صنعاء 19C امطار خفيفة

أحمد السنيدار..  من علّمنا حرفة الجمال!

أحمد السنيدار..  من علّمنا حرفة الجمال!
الفنان أحمد السنبيدار - ريشة رقمية النداء

"عن ساكني صنعاء حديثك هات وافوج النسيم،،، وخفف المسعى وقف كي يفهم القلب الكليم". 

هذ المقال استعذبت كتابته كثيراً. فموضوعة الفن مجسداً في أحد رواده. كتبته بقلم من روحي وقطعة من وجداني.

يا الله كم أحب الفن!! فما أنا إلا مريدٌ لراهباته ورهبانه!!

إنه عن الاستاذ الفنان العظيم أحمد السنيدار. أحد أهم ملهمي الحياة وصانعي مشاريع الجمال في هذا البلد.  

الأستاذ احمد السنيدار إنسان لا يجود الزمان بمثله. حين ولد، ولد معه مشروعه الخاص؛ إنشاء مدرسته الخاصة في الفن والغناء. 

ينتمي السنيدار الى أسرة صنعانية متعددة المواهب؛ فيها الثوار الحقيقيون، التجار البارزون، القضاة والمحامون الناجحون وفيها المحبطون... من كنف هذه الأسرة الصنعانية الكريمة خرج الفنان الكبير أحمد السنيدار أحد أهم حائكي الجمال في هذا البلاد. 

مع الخيوط الأولى لضوء صباه؛ اكتشف نفسه، والتقى بشغفه، وعانق موهبته وعاهدها بوفاء العشرة والصبر معها على خطوب الجهل والقبح حتى اكتمال مشروعه. 

الأستاذ السنيدار هو ابن جيل سبتمبر العظيم... ذلك الجيل الذي خرج منه كل عظماء الغناء والشعر والأدب.. وحينما أجدب سبتمبر أجدبت اليمن. 

منحه الله نقاءاً فريداً في صوته فكان الفنان، واختصه بصفاءٍ نادرٍ في روحه فكان الملحن الموسيقار.

بصفاء صوته ونقاء روحه، وبإصرار أولي العزم استكمل السنيدار مشروعه الفني كاملاً دون نقصان... أنجز أحد أعظم مشاريع الحياة في بلادي.. أوفى وعده وقدم مدرسة فريدة في الغناء الصنعاني المتميز.

هو لم يكن يعزف! كان يصلي... حين يغني،، كان يمارس طقوساً صوفية تتعبد فيها كل جوارحه وهو يرتل كلمات أغانيه وكأنه خاشعاً في الصلاة أمام آلهة الجمال لدى الإغريق.

يتمايل رأسه، يرتجف رمشاه، يهتز كتفيه لتتحد كل جوارحه وكأنها فرقة موسيقية بكل أعضائها وأدواتها. 

لمن استعذب الفن الصنعاني،،، ستبقى تلك اللحظات الموسيقية لموسيقارنا مفعمة بأكثر الأشياء هروباً في الروح،، وستكون أمتع الدفقات تلك التي استثارت سكون الأعماق.

تنوع السنيدار في عطائه،،، غني للحب، صلى للأرض، جوّد للبن، ورتّل لليمن الكبير. 

الإنسان اليمنى - بحكم تراثه الفني وارتباطه بموسيقى وأهازيج العمل أثناء الكدح في الحقل أو فوق "السقالة"- يسلم نفسه للغناء كسلطة تفوق حدود مقاومته لها على مدار التاريخ حتى جاءنا الزائر الوهابي الثقيل ليحد من نفوذ هذه السلطة الفاتنة. 

استلهم فناننا الكبير عميقاً التراث الشعبي وفك معظم شفراته الروحية والنفسية، وعرف أسرار الإذن الموسيقية لجمهوره، ثم جاء بموهبته الفنية ليضيف إلى صدى الماضي شيئاً جديداً يكمل الماضي دون أن يقلده، ينعشه بفرادة دون خيانة. 

كفنان استوى بمواهبه على عرش الفن، أضاف إلى الموروث الصنعاني مقامات وألحان وإيقاعات تجديدية خلاقة غير مرشحة للغمر لعشرات عقود قادمة. 

فكونه نهل من ينابيع الموروث لا فروعه، إضافاته أمست جوهرية وساطعة في التراث فغدى به الدخيل أصلاً. 

السنيدار - في أعماقه الفنية السحيقة - حافظ على وشائجه مع التراث وجنبها الاقتلاع فأمست جل إضافاته تنهمر أصيلة على أعماق جمهوره.

التحديث في الإذن الموسيقية المؤتلفة مع تراثها محفوف بأخطار التيه والشرود إذا نأى المحدِّث عن جذور اللاوعي. تلك مخاطرة نهض بها شاعرنا بتلقائية ثاقبة وبحدس حاد وبنجاح كبير. 

على أنغام عوده ذات المستويات الإيقاعية المتدرجة؛ تبارى الراقصون والراقصات، الهائمون والهائمات، لكتابه نوته موسيقى الجسد. فاكتملت مدرسته الفنية بمدرسة الرقص الصنعاني العذري... وهل الغناء والطرب إلا استفزاز محموم لسكون الجسد؟!

الفن في أي ثقافة هو محاولة إغواء الذات لتقول شيئاً عن جوهرها بالصورة أو الصوت أو الحركة... ذلك ما قام به فناننا الكبير وكل جيل العظام الذي انتمى إليه؛ أيوب طارش، أبوبكر سالم، محمد حمود الحارثي، المرشدي والآخرين الكبار. 

حاصل فن هؤلاء العظام هو اليمن. 

سقاك الله كل خيراً فناننا الكبير، كما سقيتنا زلال الفن وعلمتنا مهنة الجمال. 

في هذا المقام؛ أهدي لك يا استاذ أحمد ولكم جميعاً أصدقائي الكرام مقطعاً قصيراً من إحدى روائعه؛

"عن ساكني صنعاء ،،، حديثك هات وافوج النسيم"

كلمات الشاعر والقاضي العلامة عبدالرحمن بن يحيى الآنسي. 

عن ساكني صنعا 

حديثك هات وافوج النسيم 

وخفف المسعى 

وقف كي يفهم القلب الكليم 

هل عهدنا يرعى ؟

ولا يرعى العهود إلاّ كريم 

وسرّنا مكتوم 

لديهم أم معرّض للظهور ؟

.........

تبدّلوا منا

وقالوا عندنا منهم بديل 

والله ما حلنا 

ولا ملنا عن الود الأصيل 

ما بعدهم عنّا 

يغيّرنا ولوطال الطويل 

عقد الهوى مبروم 

أكيد لا ينقصه مر الدهور 

.......

بالله عليك ياريح 

امانه إن تيسّر لك رجوع 

لمّح لهم تلميح 

بما شاهدت من فيض الدموع 

والشوق والتبريح 

والوجد الذي بين الضلوع 

وأحذر يكون مفهوم 

حديثك انني أخشى النفور

 

* جلال الحلالي 2018، صفحة الكاتب على فيسبوك

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً