لم أرَ في حياتي كاتبًا متشقلبًا ومتلونًا مثل سعيد عولقي، ومع هذا نظل نلتمس له نوعًا من التقدير أولًا لأنه كبير في السن، ونحن نحترم كبارنا، وثانيًا لأنه رجل مسرحي بارز بدأ حياته في المسرح، إلا أنه مايزال كما يبدو يعتقد أن ما يصلح في المسرح من فهلوات وأكشن، يمكن أن يصلح في السياسة أيضًا.
العولقي يتباكى اليوم على الجنوب العربي وهو يكتب مقالًا عن الرئيس القائد قحطان الشعبي، ويقول إن قحطان هو من طعن الجنوب العربي ودمره، هذا كلام العولقي في مقال بصحيفة "النداء"، بتاريخ 24 اغسطس 2024، طبعًا رغم أن ما يقوله العولقي فيه ارتداد عن ميوله وتوجهاته السابقة، إذ كان ذلك الشاب اليافع الأكثر حماسًا ربما من قحطان نفسه، وهو يعمل في توزيع المنشورات الخاصة ضد الإنجليز كغيره من شباب المدارس آنذاك، إلا أني سوف أوضح له الأمر، من منطلق أن قرار الجبهة القومية كان جماعيًا وليس فرديًا، وأن الرئيس قحطان الشعبي كان قد تقدم بثلاثة خيارات لقيادة الجبهة القومية آنذاك: الأول، أن يكون اسم دولة الجنوب الوليدة، باسم دولة الجنوب العربي، وثانيًا باسم دولة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وثالثًا باسم دولة حضرموت، فتم رفض الخيارين الأول والثالث، واختيار الثاني، من قبل القيادة الجماعية للجبهة، وما كان على الزعيم الشعبي إلا أن يستجيب لأن القرار في الجبهة جماعي، هذا أولًا.
ثانيًا يقول عولقي إن مقاله عدواني ضد قحطان، وهذا واضح وصريح، ولا يحتاج تحليلًا، وذلك لأن العولقي ربما يعيش أوضاعًا صعبة كحال أهل عدن هذه الايام، في ظل الحكام الجدد، لكن لن يكون ذلك مبررًا للهجوم على قحطان الشعبي، واعتباره سببًا لما يحدث اليوم، وهو الرجل النزيه والشريف الذي سلم السلطة وغادرها طوعيًا، وهو لا يمتلك حتى مسكنًا ليعيش فيه أولاده.
الشيء الآخر موضوع القطن الذي أشار إليه عولقي في المقال، إن قحطان قام بسرقة أمواله والهروب للشمال، وتحديدًا تعز، فهذه كذبة كبيرة جدًا، ذلك حتى الإنجليز أنفسهم كانوا يعترفون لقحطان بالنزاهة والشرف، وهو خصمهم اللدود، وكذا السلطنة العبدلية في لحج التي عمل قحطان لديها وزيرًا للزراعة، وكان أنجح وزير على الإطلاق، وشهدت زراعة القطن في عهده تطورًا كبيرًا ومذهلًا، حتى إنه -أي قحطان- طلب من الشاعر الكبير عبدالله هادي سبيت، أن يعد قصيدة عن القطن في ذلك العام من الستينيات، فكانت أغنية "بانجناه الذهب لبيض.." إلى آخره، وغناها الكثير من الفنانين منهم محمد مرشد ناجي، وفيصل علوي وآخرون، واشتهرت الأغنية في ظل ازدهار زراعة القطن آنذاك في المحروسة لحج، تحت قيادة الوزير آنذاك قحطان محمد الشعبي.
ويبدو من هنا أن عولقي استند في هذه التهمة على قحطان من كتب أصحاب جبهة التحرير أو الرابطة، ومنهم عبده حسين الأدهل، الذي ألف كتابًا يهاجم فيه قحطان وفيصل خصيصًا، ويسفه تاريخهم دون أدلة أو براهين، غير نوع من الانتقام والمكايدات.
على العموم، سوف نعذر العولقي في هذا الوضع الملخبط جدًا، ولحالة الإحباط التي يعيشها، والتي تخلي الواحد أحيانًا يكفر بما يؤمن به.
أما قحطان فسيظل رمزًا تاريخيًا وبطلًا قوميًا، له أخطاء بحكم المرحلة والنضال، وله إيجابيات عديدة، لكن لا ينبغي تحميله ما يحدث اليوم أو ما حدث في السابق، فقد ظلم قحطان كثيرًا، وما حدث له مع الشهيد فيصل عبداللطيف، هي مؤامرة خارجية نفذتها أيادٍ داخلية خوفًا من مشروعهم الوطني الكبير في الجنوب آنذاك، ولو كان قحطان من أولئك الأطفال لما مسه شيء، ولظل رئيسًا حتى يتوفاه الله، لكنه آثر تقديم استقالته على أن تراق قطرة دم واحدة في عدن والجنوب... فمن يجرؤ على فعل ذلك اليوم يا سعيد عولقي هداك الله وعافاك؟
أما بخصوص ثورة أكتوبر، فقد قلت إن الموضوع كان عبارة عن قطع طريق، ولم يكن حدثًا يرتقي لمستوى ثورة، وبهذا أسأت لكل الثوار بمن فيهم لبوزة وغيرهم، ولكل الجنوبيين، وليس المجال هنا يتسع للنقاش والجدل أكثر، وسوف نترك الرد في هذا الموضوع لكل الكتاب والمثقفين الجنوبيين، ومن ضمنهم قيادات وكوادر الحزب الذي ينتمي إليه العولقي، وهو الحزب الاشتراكي.