صنعاء 19C امطار خفيفة

انطباعات موجزة عن السعودية ومصر والتواجد اليمني فيهما! (٣)

في مدينة "القاهرة" التي زُرتها عشرات المرات، ومازلتُ وسأظل أزورها طالما وفي العمر بقية.. هذه المدينة الكبيرة بعرضها وجوهرها، العزيزة على أمثالي، والتي تظل في تجدد مُستمر، فهي لا تشيخ كحال بعض المدن الكبيرة أمثالها!

واستمرار التطور العمراني والتنموي، مع الاعتراف بصعوبة تلبية كل الضروريات الممكنة بخاصة للأشقاء المصريين، ربما بسبب استمرار التصاعُد المُستمر في كل ساعة بل في كل دقيقة للسكان! إضافة إلى رغبة معظم المصريين بالبقاء في القاهرة دون غيرها من المدن المصرية الأُخرى! كذلك لا بد من التذكير باستمرار حفاظ معظم الشعب المصري على أصالته وقيمه وثوابته رغم كل ما ومن حوله! وتفاعله الإيجابي والدائم دولة وشعبًا مع كل زائر ووافد إلى مصر عامة، وإلى القاهرة خاصة، بمن في ذلك من هربوا من جحيم الحروب التي انطلقت بسبب تدخلات خارجية كان لها الدور الأكبر في تغذية الثارات والكراهية بين أبناء الشعب الواحد! وهو ما يحدث ولايزال في سوريا والسودان واليمن، ليجدوا في مصر الملجأ الآمن بحق.. وفي كل مرة أزور القاهرة أعود من جديد أتجول على بعض أماكنها السياحية التي لا يمل أمثالي رؤيتها مرات ومرات، ومشاهدة التقدير اللامحدود من حكومات مصر المُتعاقبة لبعض أهم قادتها ورموزها السياسيين والاقتصاديين والمفكرين والشعراء والأُدباء والفنانين، حيث نصب تماثيل صور بعضهم، وإطلاق أسماء البعض على أهم الشوارع والميادين وغير ذلك.
 
وبالنسبة للتواجد اليمني بمصر، بالذات في القاهرة، فلن آتي بجديد إن أكدتُ التعامل المصري الرسمي الاستثنائي مع اليمنيين، فيصعب -إن لم يستحل- أن يشعر اليمني المتواجد بالقاهرة، أكان ذلك التواجد للعلاج أو للدراسة أو للإقامة، بأية غُربة، بل يتواجد مع أشقائه المصريين في "المترو" و"الباص" وفي الأسواق والمتاجر والمقاهي والمطاعم والمنتزهات والمدارس والجامعات وغيرها، ودون أي إحساس أو شعور بالغربة أو بوجود تعامل يختلف عن التعامل مع غيره! كما لم أسمع كيمني أحدًا يسألني عن جنسيتي أو عملي أو مهامي باستثناء التعامل الرسمي عند الحاجة! كذلك لم ألاحظ كيمني ولا غيري من الجنسيات العربية الأُخرى حسب علمي، أي تعالٍ أو شكوى أو تذمر من الشقيق المصري، بخاصة ممن يقومون ببعض المهن الخدمية وَغيرِها في حدود القانون.. حتى الأطباء حيث المقصد الأول لمعظم اليمنيين بمصر، لا نجد تعاملًا يختلف عن التعامل مع المريض المصري، بل توجد أسعار خاصة (بالأشقاء العرب) في بعض العيادات، مما يؤكد استحالة وجود العروبة دون مصر، والعكس صحيح أيضًا.
 
 إضافة إلى اهتمام استثنائي من بعض الأطباء ببعض المرضى، وهو ما وجدته شخصيًا لدى الدكتور أيمن سعيد سالم، الطبيب المخضرم أبًا عن جد، والذي يتسم بأخلاق وقيم نادرة حقًا! وتعامل استثنائي مع مرضاه، وهو طبيب متخصص بأمراض الصدر، ورئيس قسم أمراض الصدر بكلية طب قصر العيني بجامعة القاهرة، حيث أتردد عليه كلما تواجدتُ بالقاهرة للعلاج من "الربو" و"التحسس" الذي أُصبتُ به أثناء سجني بسجون "الحوثيين". إضافة إلى طبيب العيون المعروف الدكتور مدحت عبدالسلام، أستاذ طب وجراحة العيون بالمعهد القومي لعلوم الليزر بجامعة القاهرة، وهما من قمتُ بزيارتهما خلال زيارتي الأخيرة للقاهرة، وأمثالهما كثر.
 

وإن كانت لا تخلو القاهرة من وجود أطباء بعيدين عن بعض الصفات الإيجابية، ولذا لا غرابة أن يشكو بعض المرضى اليمنيين من بعض ما يحدث لهم أحيانًا من مثل هؤلاء، فالكمال لله وحده! وما أود التأكيد عليه هنا، هو أنني وقد عشتُ سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الدراسة، وزرت بعض أهم مدنها، كما زرتُ بعض الدول الأُوروبية والعربية، وباستثناء مكة المكرمة والمدينة المنورة، فإنني لا أجد راحة نفسية ولا سعادة ولا اطمئنانًا كما أشعر بذلك عند تواجدي بمصر!

