صنعاء 19C امطار خفيفة

ماذا لو كانت كلماتنا بذورًا؟

نرميها دون أن ننتبه، لكنها تجد طريقها إلى أرضٍ ما، قلوب، عقول، أو حتى ذاكرتنا المشتركة كمجتمع. بعضها ينبت محبة، وبعضها يُثمر فهمًا، لكن منها ما يُنبت شوكًا لا يُرى... إلا حين نخطو عليه.

 
في حياتنا اليومية، قد نستهين بقوة الكلمة. نردد عبارات، نسرد نكاتًا، نُطلق أحكامًا، وربما نُصرّح بمواقف دون أن نفكر: ما الذي تُحدثه هذه الكلمة في قلب الآخر؟ كيف تسهم في تشكيل مناخ اجتماعي مشحون أو مطمئن؟ هل تزيد من مساحة الضوء، أم تُطفئ شمعة في نفس أحدهم؟
خطاب الكراهية لا يبدأ بشعارات كبرى، بل بكلمات صغيرة تتكرر حتى تصبح مألوفة، مقبولة، بل ربما مبرَّرة. يبدأ من تهميش، من سخرية، من تصنيف الناس وفق أصولهم أو معتقداتهم أو لهجاتهم. شيئًا فشيئًا، تصبح اللغة معولًا لا جسرًا، وسورًا لا نافذة.
لكن كما أن للكلمة قدرة على الهدم، فإن لها قدرة هائلة على البناء. حين نقول "أنا أراك"، "أنا أفهمك"، "أنت مهم"، نحن لا نطلق مجاملات، بل نزرع بذورًا تنتج علاقات أكثر أمنًا وإنسانية. نحن نُعيد ترتيب النغمة العامة التي تدور فيها حواراتنا اليومية، في البيت، في المدرسة، في الشارع، وحتى على صفحات التواصل.
المجتمعات لا تنهار فجأة، بل تتآكل من الداخل، حين تضعف روابط الثقة بين أفرادها. وإن كان للكلمة دور في الهدم، فلها دور أهم في الوقاية. حين تصبح اللغة حاملة للرحمة، تتحول إلى أداة لحماية النسيج الاجتماعي من التمزق.
لا أحد منّا معصوم، ونحن جميعًا نخطئ في لحظات غضب أو جهل أو انفعال. لكن القوة لا تكمن في الخطأ، بل في القدرة على المراجعة، على الاعتذار، على إعادة ضبط البوصلة الأخلاقية لما نسمح لأنفسنا أن نقوله أو نكرّره. لأن الكلمات التي نختارها ليست فقط مرآة لأفكارنا، بل هي أيضًا البذور التي ستنبت في تربة المجتمع من حولنا.
فهل نملك شجاعة السؤال: أي بذور نزرع اليوم؟

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً