في الصباح، يتنفس الهواء كأنه يحمل ذاكرة لا تشيخ. كل شيء هنا مغطى بغبار الأيام، غبار الحرب. هل نسي العالم؟ أم أننا هنا نعيش في زاوية منسية، بين حدود الخوف وخرائط الغياب؟ لا شيء في هذا المخيم يشبه البداية، ولا شيء هنا يعِد بنهاية.
في المخيم، الزمن يتحرك ببطء، كأنما هو سجينٌ في ساعة مكسورة. تمر الساعات كما لو أنها لا تأتي من المستقبل، بل من ذاكرة لم تعد تنبض بالحياة. المخيم ليس مكانًا، بل حالة من الترقب الأبدي، انتظار غدٍ لن يأتي كما نتمناه.
هنا، كل شيء مكرر: رائحة الخبز المحترق، صوت الأمهات يندبن الغياب، وشوارع المخيم التي لا تعرف سوى أقدام تعثرت بأحلامها. في خان يونس، الجدران لا تحفظ الأسرار بل تفضحها؛ كل جدار يهمس باسم غائب، وكل ركن يئنّ تحت وطأة انتظار لا ينتهي.
أكتب لأني أخاف أن أنسى. أخاف أن تبتلعني هذه الذاكرة كما تبتلع البيوت المهدمة ساكنيها. أكتب لأبقى، لأزرع الكلمات مثل شجيرات صغيرة في صحراء الوجع. أكتب لأن الكتابة هي النافذة الوحيدة التي ما زالت مفتوحة على هذا العالم الضيق. نحن هنا لسنا مجرد نازحين، نحن ذاكرة مُهملة على رفِّ الحياة، ننتظر من يعيد قراءتنا.