 
وما أقوله عن مصر وقاهرتها هنا قد قلتُ بعضه قبلًا، وسأظل أقوله، رغم أن الكلمات مهما كانت تظل عاجزة عن وصف مصر وقاهرتها، والتعامل الأخلاقي والإنساني من قبل مصر قيادة وحكومة وشعبًا مع كل الوافدين إليها، خصوصًا مع اليمنيين، وهو ما يجسد تعايشًا بات يُميز مصر عما عداها!
كما أن التعامل الاستثنائي مع اليمنيين لا ينكره إلا جاحد، ولا غرابة بذلك، فمصر ظلت ولاتزال موئل بعض اليمنيين، بخاصة منذ قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة وحتى اليوم! وازداد اعتماد بعض وربما معظم اليمنيين على مصر منذ انقلاب 21 سبتمبر 2014م المشؤوم، حيث كانت مصر الوِجهة الأُولى لهروبهم من قهر وبطش وإذلال الحوثيين، ليجدوا بها الأمن والعيش الآمن! حيث التعامل الاستثنائي النادر بدءًا من المطار عند الدخول وحتى الخروج منه! بخاصة السياسيين المتواجدين بالقاهرة بسبب انقلاب "الحوثيين"، والذين جعلوا من "القاهرة" منطلقًا لهم في الذهاب إلى مختلف الدول، بخاصة عند تمثيل "الشرعية" عند عقد بعض المؤتمرات والندوات واللقاءات التي تُعقد في بعض الدول، إضافة إلى ما يجدون من تقدير وتعامل استثنائي وإتاحة الفرصة لبعضهم بمزاولة المهام الاستثمارية والتملك، دون أية عقبات أو تساؤلات رسمية! حتى وصل ظني بمثل هؤلاء أن اليمن و"الشرعية" التي يمثلونها لم يعودا موجودين لديهم إلا عبر قيامهم بنشر بعض الأخبار والمنشورات في بعض المواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، والتي بعضها مُستقاة من الداخل، دون التأكد من صحتها! إضافة إلى قيامهم بإرسال بعض التعازي والتهاني لنظرائهم في المناسبات المختلفة، ثم -وهو الأهم لهم- حرصهم على المشاركة في بعض المؤتمرات والندوات واللقاءات المختلفة، و.. باسم "الشرعية"!
 

إن التعاملات المصرية الرسمية والشعبية مع اليمنيين ليست غريبة على مصر! لأن ما يجمع بين الشعبين الشقيقين ليس محصورًا بجانب دون آخر، كما أن العلاقة ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، وإنما ترجع إلى فجر الإسلام والدور اليمني في فتح مصر، مرورًا في الأدوار التاريخية المُتعاقبة، وُصولًا إلى الوقوف المصري الرسمي والشعبي مع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة، ليمتزج الدم المصري باليمني أثناء الدفاع عن الثورة، والتي لولا إرادة الله ثم وجود الجيش المصري حينها لَمَا ثبتت ونجحت، إضافة إلى وجود المدرس المصري والطبيب المصري والخبير المصري... و... و..

 
ولذا لا غرابة أن يُكن الانقلابيون الحوثيون عدَاء مُسْتَتِرًا ومُعلَنًا لمصر قيادة وشعبًا لدورها في إنهاء نظام آبائهم وأجدادهم، حتى جاءتهم فرصة بعض الانتقام منها، ممثلة بقيامهم بمسرحيات هَزَلية ضد بعض السفن التجارية في البحر الأحمر، ولينتقم الحوثيون ولو جزءًا من عدائهم لمصر بذلك، حيث تراجعت إيرادات قناة "السويس" إلى أقل من النصف، بسبب تلك الهجمات الصبيانية! وَبِزَعم نُصرة "غَزَّة"، مع أنه لم يستفد قادة ومقاتلو ومواطنو "غزة" المظلومة من ذلك شيئًا! بل لم تتأثر إسرائيل من ذلك بقدر ما هو العكس!
 
فالتعامل المصري الرسمي والشعبي مع اليمنيين حاضرًا بل ومستقبلًا بعون الله، يستوجب على كل يمني حفظ هذا الجميل لمصر قيادة وحكومة وشعبًا، وليظل في وجدان وشعور كل اليمنيين، وتقديم الشكر والعرفان بالجميل كأقل ما يجب علينا كيمنيين.
 
ثم قمت بزيارة بعض من رأيتُ زيارته بالقاهرة أثناء تواجدي الأخير بها، وكانت زيارتي الأُولى للشيخ الأهيل الأصيل سلطان بن سعيد البركاني، رئيس مجلس النواب.
 
وبعيدًا عما تجمعني به من قرابة وَخُصُوصيات، فإن ما يَجب أن يُحمد ويُشكر عليه، هو اختياره للسكن وسط القاهرة، مما يسهل الوصول إليه للزيارة أو للمراجعة أو لطلبات أُخرى من بعض اليمنيين المتواجدين في القاهرة، بحكم منصبه الرسمي، ووجاهته، فسكنه عكس سكن مُعظم قيادات "الشرعية" المتواجدة بالقاهرة، والبعيدة بمقرات سكنها وتواجدها عن أمكنة وتواجد مُعظم اليمنيين! مما يصعب الوصول إليهم من بعض اليمنيين الذين يحتاجون لهم بحكم مناصبهم الرسمية!
كانت زيارتي الثانية، هي لنائب الرئيس ورئيس الوزراء الأسبق والسفير لليمن حاليًا بالقاهرة، الأُستاذ خالد محفوظ بحاح، الذي ارتضى بمنصب سفير بعد أن كان نائبًا لرئيس الجمهورية ورئيسًا للوزراء.. وأحسب أن ذلك يُحسب له، ويعكس توجهاته الوطنية، أو ذلك هو ما يأمله أمثالي، وهو ما قلته له شخصيًا أثناء لقائي به في مكتبه بالسفارة، وكان معي زميل "الزنزانة" الولد حمزة.
 

تحدثنا عن بعض هموم وشجون الوطن، بما في ذلك التذكير بالماضي القريب، وما حدث من مآسٍ وَمِحن كانت من أهم أسباب الوضع القائم اليوم! بما في ذلك أيام حِصاره بمنزله بعاصمتنا المحتلة حاليًا صنعاء -العزيزة- من قبل المليشيات الحوثية، رغم أنهم كانوا وراء اختياره رئيسًا للوزراء في تلك الفترة! ليترك منصبه المُريح بالأمم المتحدة من أجل الوطن، ويقبل بالمنصب! ثم ليكون مآله الحصار داخل منزله فترة زمنية ليست قصيرة!

 
ثم شرح لي بعضًا من توجهاته وتطلعاته في إطار عمله بالسفارة، ومن ذلك إعادة الاعتبار لمهام السفارة، وأهمها تقديم خدماتها لليمنيين المتواجدين بمصر، وهم كُثر، وبالصورة التي هي من أهم مهامها، إضافة إلى تطلعه إلى إعادة الاعتبار للوظيفة الدبلوماسية في السفارة بعد أن باتت مُصَابة بالتُّخمة في هذا الجانب، وفي إطار صلاحياته الرسمية بذلك، مع أن ما يجب القول به هنا، هو أن التخمة وغيرها لم تَعُد مقتصرة على سفارة اليمن بمصر، بقدر ما باتت مُبتلاة بها معظم السفارات اليمنية الأُخرى. وأحسب أن السفير بحاح بحاجة إلى وقت وَجُهد كبيرين ومثابرة لإصلاح بعض ما أفسده سلفه، أعانه الله!
واستفسرتُ منه عن حقيقة حجم المتواجدين من اليمنيين بمصر بحكم مهامه، فأكد لي عدم وجود إحصائية دقيقة، وأنه من خلال تعامل السفارة بما فيها القنصلية مع اليمنيين المُراجعين سواء لقطع جوازات أو لتجديدها أو لغير ذلك من تقديم الخدمات ذات الصلة، فإن هؤلاء قليلون! مضيفًا أن العدد الحقيقي يرجع إلى السلطات المصرية من خلال نوافذ الدخول، والتي قدرت العدد بمليون ومائتي ألف! مضيفًا: "وحينما طلبنا منهم صورًا من القوائم الرسمية الخاصة بدخول اليمنيين، وَعدوا بذلك وحتى اللحظة -يوم اللقاء- لم تصل إلى السفارة!". وعدتُ شخصيًا إلى بعض ما تنشره بعض الجهات غير المصرية مثل "المنظمة الدولية للهجرة"، والتي قدرت أن عدد اليمنيين بمصر حاليًا يتجاوز المليون! لكنني شخصيًا، ومن خلال البحث والتحري الشخصي لنشر معظم ما له علاقة بذلك، إضافة إلى اللقاء ببعض اليمنيين المقيمين بالقاهرة، والذين عندهم بعض الخلفيات... الخ، يمكنني القول بأن عدد اليمنيين المُقيمين بمصر حاليًا، قد لا يتجاوز المائة والخمسين ألفًا على الأكثر، إن لم يكن أقل! وهذا العدد بغير الواصلين للعلاج أو الزيارات القصيرة، وسرعان ما يغادرون مصر.
 
واتفقنا (معالي) السفير وأنا على أهمية معرفة عدد اليمنيين المقيمين حاليًا بالقاهرة! حتى لا تتاح الفرصة لبعض المنظمات والهيئات ذات العلاقة، في تقدير حجم الأعداد دون التأكد من ذلك، لهدف المتاجرة أو لغيرها!

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً