صنعاء 19C امطار خفيفة

سبتمبر

خوفًا عليه، وعلى غير العادة، بدأ التذكير هذا العام لأول مرة في غرة سبتمبر، بثورة سبتمبر ١٩٦٢ التي وئدت مبكرًا، وأجبِرت على التنحي، وسمحت لكثيرين من طلاب الثروة وليس الثورة، بنهش لحمها. بعض الناهشين يتغنون بها اليوم من موقع حرص لا يقنع أحدًا لولائهم المعلن لمن حوّل جمهوريتها إلى نظام متعدد المثالب، ومنها الفساد غير المسبوق، والدولة الهشة الفاشلة، وثالثة الأثافي التوريث.

 
عن الفساد، أي سرقة المال العام، ينص قانون قبلي على ما يلي: "تُغرّم السرقة بين رجال القبائل أربعة أضعاف سواء كان المسروق كثيرًا أم قليلًا" (الدولة والقبائل في تاريخ اليمن الحديث، بول دِرش، ترجمة: د. علي محمد زيد، صفحة ٣٤٣).
 
من أقصده كان يردد أنه قبيلي، وأننا شعب من القبائل، ولكنه تجاهل كلية قانونه هذا، ولم يحترم القسم الذي ردده تسع مرات بالحفاظ على مصالح الشعب. لا ينكر أحد أن سبتمبر كان خلاصًا من ماضٍ يعرفه الكل، ولكن هذا الماضي تواصل بأشكال جمهورية، ومن يتغنى بسبتمبر مطلوب منه أن يحدثنا عن مواقفه من قمع وسجن وتعذيب المخالفين السياسيين، وإخفاء بعضهم قسريًا، وأولهم مطهر عبدالرحمن الإرياني، المخفي قسرًا منذ عام ١٩٨٠، ومن الفساد، ومن الاغتيالات التي قاربت الثلاثمائة لشباب كل ذنبهم أنهم كانوا يريدون يمنًا سبتمريًا -أكتوبريًا حقيقيين، وليس شكليين، ومن شهداء ثورة ٢٠١١، وعلى رأسهم من استشهدوا في مجزرة جمعة الكرامة بساحة التغيير بصنعاء، في ١٨ مارس ٢٠١١. هؤلاء هل نددوا بمن قال من كتب لُبِج التي قيلت بعد اختطاف الراحل أ.د. أبو بكر السقاف، وتعذيبه ورميه في الخلاء؟ الخائفون فعلًا من الردة هم الثوريون الحقيقيون الذين بذلوا أثمانًا باهظة من أعمارهم في السجون، ومن أمان ومستقبل أسرهم. أما غيرهم فخوفهم على سبتمبر زائف، ومرتبط بمصالح غير مشروعة تحققت لهم في العهد البائد الثاني.
 
من ناحية ثانية، عندما يهل أكتوبر لا يظهر هؤلاء نفس الغيرة عليه، وينسونه. أما المنجز التاريخي لسبتمبر ولأكتوبر معًا، وهو الوحدة، فيربطونه بمن قضى عليه عن عمد وسبق إصرار، بتحالفه مع قوى قبلية وإسلاموية محافظة، لم تكن مع التحديث وحق اليمنيين في التغيير، ووقفت مع التنظيم الأم في مصر ضد سبتمبر منذ أول لحظة.
 
لا شك أن سبتمبر وأكتوبر والوحدة واليمن ككل في منعطف خطير ومستقبل مقلق ليس من فاعل واحد كما يحلو للبعض، ولكن من أطراف متعددة بعضها يتنكر ليمنيته. وكواحد من المتفائلين لديَّ قناعة بأن العودة إلى الخلف مستحيلة، لأن مستقبل ومصلحة اليمنيين هي في التغيير، وفي الدفاع عن أعمدة الوطنية اليمنية الثلاثة: سبتمبر، أكتوبر، والوحدة.
صحيح أن تطورات سلبية محبطة قد حدثت منذ الانقلاب الثنائي عام ٢٠١٤، الذي يصر البعض على اختلاق تاريخ ناقص له بحصره بطرف واحد. الانقلاب الثنائي سبقته ثورة ٢٠١١ التي من أهم إنجازاتها القضاء على نظام التوريث، وهذا هو أحد أسباب من يصف الربيع العربي بالربيع العبري.
من علامات القلق الأخرى على سبتمبر، التي لا ترتبط بحلول ذكراه، ويعبر عنها في الأعراس اليمنية في مصر، على سبيل المثال، في الوقوف إجلالًا للسلام الجمهوري -الوحدوي، وترديد الحضور كلمات السلام بخشوع، وبخاصة: "لن ترى الدنيا على أرضي وصيا"، وهو ما يعني أن الراحل الفذ الفضول رفض باسمنا ونيابة عنا، قبل حوالي خمسين سنة، أن تكون اليمن حديقة خلفية يعبث بها الغير. بعض الحضور يردد النشيد بحماس، ولكنه يغمض عينيه عن دوره في تدمير ثورتي سبتمبر وأكتوبر والوحدة. أما من يغردون: دمت يا سبتمبر التحرير، فقد وقفوا ضد مناضلين من أجل الحرية، إن لم يكونوا وشوا بهم، وكانوا جزءًا من منظومة فساد شامل. وعندما يطالب هؤلاء بتطبيق القانون القبلي وحده على لصوص المال العام، فلا حجر عليهم عندما يرددون دمت يا سبتمبر التحرير.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً