من الجدير بالذكر ، أن الخطاب الذي القاه الرئيس الأميركي جو بايدن، في مقر الإدارة الأميركية، عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية بتاريخ 5 يناير 2021م، شمل استعراضًا سياسيًا لبرنامج عمله لفترة أربعة أعوام قادمة، ومن بين القضايا المهمة المطروحة كانت دعوته لوقف الحرب في اليمن، وتحريك الملفات الساخنة في المنطقة من إيران إلى اليمن.
إن الأهمية التي توليها الإدارات الأميركية المتلاحقة في الشأن اليمني، لم تأتِ من فراغ، وإنما لاعتبارات دقيقة نابعة من اهمية موقع اليمن الاستراتيجي الذي تمخر عباب مياهه ناقلات النفط والغاز العملاقة، وربع التجارة العالمية، فضلًا عن الأساطيل والبوارج العسكرية.
كل تلك المزايا، جعلت من اليمن قبلة الأنظار، في وقت ينشغل أهلها في الصراعات الجانبية للاستحواذ على السلطة والثروة، مما سهل توصيفها عالميًا، "اليمن جوهرة في يد فحام".
وفي السياق نفسه، تبرز أهمية اليمن منذ آلاف السنين كمعبر حيوي لتجارة الحرير من الصين شرقاً، الى اليمن غربًا، حتى أوروبا شمالًا، ثم العودة دون عوائق تذكر.
لذلك، تحاول الصين حاليًا إحياء طريق الحرير بالوسائل التكنولوجية الحديثة بعد خمسة آلاف عام خلت، كمشروع عملاق يضمن لها التفوق العالمي اقتصاديًا.
في واقع الأمر، إن الولايات المتحدة الأميركية تعمل منذ ثلاثة عقود للحؤول دون الهيمنة التجارية والاقتصادية للصين، أو إحرازها قصب السبق في التفوق الاقتصادي العالمي.
ولا ننسى أيضًا أن المنطقة وصياغتها لن تكون خارجة عن الاستراتيجية الأميركية لمشروع القرن، والحد من تفوق المارد الصيني.
وإزاء هذه المسائل مجتمعة، فإن اليمن خاصة، والمنطقة عامة، تعد ساحة صراع لأطماع ومشاريع إقليمية ودولية، جعلها عرضة للاستهداف الماسوني الصهيوني التوسعي، بدءًا من غزة المكلومة والضفة الغربية والقدس الشرقية، الرامي لتصفية القضية الفلسطينية، وتنفيذ المقولة الباطلة، "إسرائيل من النيل إلى الفرات".
وفي سياق آخر، إن العالم سيشهد إدارة أمريكية جديدة بعد أربعة أشهر، في مقدمة مهامها الرئيسة استكمال عمل الإدارة السابقة بقدر الممكن، وبما يتواءم ومشاريع الصهيونية التوسعية الجديدة المرسومة لهذا القرن في جميع أنحاء المعمورة.
إن الأمر الأهم والمقلق للإدارة الأميركية في المنطقة في الوقت الراهن -حسب ما يتردد من مسؤوليها- يتمحور حول مسألتين:
1. "مسألة النووي الإيراني" الذي بات يؤرق إسرائيل ودول أوروبا الغربية.
2. مشكلة الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيرة التي تزود بها إيران حلفاءها في المنطقة.
يقينًا، إن دور إيران في المنطقة لن يكون بمعزل عن روسيا الاتحادية، والصين، ومحور "مجموعتي شنغهاي والبريكس"، في المستقبل، (كدولة عضو)، وبما يفهم منه أن التنافس الحاد في المنطقة استراتيجي واقتصادي.
وعلينا أن ننتظر ما سيترتب عليه الحراك السياسي الأميركي للإدارة الجديدة، رغم أنه لا فرق في الأهداف والاستراتيجيات للإدارتين أو الجناحين الصهيونيين ومنظورهما الدولي الشامل.
على الصعيد الداخلي لليمن، فإن الشعب اليمني لم يعد يحتمل كوارث الحروب، فقد "أناخ عليه البؤس بكلكله". أسفًا، إن اليمن تعيش في مأساة لم يسبق لها مثيل في تاريخها، وهي البلاد الأقدم والأعرق بين أمم الأرض قاطبة.
والسؤال الذي يطرح نفسه، موجه لمجلس الأمن، والأمم المتحدة، والعالم الحر: هل ما يجري في اليمن هو تفسير لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، المتعلقة بالسيادة اليمنية ووحدة أراضيها، واستقرارها؟
حقًا، إن وضع اليمن أصبح حاليًا بحاجة ملحة إلى الخروح من النفق المظلم الذي يعاني منه الشعب.. ويفترض من الأحزاب، وشرائح المجتمع على مختلف مشاربها السياسية، والدبلوماسية، وأساتذة الجامعات، والنخب المثقفة، الاحتكام إلى العقل، والضمير، والمنطق، وتناسي الخلافات، والنأي بالنفس عن الأنانيات، للاتفاق على كلمة سواء، ومباركة أي اتفاق داخلي أو خارجي يلم الشمل، ويضمن حقوق الشعب اليمني ووحدته وأمنه واستقراره. فالوطن سيظل عزيزًا وغاليًا على شغاف قلوبنا، وعقولنا، ونفوسنا، ولن نفرط بشبر منه كحق كفلته الشرائع السماوية، والقوانين الوضعية، والنواميس الكونية، لا شريعة الغاب مطلقًا.
رحم الله الشاعر العراقي معروف الرصافي، القائل:
أما آن أن تنسى من القوم أضغانُ
فيبنى على أس المؤاخاة بنيانُ؟
حفظ الله اليمن وأهلها.