منك لله يا عبدالناصر، لو لم تأتِ أنت وجماعتك، لكانت المنطقة واحة ديمقراطية على الأقل مثل اليابان، ولكانت كل بلدان المنطقة تعيش في ظل أنظمة ملكية ديمقراطية مثل السويد والنرويج. منك لله بسبب هزائمك وفشلك السياسي والعسكري، ها هي إسرائيل تعربد في المنطقة طولًا وعرضًا.
منك لله بسببك استُبعدت الألحان الحديثة وحلت محلها الطقطوقة اللعينة وعلى بلد المحبوب وديني. منك لله بسبب التردي الفني والثقافي في عهدك، جاء "السح الدح امبو" و"يالبرتقاله عذبتي حاله". منك لله، لم تولِ الأزهر وكل بيوت الله العناية التي أوليتها لأم كلثوم وعبدالحليم، حتى أورثك الله الهزيمة والعار والشنار. منك لله بس.
الكراهية ظاهرة تنطوي على تفاعل دقيق بين المعنى المقصود الضمني والمعنى المدرك أو المفسّر وتأويلاته لدى المتلقي. نادرًا ما يتطابق المعنى الضمني مع المعنى المفسّر، مما يؤدي إلى سوء فهم. وهكذا يصبح أي خطاب من هذا النوع هو صفة تعبر عن الكراهية.
هل كان النظام الملكي فاسدًا؟ سيجيبك الكثيرون: نعم، كان فيه فساد كبير. هل ألغى النظام الملكي المرحلة السابقة بكل إيجابياتها ولم يبنِ عليها على الأقل على المستوى الاقتصادي والسياسي؟ سيجيبك الكثيرون: ربما احتفظ ببعض المظاهر السياسية، ولكنه فشل في السير على نفس الخطى التي كان قد بدأها محمد علي باشا المؤسس. إذن، لماذا لا توجد كراهية نحوها بالمستوى الذي نرى فيه كراهية مرحلة 23 يوليو؟
الجواب هو أن مرحلة يوليو كانت خصمًا حقيقيًا لأربعة أطراف في السياسة الدولية:
1. أمريكا وبريطانيا ومصالحهما في المشرق.
2. إسرائيل وطموحاتها في المنطقة.
3. الأنظمة الملكية في المنطقة وخوفها المستمر والمتجدد من أي نظام ثوري ذي صبغة جمهورية واستقلالية عن الغرب.
4. الجماعات والأحزاب ذات التوجهات المؤدلجة، التي تسعى للسلطة تحت يافطة فكرية إسلامية أو تقدمية، وغيرها.
إذن، بالضرورة، لا بد أن تستمر الكراهية، لأن أركانها وأقطابها مايزالون مستمرين. لا يمكن تفسير الكراهية فقط بسوء الإدارة أو الفشل السياسي والعسكري الذي حدث، والذي قد يحدث مع أي نظام سياسي. الكراهية ستستمر ما دامت أطرافها الأربعة الرئيسية مستمرة.
بصراحة، لا ألوم كثيرًا الأطراف التي لها موقف فكري عقائدي من عبدالناصر، مثل الإخوان. لكن اللوم كله على الأحزاب والجماعات العلمانية التقدمية التي تعرف حق المعرفة الموقف الفكري ليوليو. ذلك الموقف الذي تم التعبير عنه بالانحياز للفنون والآداب، حتى إن تلك المرحلة كانت فيها مصر ليس فقط مركزًا سياسيًا في المشرق كله، بل مركزًا ثقافيًا وعلميًا عالميًا.