صنعاء 19C امطار خفيفة

إعادة الاعتبار لمهنة المحلل السياسي

2024-05-31
إعادة الاعتبار لمهنة المحلل السياسي

قوة التحليلات في مصداقيتها وموضوعيتها، ما لم فإنها تتحول في الأغلب إلى مجرد تكهنات، وقد تنزلق لتحمل مبررات لمواقف واتجاهات معينة، أو أنها تصبح مجرد تحصيل لـ"حاصل".

والأستاذ محمد حسنين هيكل -رحمة الله عليه- عندما كان يقول: "أنا صحفي ولا أقدم إلا رؤيتي"، فإنه كان دائمًا ما يدعم حديثه بالحقائق والمواقف والوثائق التي كان ينظر إلى أنها تؤيد ما يقوله.. وقد بات واضحًا أن الانتشار الذي تشهده الفضائيات ووسائط السوشيميديا، والتي تحولت في أحيان كثيرة إلى "سوس ميديا"، قد أسهم إلى حد كبير في تمييع الأسس التي قامت عليها مبادئ العمل الصحفي والإعلامي، وانعكس ذلك سلبًا على المحتوى الذي يُقدم للجمهور.

إن "التحليل السياسي" ومهنة "المحلل السياسي" ليست مهنة من ليس له مهنة، فهي مهنة صعبة ومجهدة إلى حد كبير؛ وتتطلب قدرات ومهارات وقدرًا كبيرًا من الإتقان على جمع البيانات وتحليل السياسات، وإدراكًا وفهمًا عميقًا للأحداث والظواهر موضع التحليل، إلى جانب الوعي المعرفي والإلمام المعلوماتي بالعوامل التي تعلل وتفسر وتكشف جوانب الغموض الذي قد يصاحبها، وذلك وصولًا للاستنتاجات والتوقعات والاستشراف الدقيق والمسؤول للمعالجات والتنبؤات بمصير الأحداث والأزمات والتحديات التي قد تنجم عنها؛ إضافةً إلى أنها مهنة تتطلب الإلمام التام بالقواعد المتقلبة للعمل السياسي واللعبة السياسية التي لا تنفك رمالها المتحركة لا تتوقف ضمن حدود معينة.

إن من يتصدر الشاشات مقدّمًا نفسه كمحلل سياسي، ومن يجد في وسائط "السوشيال ميديا" مجالًا خصبًا يعبّر من خلاله عن رؤاه الخاصة، ووجهات نظر لا تكاد تبارح مخيلته، هو دون شك يكون سببًا مباشرًا في الإساءة لمثل هكذا تخصص، عدا عن كونه قد يتسبب في نقل الرأي العام إلى حالة من التصدع والإرباك، وما لم يتم تقديم المعلومة للرأي العام بدقة ومسؤولية كبيرة، فإن ذلك يقود أيضًا إلى اتساع الفجوة بين صانع القرار وبين الرأي العام، فتنعدم معها الثقة بين الطرفين، كما قد يؤدي إلى تعميق الهُوة بين أفراد المجتمع.

إن أكثر ما يؤثر على مصداقية أي تحليل سياسي، هو ذلك الانتقاء السياسي الذي تمارسه الوسائل الإعلامية من خلال اختيارها "محللين سياسيين" يكرسون من خلال أحاديثهم الانقسام السياسي في أي مجتمع كان، وتجسيدهم الواضح لتبعية هذه الوسائل لطرفٍ ما، فينتفي معها معيار الاستقلالية التي يجب أن يتمتع بها التحليل السياسي.
إن الرهان الأخير في إعادة الاعتبار لمهنة التحليل السياسي أو المحلل السياسي، يقع على عاتق الجمهور الذي يتمكن بمرور الوقت من التمييز بين المواقف، والتعرف على الوسائل الأنسب التي من خلالها يمكنه الحصول على المعلومة الموثوقة والتحليل السياسي الأكثر دِقةً، والمحلل السياسي الأكثر موضوعيةً.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً