقد أجبرت إسرائيل على الانسحاب من بيروت، وهربت قوات المارنز الأمريكية بعد المقتلة الشهيرة التي لحقتهم والخسائر التي تكبدوها.
 
مرةً أخرى في العام 2006 كان الإعداد لتصفية حزب الله جاهزًا، وكان انغماس الحزب في الصراع الداخلي، والتدخل في سوريا، والدفاع عن المتهمين في تفجير مرفئ بيروت، والتماهي مع القرار الإيراني- مهَّد أو سهَّل الاختراقات في تفجير البيجرات، واغتيال قيادات مهمة، وصولاً إلى اغتيال الأمين العام؛ فانفتحت شهية إسرائيل متوهمةً أن حزب الله قد تمَّ القضاء عليه.
 
الانتصارات الأولية في غزة رفعت أسهم نتنياهو وفريقه اليميني الليكودي، والأحزاب الدينية الحليفة له، إلا أنَّ مضي الأيام والأسابيع والشهور أعادت نتنياهو والجنرالات العسكرية والأمنية إلى دائرة الاتهام، ومربع الفشل؛ فكان الهروب إلى حرب لبنان، وتكرر المشهد نفسه، وإنْ بصورة أكثر درامية.
 
الانتصارات الخاطفة لإسرائيل باغتيال المئات من حزب الله عن طريق تفجير البيجرات، واغتيال الرجل الثاني بعد حسن نصر الله فؤاد شكر وعشرات من القيادات، وبالأخص قيادة الرضوان- القوة الرئيسية في الحرب، ثم القصف المتواصل على المواقع، وتتابع الاغتيالات الدالة على خطورة الاختراقات- ضاعفت من وتيرة الحماس الشعبوي المسكون بالحرب والمتعطش للانتقام ضد الشيطان الفلسطيني واللبناني.
 
جاء الرد من حزب الله، وإنْ بدا متباطئًا؛ بيد أنه في الأسبوع الأخير أخذ يزداد ويشتد، ويصل إلى مناطق الخطورة. فالضربة الموجهة لتجمع معسكر الجولاني- القوة الأولى في الجيش الإسرائيلي، ومقتل وإصابة العشرات من الضباط والجنود الإسرائيليين كبحت جماح إسرائيل.
 
إنَّ مثل هذه العمليات كفيلة بإعادة النتنياهو وقادة حربه إلى مربع الخيبة، ووعيد السجون، وتؤذن بنهاية غطرسته، وقد يهرب من ورطته إلى توسيع نطاق الحرب باستهداف إيران!
 
عوَّلَ قادة حرب إسرائيل على تركيع المقاومة في غزة بالانتصار عليها وعلى حزب الله في لبنان، وتعزيز هذا الانتصار بضرب إيران، واخراجها من المعادلة، لكن صمود وصبر الغزيين، واستمرارهم في المقاومة، وتصاعد المواجهة مع حزب الله، وإفشال اجتياحه للجنوب الذي خبره اللبنانيون أكثر من مرة- أثبت تهافت وزور هذه الأماني.
 
 يعرف اللبنانيون -كالإسرائيليين- أن اجتياح الجنوب مآله الخيبة والفشل، وقد جُرِّب مرتين؛ أما رهان الجنرالات على تدمير وإحراق كل شيء، وتهجير السكان الذين وصلوا الآن إلى أكثر من مليون ومائتي ألف نازح-فالغاية منه تفجير الوضع في لبنان.
 
تتصاعد المطالب الإسرائيلية بمقدار ما تتصاعد الحرب وتمتد؛ فقبل بدء الحرب كان المطلب عودة المهجرين من الشمال الإسرائيلي إلى منازلهم، وانسحاب حزب الله إلى جنوب الليطاني حسب القرار الأممي 1901، ولكنها الآن، ومعها أمريكا، تطالب بتشكيل الرئاسة في لبنان قبل أي شيء، والانسحاب إلى نهر الأولي، وسحب سلاح حزب الله؛ وهي مطالب بعيدة بُعْدَ الانتصار نفسه.
 
ربما تراهن إسرائيل وأمريكا، والأخيرة بشكل أكبر، على تفجير الأوضاع الداخلية في لبنان، وخضوع النظام اللبناني وأطراف سياسية طائفية للضغط الأمريكي والأوروبي والعربي؛ تلبيةً للمطالب الإسرائيلية- الأمريكية- الأوروبية؛ وهي مطالب القُوى الطائفية المعادية لحزب الله، والصديقة لأمريكا وإسرائيل.
 
لا مجدَ لنتنياهو وفريقه غير الحرب؛ فالحرب هي الرئة التي يتنفسون منها، واذا ما خسروها؛ وهو احتمال باتت مؤشراته واضحة؛ فإنَّ البديل للحرب هي المحاكمة والسجن.
 
نتنياهو هاربٌ من تهم الفساد، وهو مع جنرالات حربه، ضالعون بالفشل في حماية إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وقد يتحملون مسؤولية جرائم حرب الإبادة، وجرائم حرب، وضد الإنسانية.
 
لا يستطيع جنرالات الحرب حسم المعركة في لبنان، كما أنهم لم يستطيعوا حسمها في غزة أو الضفة الغربية، وقد تكون الضربة المتوقعة ضد إيران فاتحةً لحرب أوسع وأشمل!

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً