صنعاء 19C امطار خفيفة

مقال في 18 فبراير 2015: في صنعاء تتقرر الوجهة: إلى قلب العصر أم إلى ظلمات التاريخ؟

من ثورة اليمنيين واليمنيات في 2011 إلى حروب الاسترداد في 2015!

2024-08-24

وضع المبشرون كيان الدولة على طاولات موفنبيك، فاجتاحت جماعات التطرف والتعصب الحواضر اليمنية!

تبدو صنعاء قبل 50 عامًا مدينة على هامش التاريخ في الفيلم الوثائقي القصير الذي تجدون رابطه أسفل المقال. مدينة من القرن الـ19 لا القرن الـ20.

مدينة نسيها الزمن عالقة في القرون الوسطى، تتنازعها حروب "العقيدة" و"القبيلة" و"الغنيمة"، باستعارة ثلاثية محمد عابد الجابري في "نقد العقل العربي".

لكن قفزات هائلة حدثت في العقود الخمسة الماضية، جعلت من صنعاء عاصمة يمنية بالحجم والسكان والدور والتأثير. جعلتها مدينة اليمنيين جميعًا، والصورة المصغرة لليمن الكبير على الرغم من كل التحفظات التي تقال دائمًا حول محيطها القبلي، والتركيز العاصمي البيروقراطي للسلطات المتعاقبة، والتحريف في وظيفتها الوطنية، كعاصمة تحفز على الاندماج الوطني لا كـ"عاصمة بلد شقيق" على حد تعبير شهير لمثقف يمني بارز من عدن عقب حرب 1994.

منذ سبتمبر الماضي وفكرة نقل العاصمة السياسية للجمهورية اليمنية من صنعاء إلى مدينة أخرى مثل عدن أو تعز، تكسب المزيد من المؤيدين، في ما يشبه اليأس من العاصمة التي وقعت بسهولة في قبضة عبدالملك الحوثي الذي بات في "خريف الربيع اليمني" صاحب الكلمة الفصل في قرارها.

لكن نقل عاصمة في بلد يتفكك وفي مجتمع يعاني من الدوار (الوطني والسياسي) جراء الخيارات الانقلابية والرومانسية لنخبه السياسية، هو أمر خارج أي تصور إلا إذا تابع خط الأزمات في اليمن الصعود إلى هاوية الاقتتال الأهلي.

مصير صنعاء هو الذي يقرر مصير اليمن في السنوات المقبلة.

لا يمكن تصور "يمن ديمقراطي آمن ومستقر" بدون صنعاء كعاصمة حرة في قرارها، لا رهينة خطفتها جماعة مسلحة لتبتز اليمنيين بها.

لقد سادت تصورات رومانسية خلال المرحلة الانتقالية بشأن كيان الدولة، حجبت الرؤية عن سلطة الوفاق المنبثقة عن المبادرة الخليجية التي كانت مطالبة بإنجاز مهام انتقالية تتضمن معالجة قضيتي الجنوب وصعدة، ثم التهيئة إلى وضع دستوري مستقر عبر انتخابات عامة، رئاسية وبرلمانية، في فبراير 2014.

انطلاقًا من وهم الفرصة التاريخية السانحة لتغيير موازين القوة في اليمن عبر تحقيق انقلاب على شكل الدولة، قرر الرئيس هادي وقادة المشترك أخذ كيان الدولة معهم إلى فندق 5 نجوم في العاصمة، ليكون مطروحًا للنقاش جنبًا إلى جنب مع النظام السياسي.

كان ذلك أخطر قرار اتخذه أبطال المرحلة الانتقالية. وقد تبين لاحقًا أنهم قرروا الهدف (تغيير شكل الدولة) من دون أي تحسب للعواقب (وهذا ما كانوا يفعلونه على الدوام منذ منتصف الستينيات كأيديولوجيين شموليين يعتنقون الكليات، ويتعالون على التفاصيل، ويجيدون التبشير بالجنان)، ومن غير أن يكونوا مسلحين برؤية واضحة حول كيفية إنجاز هذا الهدف (المستحيل في الحالة اليمنية)، ولا ما سيحدث في اليوم التالي على انتزاع قرار بالإجماع من المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني، يؤيده.

والحاصل أن "صناعة الإجماع" التي تشارك في ازدهارها الرئيس هادي واللقاء المشترك واللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيسين السابق والحالي) والحوثيون، هي التي تسببت  -كما تفعل هذه الصناعة بالمجتمعات دائمًا- بالفوضى العارمة التي يعيشها اليمن في اللحظة الراهنة، حيث تتساقط المدن، تباعًا، في أيدي المليشيات، في ما يشبه مشهدًا سينمائيًا من أفلام الإثارة الأميركية التي تنوِّع على فكرة فناء البشر جراء هجوم تشنه كائنات فضائية من كوكب آخر.

الرجال أنفسهم الذين أدمنوا التبشير بالفراديس الدنيوية، وقامروا مرارًا بمصير اليمن في القرن الـ20، قرروا خوض مقامرة أخرى في القرن الجديد. كانوا قد شاخوا، وما عادت لياقتهم تسعفهم لخوض السباق، فتقدمت جماعات فتية لحصد المكاسب، بالتوازي مع قرارات اعتزال متعاقبة لرجال "القائمة الذهبية اليمنية" -أولئك الذين احتفلوا باليوبيل الذهبي لاحترافهم السياسة قبل عامين- من دون حتى أن يحظوا بحفلات تكريم!

في 4 سنوات فقط كانت نخبة السياسة والجماعات المتناحرة قد هبطت باليمن إلى دور الحضيض. لولا قرب المسافة الزمنية بين حال اليمنيين في 2011 وحالهم الآن، لما صدق أحد أن اليمنيين الذين خرجوا إلى الساحات في ثورة فبراير 2011، في مشهد وطني مهيب، يواجهون الموت بصدورهم، طلبًا للمستقبل، هم أنفسهم الذين يتبجحون بالقوة، ويجتاحون المدن، في جائحة ذكورية مسلحة هي النقيض للثورة السلمية التي دفعت بأكبر عدد من اليمنيين واليمنيات إلى الميادين في ثورة ضد العنف والسلاح.

*

صنعاء هي التي ستقرر وجهة اليمن: إلى قلب العصر أم إلى ظلمات القرون الوسطى؟

في غمرة الترويج للمشاريع الخلاصية، العصبوية والرومانسية، تبارى "المبشرون" في هجاء العاصمة قبل أن يتنبهوا إلى مكانتها وقيمتها وحقائق القوة المتعلقة بها في "ساعة الشؤم" التي حلت بهم في الخريف الماضي.

والآن، فإن جماعة مسلحة تمارس العبث نفسه في العاصمة، متعامية عما تعنيه هذه المدينة لليمنيين جميعًا بعد 53 عامًا من ثورة أطاحت بحكم بيت حميد الدين في اليمن الشمالي.

كان سكان صنعاء وفق تقديرات تلك الحقبة (مطلع الستينيات) في حدود الـ80 ألف نسمة.

في منتصف السبعينيات عندما أجري أول تعداد سكاني في اليمن الشمالي، كان سكان "العاصمة التاريخية" نحو 300 ألف نسمة. كانت تقترب من كبرى مدن الجزيرة والخليج سنتذاك؛ مدينة عدن التي كان سكانها قرابة نصف مليون عند الاستقلال.

في 2004 عندما أجري ثاني تعداد سكاني في الجمهورية اليمنية (دولة ما بعد 1990، والتعداد الأول في الدولة اليمنية الجديدة جرى في أواخر 1994، بعد شهور من حرب صيف 94)، كان سكان العاصمة زادوا 30 ضعفًا على ما كانوا عليه في مطلع الستينيات.

في 2014 لم يتم التعداد كما هو مقرر. تمامًا مثلما هو الحال بالنسبة للانتخابات النيابية والرئاسية والمحلية... والنقابية. حتى النقابات المهنية لم تعد تعقد مؤتمراتها الانتخابية، لأن "اليمن الجديد" الذي يصنع في فندق 5 نجوم، لم يكن ظاهرًا في كل الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن صنعاء العريقة، وعن صنعاء الواعدة التي كانت في عقدي ما بعد سبتمبر، ثم في السنوات الأولى من دولة الجمهورية اليمنية، ثم في الأسابيع الأولى من ثورة فبراير 2011، قبل أن تحشر مجددًا في "تابوتها العفنِ" على حد تعبير الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني.

في اليمن توجد 4 مدن كبرى هي صنعاء التي كانت بمثابة مدينة خارج التاريخ تنام خلف الأسوار  مع مغيب الشمس. وعدن التي كانت "باريس" الجزيرة والخليج وشرق إفريقيا حتى الستينيات، قبل أن تتناوب عليها الحملات الثورية في السبعينيات والثمانينيات، وصولًا إلى ذروة الحملات البدائية في 7 يوليو 1994 (هل يحطم الحوثيون الرقم القياسي؟). ثم مدينة تعز عاصمة الرسوليين في القرنين الـ13 والـ14، التي ازدهرت بمكتباتها ومدارسها، قبل أن تخرج من التاريخ  6 قرون بالتمام، ثم إذا بها تصير في منتصف الستينيات، العاصمة البديلة للجمهورية الوليدة في الشمال، والقاعدة اللوجستية للثورة المتأججة في الجنوب. وأخيرًا مدينة الحديدة على البحر الأحمر، التي استفادت من تراجع اهمية المخا في القرن الـ19، واندلاع الثورات في القرن الـ20 (ثم انغلاق الدولة الجديدة في الجنوب منذ نهاية الستينيات، بالتزامن مع إغلاق قناة السويس، بفعل حرب الأيام الست بين إسرائيل والدول العربية).

هذه 4 مدن يمنية كبيرة جميعها، باستثناء واحدة هي مدينة تعز، سقطت في قبضات مليشيوية. صنعاء أولًا، ثم الحديدة في الغرب (وهما في حوزة مليشيات الحوثيين القادمة من الشمال)، وأخيرًا عدن التي سقطت قبل أيام في يد مليشيات قادمة من الشرق (أبين)، لتستبق أية محاولة حوثية لإسقاط عاصمة الجنوب.

هل تم حصر كل المفقودين؟

كلا.

هناك إب، عاصمة اللواء الأخضر أو ما يمكن وصفه بـ"الدلتا" اليمنية، حيث أعلى معدلات هبوط المطر، وأعلى معدلات الكثافة السكانية. وقد سقطت هذه المدينة الساحرة في قبضة الحوثيين قبل 3 أشهر. وهي الآن على وشك أن تكون واحدة من أبرز بؤر الاقتتال الطائفي في اليمن جراء عنجهية الحوثيين وانعدام حساسيتهم تجاه تاريخية المحافظة وتركيبتها شديدة الحساسية.

هناك الحواضر العريقة في حضرموت المهددة بما هو أسوأ من المليشيات الحوثية والجنوبية. هناك تتقدم مليشيات "أنصار الشريعة" (التنظيم المحلي للقاعدة في اليمن)، لتبسط نفوذها وسطوتها على أغلب مدن الساحل وبعض مدن الوادي (أي أعرق الحواضر البشرية في الجزيرة العربية). وفي الموازاة  تحاول تجمعات قبلية أن تحجز لنفسها مكانًا تحت "شموس" القاعدة والحراك والحوثيين.

اليمن بتردى في الظلمات التي خلفتها عقود القهر والحرمان قبل أن تتصير هذه الظلمات فراديس في موفنبيك، يعدون بها اليمنيين كي يتحلوا بالصبر على القتلة واللصوص والفاسدين والمختلسين وأولئك اليمنيين الأقحاح المدججين بالسلاح والمزنرين بالقنابل.

*

عودٌ إلى صنعاء التي تتعرض للنهب عبر التاريخ.

نهبت مرارًا في صباها.

ثم في شبابها.

ثم في عزلتها القسرية في نهاية عصر الإمام يحيى (وريث الأتراك على الشمال).

خرج الإمام يحيى من المدينة في نزهة مع حفيده عبر "باب اليمن" (أي باب الجنوب)، فأطلق عليه الثوار النار بعد "فتوى علمائية" تجيز قتله. وقد خرج نجله أحمد (ولي العهد) من تعز باتجاه حجة (شمال غرب  صنعاء)، ومن هناك استثار حمية القبائل والأعيان والوجاهات، وقاد ثورة مضادة أسقطت صنعاء التي استكانت (وربما رحبت) بالعهد الدستوري الجديد. سنتذاك وعد سيف الإسلام أحمد أنصاره القبليين بمكافأة كبيرة؛ أجاز لهم استباحة المدينة 3 أيام. أراد تأديب سكان المدينة القديمة الذين أرادوا الحياة والانفتاح على العصر. قسا عليهم ونكل بهم، وقرر بعد إخضاعهم نقل العاصمة إلى تعز، عاصمته هو التي استطاب سكناها.

تحتفظ الذاكرة اليمنية الشعبية من تلك الأيام الرمادية، بقصة ذلك المعلم الصنعائي الراقي الذي هاله ما يفعله المسلحون القبليون في منزله من نهب وتخريب. وقد ناشدهم من دون أن يغفل نبرة المعلم قائلًا: "انهبوا ولكن بنظام"!

 *

 الحواضر اليمنية التي كبرت خلال نصف القرن الماضي، تخضع الآن لحكم المليشيات.

كان الحضريون في اليمن في نهاية الخمسينيات، يشكلون أقل من  10%. كانت هناك مدينة كبرى واحدة وعشرات المدن الصغيرة (التي لا ترى بالعين المجردة). كان بين هذه المدن الهزيلة مدن كبيرة لعبت أدوارًا مهمة عبر الألفية الثانية. فإلى صنعاء "التي حوت كل فن" في ماضيها، هناك تعز عاصمة الرسوليين، وزبيد أهم مراكز العلم والتصوف في العالم الإسلامي، و"المخا" التي انتشر اسمها في كل بقاع الكون من دون أن يتذكر أحد أنها كانت من أهم موانئ العالم في القرنين الـ17 والـ18، بسبب تجارة "القهوة" (موكا). وشبام حضرموت أعرق حاضرة في الشرق، تضم ناطحات سحاب (مانهاتن الشرق)، وتريم الغناء، مدينة العلماء والمكتبات والمخطوطات، مدينة الأباضية والاعتزال فالتصوف. والشحر، الميناء المزاحم في الساحل الأوساني في الألفية الأولى. وهناك مثلث الدول اليمنية القديمة، مأرب بسدها ومليكتها بلقيس، وذمار ويريم وغيرهما من المدن المطمورة شرق صنعاء. وهناك غير بعيد من مدينة "إب" تقع جبلة عاصمة الملكة أروى (السيدة بنت أحمد الصليحي) التي جمعت في يدها، كما السيد عبدالملك الحوثي وأسلافه من أئمة الزيدية، الولايتين السياسية والدينية، لكن على الطريقة الإسماعيلية، بعدما مُنحت السلطة الدينية من الخليفة الفاطمي.

كانت عدن وحدها من يحيا في العصر حتى مطلع الستينيات، بينما كان اليمن بأكمله يغط في سبات عميق. لكن نصف القرن الماضي غير الكثير في ملامح اليمن وقسماته. غير بما لا تتسع حدقات العصبويين، بشتى مذاهبهم ومناطقهم وأيديولوجياتهم، للإحاطة به أو التقاطه وإدراكه.

شهد اليمن عبر التاريخ جولات حروب ودورات صعود وأفول لمناطقه، وتنازعته دويلات وإمارات ومشيخات. وكان الصراع يكتسي ملامحه من الجغرافيا، هكذا صار في اليمن "جبالية" وتهاميون وساحليون. رعاة وزراع وصيادون وبحارة. بدو رحل وقبائل متفاوتة القوة وحضر داخل مدن مسورة أو على ما يشبه النقاط الصغيرة في خطوط تجارة البخور واللبان والبن.

والآن، فإن جولة أخرى لحروب الريف على المدن تستعر بلبوس الدين والمذهب والعرق والوطن، في زمن الحرب على الإرهاب.

حروب في عصر البترول والغاز والإنترنت، لكنها تحمل في طياتها بذورًا من الحروب القديمة على خراج المدن!

*

في هذا الفيلم الوثائقي، يظهر النصبان المصري والصيني (والنصبان أقيما لتكريم شهداء الجيش المصري الذين قدِموا لمناصرة ثورة الشعب اليمني، وشهداء الصين الصديقة الذين سقطوا قتلى في معركة قهر الطبيعة لشق طريق إسفلتي بين العاصمة صنعاء في ذروة الهضبة على ارتفاع نحو 3000 متر، والحديدة التي تربض على سطح البحر). تلتقط كاميرا المخرج النصبين الأجردين حينها، ووراءهما على السفح المؤدي من "عصر إلى "باب اليمن" فراغ كبير صار لاحقًا شارعًا يحمل اسم الشهيد محمد محمود الزبيري، أحد أبرز مثقفي اليمن في القرن الـ20 (وأحد مؤسسي الكتيبة اليمنية في الأزهر الشريف، إلى جانب الأستاذ النعمان والسيد محمد علي الجفري، وغيرهم من رواد اليمن في مطلع الأربعينيات).

 

في صنعاء يتجمع الآن أكثر من 3 ملايين يمني. لكن أولئك الذين اجتمعوا قبل عامين في موفنبيك لتقرير مصير اليمن في القرن الـ21، حملوا معهم إلى ذلك الفندق الراقي جدًا، شرقي العاصمة صنعاء، عصبوياتهم الطائفية والمناطقية، ورسموا ما ظنوا أنها خريطة اليمن في الألفية الثالثة.

الرومانسيون، من شتى مشاربهم ومناطقهم، أرادوا إعادة هندسة اليمن وفق تصوراتهم المثالية. وكذلك فعلت الجماعات المسلحة والأحزاب الممسوسة بالمقدسات والمدنسات في يمن وعصر مغايرين.

*

قيمة هذا الفيلم (وشخصيًا لا أفقه لغته مكتفيًا بدلالات الصورة)، أنه  يضع "صنعاء" -بما هي موضع التحولات الكبرى في اليمن الحديث- أمام اليمنيين جميعًا، وبخاصة جماعة الحوثيين التي يبدو من تعاطيها مع اليمن، التاريخ والإنسان والجغرافيا، أنها تعتبر ما جرى في العقود الخمسة الماضية مجرد جملة اعتراضية في تاريخ مديد للزيدية في اليمن.

ليتها تتوقف هنا، بل تذهب إلى ما هو أكثر بدائية من خلال وثيقة وقع عليها قائد الجماعة مع حفنة من علماء الزيدية في صنعاء، تقرر لـ"السيد" الولايتين الدينية والسياسية على أتباع المذهب، ومن ثم على اليمنيين عمومًا.

هذا الحلم الحوثي هو الكابوس الذي يقلق اليمنيين من صعدة إلى جزيرة عبدالكوري في المحيط الهندي!الحوثيون يحلمون.

يحلمون برجعة، في التاريخ والشحوص، تنقل اليمن عقودًا، وربما قرونًا، إلى الوراء. وهم منذ حرب دماج قبل عام ونصف، يخوضون حروب استرداد مدمرة، في كلفها، وفي آثارها على النسيج الوطني،  تلغي أي أثر للخصوم الأيديولوجيين والغرباء الذين حلوا في صنعاء وحوالي صنعاء وصولًا إلى أقاصي الشمال، بدواعي بناء الدولة وتعميق الوحدة، أو بوهم هندسة السكان بتمويل من الجيران، ولغرض تحالفات ما بعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، أو بمظنة أن "اليمن" وطن اليمنيين، قبل أن تنطلق حروب الاسترداد الحوثية في الاتجاه المعاكس!

الحوثيون يحلمون.

أنصار الشريعة (من يريد لهم الحوثيون أن يصيروا "داعش" اليمنية) يحلمون.

وكذلك "أبطال" اللجان الشعبية الجنوبية، الذين يريد لهم المعمرون المخلدون في الجنوب من مواليد الثلاثينيات، أن يصيروا جيش التحرير الوطني الجديد.

هذا يعني أن على اليمنيين الآخرين أن يتكيفوا مع الحقائق الجديدة التي يرعاها المبعوث الدولي إلى اليمن وسفراء الدول العشر الذين بشروا وباركوا ثم غادروا -كما يفعل البيض دائمًا في بلدان إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية- تاركين اليمن يغرق في العنف. عليهم أن يطبعوا أنفسهم على العيش خارج "الكيان"، ونسيان كل ما له صلة بالدولة، من الانتخابات إلى تسجيل الوقائع الحيوية (السجل المدني)، وحتى التعداد السكاني!

صارت الانتخابات جزءًا من التراث.

صناديق الذخيرة تزيح صناديق الانتخابات إلى "مخزن التاريخ".

ولى زمن التعدادات السكانية.

وعاد زمن حصر النفوس (نفوس الذكور الذين بلغوا سن القتال)...

عاد زمن حصر الرؤوس جميعًا تمهيدًا لحشرها في المعارك المقدسة لجماعات التطرف، أو لتعليقها في الميادين العامة.

تعليقها في الميادين.

لم لا؟

فالماضويون يخوضون سباقًا محتدمًا على مستقبل اليمنيين!

 

  • نشر على صفحة الكاتب في فيسبوك 18 فبراير 2015

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً